صفحات من مدونات سورية

الزعـّيق و الصراخ .. ترويج و إعلان …. مجاني

أصبح من النادر أن تستيقظ هذه الأيام على إيقاع الساعة البيولوجية لجسدك , أما منبهات الأخ حسام الأخرس في موضوعه الجميل ساعات منبه ستوقظكم غصباً عنكم أصبحت من الكماليات و الجماليات لإنتفاء الحاجة إليها …
كان كثير مــنـّا يبدأ صباحه بصوت فيروز أو ماجدة الرومي …. أو أصوات شابة أخرى .. و ربما ما تيسر من القرآن الكريم بصوت أحد المقرئين المعروفين . ليس مهماً ما إختاره المرء .. فلكلٍ ذوقه و ميوله و قد يتغير كل يوم تبعاً لحالته النفسية .
أما في هذه الأيام و قبل تفتح عيناك من النوم .. تتفأجا بباقة من الإيقاعات الصوتية المميزة على وزن (( يا خيار .. يا بندورة … كوسا …. و بقية ما جادت به أمنا الأرض من خيارات على مدار العام )) .
لكنه و في الآونة الأخيرة .. إتسعت هذه الرقعة الترويجية لتشمل كل ما يخطر و لا يخطر ببالك … من منتجات محضرة منزلياً أو ضمن معامل لا أحد يدري بها ( اللبنة المغشوشة ليست ببعيدة ) … إلى معلبات ( يلفت نظرك تدني أسعارها  و تشوه تاريخ الصلاحية ) .. إلى الأوائل المنزلية و المنظفات الكيميائية و حتى الألبسة و المناديل الورقية و سواها … طبعاً المناداة على ( المازوت ) و ( إسطوانات ) الغاز من تراثيات – هذا الوطن لا يستغنى عنها .
هذا التغريد البشري يحمل صفة القسري على أذن المواطن نصف النائم … فهي تطرق أذنه بأوزان موسيقية و مقامات مختلفة حسب ذوق البائع , و بالطبع للحداثة كما للأصالة  بصمتهما على هذه المهنة .. فتسمع الألحان المعاصرة ذات الطابع – الأدريناليني …. التي تتبع الدارج من الهابط من الغناء مع بعض التعديل … لضرورة القافية و السلعة المعروضة و للأبداع و روح التافس بين ملحنيّ هذه المهنة .
على ما يبدو سيبدأ الصيف باكراً هذا العام …. و ما شاء الله تبارك الله .. المّـكيف من المّحرمات لكثير من سواد الشعب ففاتورة الكهرباء ستكلفه راتبه أو أقل قليلاً في أحسن الأحوال , لذا يعتبره الكثير من ذلك السواد .. من الكبائر الي تستوجب القصاص في هذه الأيام … فيلجأ لفتح مـّـكيف رب العالمين (( و المجاني – إلى الآن )) ألا و هو النافذة المطلة على الشارع , هناك تأتيك نعمة أخرى من النِعم المجانية .. فتسمع .. ما لذ و طاب من جميل الألحان و أعذبها دون حتى أن تتكلف بإدارة جهاز راديو أو تلفاز .. مجاناً مئة بالمئة ؟؟؟ .
يمر من بالقرب من نافذتي بائع .. كل صباح و كل يوم , و في كل فصل , التشخيص البدئي يقول أنه معجب بصوته جداً جداً … من هنا أتى إّصراره على مشاركة الجميع بما أنعم الله عليه من جمال صوت .. فإتخذ لنفسه مكبر صوت يتناسب جداً من حيث الإستطاعة مع جسده طردا ً , و هو ما شاء الله تبارك الله …. هو من الحجم بين عجل تجاوز مرحلة المراهقة أو ديـّسم في أواخر شبابه …
هذا البائع بالنسبة لي يتقدم ثقب الأوزون من حيث الضرر و الإضرار .. أما أكثر ما يزعجني فيه .. إنه عدا صوته المدوي من صباحات رب العالمين … تراه يلقي السلام على المارة من معارفه و خاصة زملاء المهنة من أصحاب عربات الخضار من خلال مكبر الصوت ؟؟!! مرحبا فلان … شلونك خيوّ .. ما عمّ نشوفك حجيّ …. و إلى آخره من مصدر الخضار و آخر أسعارها و بورصة ( سوق الهال ) حركة أسهم الفجل و الخس و تدخل بورصة طوكيو على الخط …. للمحافظة على إستقرار أسعار الملوخية …. و كله بمكبر الصوت ؟؟
