الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

نكسة غربية

محمد ابرهيم
الاتفاق الذي انجزته كل من ايران وتركيا والبرازيل والمتعلق بتبادل الاورانيوم المنخفض التخصيب في مقابل اورانيوم مخصّب بنسبة عشرين في المئة حقق غرضه.
فطهران كانت متيقنة من ان مشروع العقوبات الجديدة بحقها في مجلس الامن قد سلك طريقه. وبعد روسيا باتت الصين تنظر بايجابية الى مستوى معين من العقوبات.
وطهران التي اعتمدت سياسة النَفَس الطويل في مواجهة الغرب تشعر اليوم ولا شك بأنها اخذت فرصة اضافية. فما كانت تصر عليه واشنطن وحلفاؤها بات في متناول اليد.
لقد حل الاتفاق قضية التبادل عندما حلّ عقدتين: من ناحية كانت طهران ترفض المبادلة خارج اراضيها، لانها كانت على ثقة بان ذلك يعني فقدانها السيطرة على مخزونها من الاورانيوم الضعيف التخصيب، ومن ناحية اخرى كانت تجد حرجاً في رفض عرض اردوغان ان تكون تركيا ارض التبادل.
وافقت طهران على التبادل خارج اراضيها، واعلنت ثقتها بأنقرة، فكان ان حلت العقدتين معا.
وفي الحقيقة فان الثقة التي اكتسبتها تركيا ومنحتها ايران تأتي بعد سلسلة من المواقف التركية، منذ غزو العراق عام 2003، تثبت ان السياسة الخارجية الجديدة لأنقرة اتجاه ثابت، وليست مجرد انعكاس لحاجات سياسية تركية داخلية.
كان محور السياسة الخارجية الجديدة هو الموقف الحازم من اسرائيل، في محطات متدرجة ومتصاعدة، وهذا الملف ذو حساسية خاصة بالنسبة لطهران، وكذلك موقف متميز من التعاطي الغربي مع طهران في ملفها النووي، يدعو الى وضعه ضمن رؤية عامة فيها النووي الاسرائيلي وفيها أيضا الجهود العالمية لنزع السلاح النووي.
واللافت في رد الفعل الاميركي على الاتفاق اعتباره انخراطا تركيا في اللعبة الايرانية بدل ان يكون اطمئنانا الى ان الاورانيوم الضعيف التخصيب سيصبح خارج الاراضي الايرانية.
وفي هذا قياس المسافة التي قطعتها انقرة بعيدا عن واشنطن وفي اتجاه طهران حتى باتت مصدر ثقة للثانية وشك عميق للاولى.
ولأن طهران باتت خبيرة في ادارة ملفها النووي مع الغرب، فانها اختارت ان تحل المشكلة التي انزلق هذا الغرب الى اعتبارها محك التقدم من مجلس الامن بطلب فرض عقوبات جديدة بحق طهران، اي مشكلة التبادل.
وعندما حُلّت هذه المشكلة عبر الاتفاق الثلاثي، التركي – الايراني – البرازيلي، وجد المسؤولون الغربيون انفسهم مضطرين لاعادة نبش البنود الاخرى من الاتفاق: ماذا عن استمرار التخصيب؟ وماذا عن مفاعل المياه الثقيلة في أراك واخفاء موقع قم؟ والأهم ماذا عن بقاء اسئلة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدون اجوبة.
وبذلك يشعر المسؤولون الغربيون اليوم بانهم خُدعوا، وبأنهم مضطرون للعودة الى نقطة البداية اي الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتكوين الملف من جديد. وهذا بالطبع يتطلب اشهرا اضافية، خصوصا متى اخذنا في الاعتبار ان كمية الاورانيوم المخصبة ايرانيا، تعاظمت بين بداية التركيز على التبادل وانجاز الاتفاق، فلم يعد رقم 1200 كيلوغرام يعبر فعلا عن الموجودات الايرانية الراهنة.
الغرب ارتبك، وموسك وبيجينغ لن تتأخرا في الشعور بأنهما تحررتا من ضغوط التعجيل، وبامكانهما استئناف الموقف القديم، موقف الحلول الديبلوماسية المتاحة للملف بكامله.
هنا تطرح ولا شك قضية عدم وجود اقتناع على مستويين دولي واقليمي، بالخطر الداهم الذي يشكله المشروع النووي الايراني، يخالطه شعور بأن الغرب يبالغ ولأسباب، غير نووية، في تعظيم الخطر الايراني.
لكن اذا كانت “أكتاف” موسكو وبيجينغ تستطيع ان تتحمل مسؤولية فرملة الاندفاعة الغربية في مواجهة طهران يبقى السؤال حول قدرة اردوغان على الاستمرار في سياسة اقليمية، بل دولية، تهدد تجاوز طاقات تركيا، مع ما في ذلك من اخطار.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى