معادلة “الحل الانتحار”
سعد محيو
محمد دحلان “تحدث أطناناً”، كما يقول المثل الشائع، هو بذلك أعفى الكثيرين من تقديم المبررات وسوق الحجج للدعوة إلى تغيير الاستراتيجيات الفلسطينية الراهنة، سواء لدى فتح أو حماس .
قال دحلان: في آخر اجتماع (للجنة المركزية لفتح) قلت إن السلطة الفلسطينية لم تعد سلطة، وإن الاحتلال “الإسرائيلي” عاد كما كان في السابق وأصبحنا نحن سلطة خدمات وليس سلطة سياسية . فالإدارة المدنية “الإسرائيلية” تُوزّع صلاحيات على حماس في غزة وصلاحيات في الضفة، لكن المضمون السياسي، أو ما تبقّى من أوسلو، استعادته “إسرائيل” .
وقال دحلان: المواطن الفلسطيني لو أراد تصريحاً يذهب إلى الإدارة المدنية (“الإسرائيلية”)، وكذلك رجال الأعمال، ونحن نقوم بواجبات أمنية داخلية حقيقية نستفيد منها، لكنها أيضاً لمصلحة “الإسرائيليين” . كان المفروض أن تنفذ “إسرائيل” التزاماتها السياسية في مقابل أن ننفذ نحن التزاماتنا الأمنية، الآن “إسرائيل” لا تنفذ التزاماتها السياسية، ولا تنفذ أيضاً ما تبقى من أوسلو حتى يمكننا أن نقول إن هناك إنجازاً ما للسلطة .
وقال دحلان: لكن هذا لايعني على الإطلاق حلّ السلطة . هناك 170 ألف موظف في السلطة الفلسطينية، أين سنذهب بهم؟ وهناك 50 إلى 60 ألف مسلح في الضفة الغربية، ما مصيرهم؟
هكذا تحدث دحلان، عضو اللجنة المركزية لفتح الذي يقيم علاقات وثيقة للغاية مع أجهزة الأمن الأمريكية بحكم المهنة (الأمريكيون يشرفون على الأجهزة الأمنية الفلسطينية)، وأيضاً بحكم الهواية، حيث إنه يعدّ نفسه صديقاً لواشنطن، واعتاد أن يضع على مكتبه صورة لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق .
سنأتي إلى تحذيرات دحلان من الانتحار بعد قليل، لكن، قبل ذلك يجب أن نتوقف ملياً أمام توصيفه لوضعية السلطة واتفاق أوسلو، إذ هو في الواقع ينعاهما معاً، ولم يعد ينقص بعد النعي سوى مراسم الدفن . والمثير هنا أن دحلان كان أكثر تهذيباً من “الإسرائيليين” حين قال إن السلطة لم تعد سلطة . وعلى سبيل المثال، قال الكاتب “الإسرائيلي” شائي غولدن إن ما تقدمه “تل أبيب” إلى الفلسطينيين “لايتعدى ممارسة السلطة على أقنية الصرف الصحي في جنين” .
أجل، مشروع السلطة انتهى، وكان يفترض منذ أمد بعيد (وليس الآن كما يُهدّد الرئيس عباس)، أن تُحال أوراقه إلى المفتي أو الأرشيف، وأن يبدأ العمل لإعادة بناء حركة التحرر الوطني الفلسطيني على أسس استراتيجية وطنية وقومية وإسلامية جديدة . وعملية إعادة البناء هذه تشمل أيضاً حماس، لأن هذه الأخيرة تحكم سعيدة في غزة في إطار أوسلو وانتخاباتها، وتحاول أن تبني دولتها وموقعها التفاوضي في إطار أوسلو ومعادلاتها .
نعود الآن إلى تحذير دحلان من “تشريد” 250 ألف موظف لنتساءل: ألم تكن حركة فتح – عرفات توظّف عشرات، بل مئات آلاف الفلسطينيين في لبنان والأردن والأراضي المحتلة وكل أنحاء العالم قبل أوسلو؟ هل كان المال في وقت ما عقبة أمام العمل الوطني الفلسطيني؟ ثم: هل يتعيّن أن يقبل الشعب الفلسطيني بواقع الاحتلال والتفتيت والدوس على الكرامة الوطنية وحقوق الإنسان، مقابل الوظائف؟
دحلان تحدّث بالفعل أطناناً (عدا بالطبع معادلة الحل – الانتحار) . لكن يبقى أن تقوم فتح وحماس بالفعل الفعلي: اتقاء الله، ونبذ الحكم لمصلحة الحكمة والعمل الصالح .
الخليج