صفحات سورية

هل يؤدي التصعيد الإعلامي في المنطقة الى حرب غير محسوبة؟

null


نيويورك – راغدة درغام

مخيفة الأنباء الأخيرة عن تجهيز الميليشيات في العراق ولبنان وتقويتها، وعن استعدادات عسكرية ومناورات وقواعد تنصت متطورة لدول في المنطقة وعلى رأسها اسرائيل وسورية وايران.

هناك خيوط عنكبوت بين اللاعبين والأحداث قد تفيد في تجنب الحروب المباشرة. انما هناك ايضاً احتمالات كبرى بأن تؤدي شرارة معركة الى حروب غير محسوبة، فقد لا يكون في صلب الاستراتيجية الايرانية تشجيع «حزب الله» في لبنان على عملية انتقام لاغتيال قائده العسكري عماد مغنية في قلب دمشق، ستقول سورية نهاية هذا الاسبوع من وراءها وينتظر أن تشير الى اتهام الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) بارتكابها. لكن الاستعدادات العسكرية السورية بما فيها استنفار الأجهزة الأمنية وحشود القوات قبالة منطقة البقاع الغربي اللبناني تتزامن مع الاعلان عن نتائج التحقيق في اغتيال معنية، تطورات تحمل في طياتها امكان خروج الأمور عن السيطرة القاطعة لايران أو لغيرها، لا سيما ان التقارير تفيد بمضاعفة قدرات فصائل فلسطينية تعمل في لبنان على نسق «فتح الاسلام» وخلايا وشبكات رديفة وحليفة لشبكة «القاعدة». كذلك، يبدو ان استراتيجية ايران في العراق مبنية على اتخاذ الاجراءات نحو تحويل الجنوب العراقي الى ساحة ميليشيات موالية لها أو الى دولة فيديرالية ذات علاقة عضوية بإيران. لهذه الاسباب تقوم طهران بتنشيط الميليشيات الشيعية العراقية إما كي تؤدي انتخابات مجالس المحافظات في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل الى سيطرة تلك الميليشيات، او تحسباً لعمليات عسكرية أميركية تتوقع أن يقوم بها الرئيس جورج بوش وتتطلب من طهران التركيز على الجنوب العراقي لقطع الامدادات الى القوات الاميركية.

وسواء كانت دقيقة أو كان فيها إفراط، من الضروري قراءة ما ورد في بعض أجهزة الاعلام العربي والاسرائيلي والأميركي في الأيام القليلة الماضية. صحيفة «الأخبار» الموالية لـ «حزب الله» قالت ان «فتح الاسلام» «تجاوز» ما جرى معه في مخيم نهر البارد في لبنان حين انتصر عليه الجيش اللبناني وأحبط خططه. قالت الصحيفة ان هذا الفصيل «استعاد قدراته واعاد هيكلة انتشاره، ورمم خريطة تحالفاته». كذلك، وفي تحقيق بعنوان «القاعدة في لبنان: ماذا بعد نهر البارد؟» قالت الصحيفة ان هناك عشرات من الشبكات المتوسطة والصغيرة وان الخلايا والشبكات وعمليات الدخول الى لبنان والتدريب فيه ظهرت «لمصلحة تنظيم القاعدة مباشرة أو لمجموعات رديفة وحليفة له».

وسائل الاعلام الاسرائيلية نقلت عن ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ان «حزب الله» يواصل استعداداته لاحتمال قيام حرب جديدة وان ايران وسورية تواصلان تزويد «حزب الله» بالسلاح الذي «تتعاظم قوته باقتناء اسلحة من سورية وايران». واللافت ان الضابط لم يستبعد ان ينفذ عملية الانتقام لاغتيال عماد مغنية «تنظيم آخر» غير «حزب الله» الذي قد يمتنع عن القيام بعملية مباشرة بعدما أوضح القادة العسكريون الاسرائيليون ان ردهم على أي هجوم سيكون مكلفاً لـ «حزب الله» ولحلفائه.

وبحسب وسائل الإعلام الاسرائيلية، ان الصواريخ الروسية المتطورة المضادة للدروع التي وصلت الى سورية وجدت طريقها الى «حزب الله»، وان روسيا وجدت نفسها مؤثرة لمصلحة «حزب الله» في المعلومات الاستخبارية بشكل غير مباشر أثناء حرب تموز (يوليو) 2006.

القوات السورية عززت حشودها في الآونة الأخيرة قبالة المنطقة التي باتت مهمة استراتيجياً لـ «حزب الله» في البقاع الغربي وبالذات راشيا الوادي التي يفصلها جبل الشيخ عن العاصمة السورية على بعد حوالي 30 كيلومتراً. هذه التعزيزات السورية على الجانب الآخر من جبل الشيخ تأتي في الوقت الذي يعزز فيه «حزب الله» قدراته العسكرية في البقاع الغربي حيث لا وجود للقوات الدولية المعززة (يونيفيل) المنتشرة في منطقة الجنوب.

هذه التعزيزات والاستعدادات تؤشر الى إمكانية تحول البقاع الغربي الى الساحة التي قد تصدر منها عمليات لـ «حزب الله» ولفصائل وميليشيات غير لبنانية بمساعدة سورية – ايرانية، تعتبرها اسرائيل استفزازاية.

اللافت ان الحشود السورية أتت مع تسريبات سورية بأن وزارة الداخلية ستعلن عن نتائج التحقيق في اغتيال عماد مغنية نهاية هذا الاسبوع. وهذا بدوره يتزامن مع دخول الأجهزة الأمنية الاسرائيلية حال التأهب القصوى استعداداً لعمليات تتوقعها من «حزب الله» أو من «تنظيم آخر» ضد أهداف داخل اسرائيل أو في أماكن اخرى خارجها. اضافة الى ذلك، تنوي اسرائيل البدء بمناورات تعتبر أكبر مناورة طوارئ في تاريخها الاسبوع المقبل، وهي قررت توزيع الكمامات الواقية من الاسلحة غير التقليدية، وأصدرت الأوامر الى قادة هيئة الأركان بعدم استخدام الهواتف الخلوية أثناء الجلسات خوفاً من تنصت الاستخبارات الايرانية و «حزب الله»، كما ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية. وكان جاء في الاعلام ان طهران أقامت قواعد تنصت متطورة جداً في سورية الأمر الذي لاقى تأكيداً سورياً ونفياً ايرانياً ولغطاً مشتركاً.

ما تتفق عليه اسرائيل وسورية هو أنباء اجراء سورية المناورات الواسعة والتدريبات المكثفة لمواجهة اسرائيل عسكرياً. وزير الدفاع الاسرائيلي، ايهود باراك، وجه تحذيراً شديد اللهجة من أن أي هجوم «لن يمر مرور الكرام» والغى زيارة كانت مقررة الى المانيا الاسبوع المقبل، بحسب التلفزيون الاسرائيلي، بسبب التوتر مع دمشق.

كل هذه الأنباء لا تعني أن هناك قراراً اسرائيلياً أو سورياً أو ايرانياً أو لـ «حزب الله» بحرب جدية بين هذه الأطراف. فليس هناك ما يشير الى قرار استراتيجي لايران بأنها تريد لـ «حزب الله» استفزاز اسرائيل الى حرب. وليس هناك ما يفيد بأن العلاقة التهادنية بين سورية واسرائيل قد تطورت الى علاقة مواجهة. ان ما يبدو وارداً هو أن تكون حسابات استخدام لبنان في معارك «مضبوطة» حسابات خاطئة تؤدي شرارتها الى اندلاع حروب أكبر.

القيادة السورية تبدو راغبة في تهيئة الأرضية اللبنانية لتكون ساحة انتقامات خصوصاً بعدما سقط الخوف من التخويف في قمة دمشق. ففي تلك القمة سمعت القيادة السورية من الذين هددتهم بالندم على عدم حضورها رداً واضحاً وهو: لن نخافكم.

حتى الذين حاولوا إقناع القيادة السورية بجدوى التفاهم على موضوع لبنان والسماح لهذا البلد باستقلال قراراته نقطة انطلاق الى علاقة جديدة نوعياً للنظام السوري مع البيئة العربية والدولية، اصيبوا بخيبة أمل واضطروا الى عدم المشاركة في القمة على مستوى عال.

العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بذل قصارى الجهد لمساعدة الرئيس السوري بشار الاسد في كل مجال قبل القمة، ثم وجد في ردود الفعل السورية احباطاً لكل جهوده، فلم يحضر القمة بل بعث مندوب الأردن لدى الجامعة العربية اليها.

الآن، هناك مخاوف من استئناف الاغتيالات السياسية في لبنان، والخوف بالذات من استهداف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من أجل اسقاط الحكومة بعدما نجحت دمشق في تمديد الفراغ الرئاسي بمنعها انتخاب رئيس جمهورية جديد، وفي شل البرلمان من خلال اصرار حليفها الرئيس نبيه بري على منع فتح ابواب مجلس النواب.

الآن هناك شعور بأن القيادة السورية قد تصعّد لدرجة استدراج حرب مع إسرائيل، تأتي عليها بتعاطف شعبي عربي، بعدما تبيّن لها أن لا أحد على الاطلاق، دولة أو فرداً أو هيئة، سيتمكن من ايقاف انشاء المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين والمخططين لاغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري.

أما إيران، فإنها قد ترغب في الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لتقرر ما هي سياساتها، وبالذات تلك المتعلقة بكيفية استخدام «حزب الله» في لبنان، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة عموماً. فإيران لا تسعى وراء حرب مباشرة مع إسرائيل تتورط طهران فيها، وهي بالتأكيد تفضل الحرب التي يقوم بها «حزب الله» بالإنابة عنها. لكن الملالي في ايران قد يجدون أنفسهم ينجرون وراء الرئيس محمود أحمدي نجاد إذا وقعت شرارة حرب – بقرار سوري أو إسرائيلي – تؤجج رغباته بقيادة مشاعر الجماهير الإسلامية ليصبح هو بطلها.

وعلى رغم انحسار الحديث عن استخدام الخيار العسكري الأميركي في أعقاب تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية التي أفادت بأن طهران توقفت عن السعي وراء اقتناء القنبلة النووية عام 2003، هناك كلام لافت عن معلومات قدمتها الصين إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا حول برنامج إيران النووي، اعتبره بعض الأوساط فضحاً لطهران. وتزامن ذلك مع اتهام الحكومة الصينية لمتطرفين إسلاميين بالسعي إلى القيام بتمرد في غرب الصين.

هناك تقرير لمجلة «ذي أميركان كونسيرفاتيف» بأن الرئيس الأميركي سيهاجم إيران قبل مغادرته البيت الأبيض. الأرجح في هجمات صاروخية على أهداف عسكرية داخل إيران، وان زيارة نائب الرئيس ديك تشيني إلى المنطقة كانت لها علاقة بهذا. كذلك، توقع التقرير أن ترد إيران بقطع خطوط الإمدادات من الكويت والخليج إلى القوات الأميركية في العراق عبر الجنوب العراقي، مشيرة إلى بدائل لهذه الإمدادات من الأردن، وأن تقوم إيران بضرب السفن في الخليج وتدمير مرافئ واطلاق ميليشيات التخريب ضد منشآت تصدير النفط وقطع الطرق من الكويت إلى العراق.

كل هذا الكلام عن حروب فالتة ومعارك مضبوطة لا يأتي من فراغ، لأن ما يجري على الساحة يعززه ويجعله مخيفاً. فالتطورات الأخيرة في البصرة لها علاقة مباشرة بإيران وبرعايتها للميليشيات الشيعية لتكون حليفها ودرعها في حال اضطرار الحكومة العراقية إلى التحالف العملي مع القوات الأميركية في عمليات عسكرية موجهة ضد ايران.

فطهران اتخذت قراراً أساسياً وجذرياً ومهماً في استراتيجيتها نحو منطقة الشرق الأوسط، وهو أن تقوم بانشاء وتهذيب ورعاية وتمويل وتدريب الميليشيات الموالية لها لتكون ذراعها الأقوى ضد الحكومات حتى وإن كانت موالية لها. هذا ما فعلته في لبنان عبر «حزب الله»، وهذا ما فعلته في العراق على رغم ان رئيس الحكومة نوري المالكي صديق حميم لإيران.

فالملالي في طهران لا يجازفون ولا يراهنون على ما ليس كلياً تحت ارادتهم وفي حوزتهم. ولذلك يبنون ويعززون شبكات تدخلهم المباشر وحليفهم الصادق في الميليشيات الشيعية في العراق وفي لبنان، وكذلك في الميليشيات «التكتيكية» غير الشيعية، تلك التي تخدم سورية مثل الفصائل الفلسطينية التابعة لها، وتلك التي تخدم حروب المواجهة مع الولايات المتحدة مثل الميليشيات الرديفة لتنظيم «القاعدة».

تقزيم هذه الميليشيات وتقويضها مسألة حيوية اذا كانت الدولة في العراق أو في لبنان، تمارس بجدية سلطة الدولة. فلا مجال للتعايش بين الدولة ومؤسساتها وبين الميليشيات التي تعمل لحساب دولة أخرى. تفكيك هذه الميليشيات ونزع سلاحها أمر ضروري إذا كان للدولة بقاء. مكان القيادات من امثال «حزب الله» أو «جيش المهدي» هو في الشراكة السياسية داخل بنية الدولة، والمكان محفوظ لا يتطلب سوى موافقة السيد حسن نصرالله والسيد مقتدى الصدر على توليه.

اما إذا كان الرد برفض المشاركة في بناء الدولة اللبنانية او الدولة العراقية وتفضيل الانتماء الى ايران، فإن المعركة بين الدولة والميليشيا ستتطلب بالضرورة اجراءات تضمن انتصار الدولة مهما كلف الأمر وبالوسائل الفعالة. احدى هذه الوسائل متوافر في حلقة الوصل بين طهران والميليشيات في لبنان وفي خيار ابلاغ سورية ان الوقت حان لقطع الوصل والوصال، والا فالكلفة غالية. فالمعادلة تشق طريقها الى جديد يرفع غطاء الإفلات من العقاب، بعقوبات ومحاكمات. ولهذا الخوف من قيام دمشق بإطلاق حروب وميليشيات اما لتحويل الأنظار، واما لأنها استنتجت ان الوقت حان لـ «علي وعلى أعدائي».

الحياة – 04/04/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى