قراءة في القمة
ساطع نور الدين
يمكن اختصار قمة الامن النووي التي اختتمت اعمالها في واشنطن امس الاول بأنها اخترعت خطرين وهميين، واغفلت خطرين فعليين، وسجلت تراجعا اضافيا من جانب ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما امام اسرائيل، التي يمكن ان تقرأ نتائج ذلك المؤتمر الدولي باعتباره ضوءا اخضر باهرا للمضي قدما في مشاريعها السياسية والعسكرية، التي كانت حتى الامس القريب مثار خلاف او جدل مع واشنطن.
الخطران الوهميان اللذان سلطت القمة الاضواء عليهما هما: اولا، احتمال ان يمتلك تنظيم القاعدة او احدى خلاياه وشبكاته قنبلة نووية، مع ان الاميركيين انفسهم يؤكدون ان التنظيم في حالة حصار وعناصره في حالة فرار، ليس فقط في افغانستان بل في مختلف انحاء العالم، وبالتالي يصعب تصور قدرته على شراء مثل هذا السلاح حتى لو توافر في الاسواق.. وثانيا ، سعي ايران المزعوم الى انتاج هذه القنبلة، مع ان العالم كله ـ وعلى رأسه الاميركيون تحديدا ـ يعرف ان البرنامج النووي الايراني ما زال في مراحله البدائية، وهو لن يصل في المستقبل المنظور الى مرحلة تصنيع القنبلة، التي تخضع لفتوى تحريم حاسمة وجازمة من المرشد الايراني آية الله علي خامنئي.
اما الخطران الفعليان اللذان اغفلتهما القمة، فهما: اولا، البرنامج النووي الاسرائيلي الذي امتنع الرئيس اوباما عن التعليق عليه، بعدما كان قد رفض ادراجه على جدول اعمال القمة، فحاز رضا الاسرائيليين وثناءهم الشديد، الذين شعروا بأن قنابلهم النووية الموجودة فعليا في المخازن ويقدر عددها بنحو مئتي قنبلة، ستظل خارج اي مراقبة او محاسبة دولية، برغم انه جرى في الآونة الاخيرة التحدث عنها همسا، وتسربت انباء عن احتمال استخدامها في اي حرب على ايران الى وسائل الاعلام. وثانيا الاقرار الاميركي الصريح، على لسان اوباما شخصيا، بان اسرائيل غير معنية وغير مهتمة بالسلام مع الفلسطينيين خاصة، ومع العرب عموما، وهي تقدر مصالحها شرط الا تؤدي الى زج اميركا في حروب تستنزف الارواح والموارد الاميركية.
على اساس هذه المخاطر الوهمية والفعلية ستبنى سياسات اميركية لا لبس فيها: الحرب على تنظيم القاعدة وخلاياه ومصادر تمويله ومراكز انتشاره ارتقت الى مستوى القداسة، وتحولت الى مهمة جليلة تمضي البشرية كلها في تنفيذها، ليس فقط انتقاما لهجمات 11 ايلول العام 2001 على نيويورك وواشنطن، وانما دفاعا عن بقية العواصم والمدن الكبرى التي يتهددها من الآن فصاعدا شر مستطير يتمثل بحصول مجموعة من التنظيم على قنبلة نووية وتفجيرها في احدى هذه العواصم، مثلها مثل اي عبوة ناسفة! وكذا الامر بالنسبة الى ايران التي تقسم بالله العظيم كل يوم تقريبا انها لا تسعى الى امتلاك السلاح الذري، لكنها باقية في قفص الاتهام، وفي دائرة الاستهداف بالخطط العسكرية الاميركية والاسرائيلية التي تكاد تصبح علنية.
حصدت اسرائيل من تلك القمة اكثر من انتصار جوهري. وهذا ليس بدليل على ضعف اوباما او فشله. ثمة ما يوحي بوجود توزيع ادوار انتجته الازمة الاخيرة بين واشنطن وتل ابيب… وهو ما ستشهد عليه الفترة المقبلة.
السفير