أوباما الرئيس” سيجد نفسه مضطرا لانتهاج سياسة بوش تجاه سورية
لي سميث
لم يكن هناك شيء يرغب فيه البيت الأبيض أكثر من الوصول إلى اتفاق مع الإيرانيين
أثار إعلان باراك أوباما الذي يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية، بأنه سوف يجلس مع “الحكام الديكتاتوريين”، سخرية فريق حملة منافسته هيلاري كلينتون، ولكن في الشهور القليلة السابقة، لقيت الفكرة دعما كبيرا بين آراء يسار الوسط، بدءا من مجموعات الاستشارات في واشنطن مثل مركز ويلسون ومعهد كارنيجي للسلام ومجموعة الأزمات الدولية ومؤسسة أميركا الجديدة، وصولا إلى عدد من الصحافيين والمحللين، ويرى الجميع أن الوقت قد حان للتواصل مع كل الذين تركتهم ادارة بوش في العراء خاصة إيران وسورية.
وفي الحقيقة، فإن إدارة بوش لم تكن لترغب في شيء أكثر من الوصول إلى اتفاق مع الإيرانيين، ولو لم يكن هناك سبب آخر، فإن مجرد حصول البيت الأبيض (نتيجة لذلك) على بعض النفوذ على السعودية، التي أصبحت حليفا صعبا بعد أحداث 11 سبتمبر يكفي. ولكن ما جعل العمل مع إيران أمرا مستحيلا، هو طبيعة النظام نفسه. ويجدر بنا أن نتذكر أنه في حقبة التسعينيات، أراد ديك تشيني رئيس مجلس إدارة هاليبرتون من إدارة الرئيس بيل كلينتون، أن تسقط العقوبات على دولة ترعى الإرهاب، وأن تدع الشركات الأميركية تعمل في إيران. ولم يسرق المحافظون الجدد عقل تشيني، بعد أن أصبح نائبا للرئيس، فهو فقط اطلع على تقارير الاستخبارات عن إيران بعد احداث 11 سبتمبر مثلما سيطلع عليها اوباما لو اصبح رئيسا في يناير(كانون الثاني) 2009. ومع ظهور البرنامج النووي الإيراني، وتورطها في كل المشكلات الرئيسة في المنطقة ـ مثل العراق ولبنان وحماس ـ فقد رأى البعض أن أفضل طريقة لإضعاف إيران، هو ابعاد حليفتها سورية عنها. ومع ذلك يقول عمار عبد الحميد المنشق السوري، الذي يعيش الآن في واشنطن “ان التعامل مع بشار الأسد على أمل أضعاف النفوذ الإيراني، يعتبر وهما”. “فالتأثير الإيراني على الاقتصاد السوري والسياسة الخارجية، جعلت من الأسد مجرد تابع للإيرانيين، والإيرانيون هم الذين يمكن لهم التخلي عن سورية وليس العكس”.
ومع ذلك، تستمر سورية في الظهور في فلك الدوائر (الأميركية) المؤيدة للتواصل (مع الدول المعزولة)، ويرجع ذلك في جزء منه إلى ان دمشق تعد نقطة الهجوم الرئيسية للراغبين في إظهار رفض إدارة بوش للتفاوض مع خصومها، نظرا لأنه يمكن للمسؤولين الأميركيين زيارتها بحرية، بعكس العاصمة الإيرانية. وإذا كان السيناتور أوباما يقول إنك لا تكافئ خصمك لمجرد انك تتحدث معه، فإن المؤكد أن الرئيس بشار الأسد يلعب دور المرحب بأي عدو لعدوه، ويستقبله بأكاليل الزهور، ومن أشهر هؤلاء رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أثناء زيارتها في ربيع 2007. وقد كان الغرض من زيارتها، أولا: اغاظة البيت الأبيض، وثانيا: الإشارة إلى أن وجود شخص من الحزب الديمقراطي في المكتب البيضاوي، سيكون متعاطفا أكثر مع دمشق. ومع ذلك، حذر أحد المنشقين السوريين من أن نتائج زيارتها غير المقصودة، تمثلت في أن الأسد قد استفاد من تخفيف الضغط الأميركي في زيادة اضطهاد المعارضين، حيث حكم على أنور البني بخمس سنوات في الحبس. كما حكم على كمال اللبواني الذي التقى مسؤولين في البيت الأبيض عام 2005، بالسجن لاثني عشر عاما. لا شك أن إدارة بوش تعلم جيدا ما يعنيه تلاعب الأسد بها.
وعلى الرغم من سمعة بوش في الوقوف أمام الأعداء، فإن البيت الأبيض قد أرسل العديد من المبعوثين رفيعي المستوى إلى دمشق، بما في ذلك وزير الخارجية كولن باول في ربيع 2003، عندما أعلن أنه قد أقنع الأسد بإغلاق مكاتب حماس وحركة الجهاد الإسلامي، ولكنه فوجئ بعد ذلك بأنها ما زالت مفتوحة تمارس أعمالها. وقد كان آخر مبعوث هو نائب وزير الخارجية ريتشارد أرميتاج الذي ذهب في يناير(كانون الثاني) 2005 إلى العاصمة السورية حيث كانت الأزمة السياسية في لبنان هي أحد الموضوعات الرئيسة التي تمت مناقشتها. وبعد أكثر من شهر بقليل في 14 فبراير، قتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري مع 22 آخرين، في تفجير هائل لسيارة مفخخة وسط العاصمة اللبنانية بيروت. وفي اليوم التالي، استدعت واشنطن سفيرها في دمشق، وما زال منصبه شاغرا منذ ذلك الحين.
فالأمر إذا لا يتعلق بأن المحافظين الجدد وراء تصلب سياسة بوش تجاه سورية، ولكن الأمر يتعلق بأفعال نظام وضعته وزارة الخارجية في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ 1979. وقد أصبح واضحا للبيت الأبيض أن المعالجة الدبلوماسية لا تفعل شيئا لتغير من سلوك سورية، وأن استمرار المحادثات سوف يعني إضعاف حلفاء الولايات المتحدة في لبنان، الذين يبدو عليهم القلق من أن واشنطن سوف تسلم إلى بشار ملف بيروت، مثلما فعل بوش الأب وجيمس بيكر(وزير خارجيته) بالموافقة على احتلال والده حافظ الأسد للبنان.
وما حدث بدلا من ذلك، هو أن سورية تصلبت أكثر في موقفها، حيث أصبح لبنان أحد أهم القضايا بالنسبة لإدارة بوش. فلبنان ليس مجرد مدخل رئيسي لمهاجمة إيران عن طريق إسقاط حزب الله، ولكن وجود حكومة ليست معادية للغرب تقودها مجموعة من المسيحيين والدروز والسنة المعتدلين، يمثل نموذج للشرق الأوسط الذي يتوقعه مؤيدو الديمقراطية في هذه الإدارة. وربما لا تكون إدارة أوباما مهتمة على الإطلاق في احداث “تحول بالمنطقة” ولكن لبنان سوف يظل عائقا لا يقهر إذا اختار الطريق إلى دمشق. وإلى الآن يعتقد أوباما أن عمل الرئيس المقبل هو تقوية العلاقات مع الحلفاء التقليديين، وإعادة صورة أميركا في عيون العالم إلى ما كانت عليه، وسوف ينتهي به الحال إلى الوصول إلى حقيقة أن سياسة بوش تجاه لبنان تعتبر نموذجا للتوافق متعدد الأطراف المعتمد على شراكة مع حلفاء دوليين مثل فرنسا والقوى الإقليمية، مثل المملكة العربية السعودية ومصر. والانفتاح على سورية يعني إضعاف الأساس القانوني الذي يقوم عليه التحالف الدولي بما في ذلك سلسلة من قرارات مجلس الأمن ومحكمة الأمم المتحدة التي تم تأسيسها لمحاكمة قتلة الحريري.
والمحكمة قد استعدت أخيرا بعد أكثر من ثلاث سنوات من مقتل الحريري، للبدء في عملها وربما تبدأ في الشهر المقبل. وقد تم اختيار القضاة، وقد قدم الهولنديون مساعدات في لاهاي للمحاكمة، وإذا أشارت أصابع الاتهام كما هو متوقع إلى النظام السوري، فسوف تكون هناك آلية لمحاكمة المتهمين غيابيا. وحسب المستشار القانوني للأمم المتحدة، نيكولاس ميشيل، فإنه “لا سبيل لوقفها”.
وبالطبع، فهناك طريق قد يمكن بشار الأسد من تجنب مصير ميلوشيفيتش، وهو المبادرة الدبلوماسية من جانب واشنطن. ولذلك، يرغب المحللون وصناع السياسة في تجنب السيناريوهات السهلة حول “الحديث مع أعدائك” وهم يعتقدون أنه بمجرد أن تدرك الإدارة القادمة حجم الخطر، فإن الكلام سوف يكون أسهل من الفعل.
يقول ديفيد شنكر زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “من الصعب تخيل فتح البيت الأبيض لحوار مع دمشق مع تعليق التهم الدولية”، سوف يفهم أصدقاء وأعداء واشنطن في الشرق الأوسط أن التعاون مع نظام الأسد يعني نهاية التزام الولايات المتحدة بالمحاكمة”.
وما يدعو للدهشة أن حليف الولايات المتحدة الذي يرحب بفتح حوار مع سورية هو إسرائيل. وحيث أن المحادثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس متعثرة، فإن رئيس الوزراء إيهود أولمرت ربما يحاول تحريك المحور السوري، لا سيما مع محاولة وزير الدفاع ومنافسه عن حزب العمال إيهود باراك تتبع أخطائه والدفع في طريق إعادة المحادثات مع دمشق. والمشكلة تكمن في الشرط المسبق للأسد بإعادة مرتفعات الجولان، وهو شرط ليس للحكومة الحالية أو أي حكومة مستقبلية في اسرائيل قوة او ارداة للاستجابة له. ولذلك، فإن إسرائيل وسورية والولايات المتحدة كلهم يفهمون أن الثمن الحقيقي الذي يرغب فيه الأسد هو ما يسمى “الصفقة الكبرى” مع الأميركيين. ولنقل أن البيت الأبيض الذي سيكون فيه أوباما سوف يحفظ محاكمة الحريري في مقابل موافقة الأسد على ترك لبنان. لكن الحقيقة هي أن سورية لا تستطيع التخلي عن مزاعمها بشأن جارتها الصغرى ولذلك فإنها تريد الصفقة كلها، أي الحماية من المحاكمة والسيطرة على لبنان. يقول عبد الحميد: “إنه يريد أكثر مما يمكن أن يعطيه أحد، وليس لديه شيء ليقدمه”.
بشار يريد بيروت، إنها بقرة حلوب للنظام السوري المتعثر ماليا والذي يعصر عوائد آخر قطرات النفط لديه. ولكن الأهم من ذلك كله، أن سورية تحتاج إلى الحفاظ على جبهة مفتوحة أمام إسرائيل، وحيث إنها لا تجرؤ على المخاطرة بحرب على حدودها عبر الجولان، فإنها تحارب بدلا من ذلك عن طريق حزب الله عبر الحدود اللبنانية. ولذلك، فإن لبنان هو المكان الذي يقوي التحالف السوري والإيراني، ومن دون هذه الجبهة في الصراع العربي الإسرائيلي، لا يمكن لسورية أن تكون قوة في المنطقة. اذا مطالب سورية هي الحد الأقصى، لا للمحكمة.. نعم لدور متجدد في لبنان، بما في ذلك جبهة مفتوحة على حدوده مع اسرائيل، وهذا ما لا يقبله المجتمع الدولي بما في ذلك إدارة أوباما القادمة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان الرئيس الجديد سوف يقوم بحساباته جيدا قبل التسرع في الانفتاح على دمشق. يبدو أن البيت الأبيض في عهد بوش قد تنبأ بهذا الاحتمال، وقد بنى معالم تتعلق بالأمن سوف يكون من الصعب على الرئيس المقبل أن يتجاوزها. وقد استهدفت الأوامر التنفيذية التي وقعها الرئيس بوش، العديد من الشخصيات التي لها علاقات بالنظام، بما في ذلك رامي مخلوف، وهو ابن خال الأسد وهو لاعب أساسي لأي شخص يرغب في الاستثمار في سورية. وقد تم تجميد أرصدتهم في أميركا، ومنع الشركات الأميركية والأفراد من العمل معهم، ويأمل البيت الأبيض في تشجيع اللاعبين الدوليين على عزل سورية ماليا.
وفي الشهر الماضي، حددت وزارة المالية أربعة أعضاء من “القاعدة” في العراق يتعاونون مع النظام، مما يجعل من مهمة أي رئيس قادم يرغب في الحديث مع دمشق أمرا صعبا، حيث سيكن من الصعب تبرير التعاون مع نظراء بن لادن. ولن يجد الأسد أي تعاطف من جانب البنتاغون، حيث يعتقد أن 90% من المقاتلين الأجانب في العراق قد عبروا الحدود السورية إليه. وفي وزارة الخارجية التي ينظر إليها على أنها كانت صديقة لسورية، فإن سياسة لبنان/ سورية يشرف عليها روبرت دانين، الذي عمل مع إليوت أبرامز عندما ساعد مجلس الأمن القومي دمشق في الخروج من لبنان. والرئيس المباشر لدانين هو النائب الأول لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان الذي ليست لديه أوهام فيما يتعلق بنوايا الأسد.
وخلال السنوات الثلاث والنصف الماضية، كان فيلتمان سفيرا للبنان وفي الشتاء الماضي وقبل أيام من تركه لبيروت، قدمت سورية وحلفاؤها في لبنان رسالة وداع للمبعوث الأميركي، عندما استهدفت سيارة مفخخة، سيارة تابعة للسفارة، وقتلت ثلاثة من المارة. وفي النهاية، فإن هناك قانون محاسبة سورية وحماية سيادة لبنان في عام 2004. وفي الوقت الذي لا يملك الكونغرس الكثير فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فإن العقوبات ضد دمشق تمثل الإجماع بين الحزبين الكبيرين في أميركا، ومن شأن ذلك أن يميز الفترة الرئاسية لأوباما. وبذلك، فإن بوش سيغادر البيت الأبيض مع وجود سياسة واضحة تجاه سورية، بالإضافة إلى سياسة أخرى بشأن لبنان، حسبما يقول فيلتمان الذي قال: “سوف تكون هناك سياسة مستقلة للبنان، ربما للمرة الأولى في تاريخنا”.
ومن الواضح أن الرئيس الجديد سيكون له رؤيته الخاصة، ولكن إدارة أوباما التي تدعو للتعاون متعدد الاطراف، ستجد نفسها في مواجهة مع الاطراف نفسها التي تعارض بوش في العراق ـ فرنسا والأمم المتحدة والعرب السنة ـ وسوف تجد نفسها في صراع مع معاهد واشنطن. وبإيجاز، فسوف يكون أوباما قد اظهر أنه لم يتعلم شيئا من نجاحات أو أخطاء بوش، فيما يتعلق بسياسات الشرق الأوسط.
وليس أمام سورية من استراتيجية أخرى سوى الانتظار وأن تأمل أن يكون الرئيس أوباما راغبا في التعاون معها، لكي يثبت فقط أنه أذكى من جورج بوش.
(الشرق الأوسط) ، الاثنين 7 نيسان 2008