أما الإحتجاج و النقاش حول الصوت المزعج معه و من هم على شاكلته .. غير مجدي البتة …. تراه يتحفك بمجموعة من الأقوال الأحاديث و الأمثال عن الأرزاق و ما يقع على عاتق قاطعها … بحيث يجعلك تندم على فتح حديث معه بل … و ربما قد تصرخ معه تروجياً لبضاعته … حتى يعفو عنك .
بتنا نسمع منه و من غيره كل شيء هذه الأيام , و عبر مكبرات الصوت , في الصبح و العشية و ما بينهما بل وتزيد عند بائعي إسطوانات الغاز ضرباً عليها بواسطة ( مفتاح إنكليزي ) حتى تكاد أن تخرج عن طورك و منذ الصباح , دون أن يكون هناك أي مراعاة لشيخ كبير أو طفل صغير أو شاب مرهق من دراسة أو أم منهك من عمل المنزل أو صبية تستعد الذهاب لعمل أو جامعة , و حتى لمريض بالكاد سرق عدة دقائق ليغفو فيها دون أن تستطيع ان تقدّم أو تؤخر بمقدار أنملة .
سيبدأ موسم الخضار قريباً … و سندخل بمرحلة تصفيات (( سوبر ستارية )) بين بائعي الخضار و الفواكه و بقية المواد بهذه الطريقة الـ جداً ( رايقة ) … و سنستعد لها بالمزيد من التمارين النفسية و الروحية .. حتى يقضى الله امراً كان مكتوبا ….
و من الملفت للنظر زيادة تواتر هذه الطريقة في البيع صعوداً , و خاصة بعد دخول وسائل النقل الصغيرة و الرخيصة نسبياً إلى هذا المضمار المحتكر و منذ عهد بعيد على أصحاب العربات الخشبية بحيث لم تنجو الأحياء السكنية و البعيدة نسبياً عن مراكز المدن التجارية و الشوارع العامة .. مما جعلنا ( كلنا بالهوا سوا ) .
هذه الظاهرة الممتدة لمعظم ساعات النهار و جزء لابأس به من الليل كانت و بكل أسف على حساب راحة و أعصاب السيد مواطن .. المنهك و الخائر القوى , من عمله و ركضه خلف رزق عياله طوال النهار .. لتأتيه هذه الميزات الصوتية المجانية لتتلف ماتبقى من أعصابه … و كأنه لا يكفيه ما تعرضه الفضائيات على مدار الليل و النهار … بلا هوادة و لا مهادنة
قد يقول قائل .. أن هذا مصدر رزق و لا يجوز منعه و إعاقته فخلف كل بائع عائلة أيضاً ….
نعم أنا متفق معك , و لا أنادي أو أسئل قطع رزق أحد مهما كان في جنبات هذا الوطن … إنما لابأس بضبط الأمور و تنظيمها … والدولة الكريمة إن شاءت .. فهي قادرة على ضبطها … , فما الجدوى من منع إستخدام منبهات السيارات ( الزمور ) في شوارع محددة و أوقات محددة و السماح لما هو أكثر إزعاجاً و بكثير و أكثر تواتراً منه , إنه فعلاً مدعاة للسخرية و التهكم .
يجب على أصحاب الأمر و النهيّ .. إستصدار أمر ما , بتنظيم مهنة البائع الجوال … و ذلك حسب رأئي :
• الترخيص النظامي لأصحاب هذه المهنة … لضبط طريقة أعمالهم ( و ما يبعون )  و تصرفاتهم الحضارية  التي يجب ينظمها السيد القانون  و ليست أهواء و ميول أناس همهم بيع أكبر كمية ممكنة من سلعهم و فقط
• تحديد أماكن يتجمعون فيها ضمن الأحياء السكنية .. (( إستغلال الساحات المهملة و ما أكثرها في مدننا .. لتكون مكان تجمع لهم )) .. على أن تتكفل الدولة بتنظيفها مساءاً , مقابل رسوم مستوفاة من الباعة المرخصين في هذا المكان .. أو ذاك .
• تحديد أوقات عمل الباعة الجوالين ضمن ساعات النهار … فقط
• الرقابة الصحية الصارمة و المنتظمة على الباعة الجوالين .. خاصة أنهم يمارسون عملهم دون رقابة صحية
• منع إستخدام مكبرات الصوت و غيرها للإعلان عن بضاعتهم …
• منع بيع المأكولات المحضّرة – منعاً باتاً , إلاّ ضمن المحال التجارية المجّهزة لحفظها و المراقبة صحياً و خاصة أن معظم حالات الغش المسجلة كانت من نصيب الباعة الجوالين .
أملاً .. أن ننعم ببعض الهدوء …
…. دمتم

http://walidsham.wordpress.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى