صفحات العالم

مخاطر ديموقراطية

ساطع نور الدين
كل يوم يعطي العالم العربي دليلا على انه لا يطيق الديموقراطية ولا يمكن ان يتصالح مع تلك الفكرة التي فرضت عليه من الخارج، او جرى استيرادها من دون كتيب الاستخدام والصيانة… فصارت شرارة تنذر باشعال الحروب الاهلية او الاضطرابات الاجتماعية ، بدلا من ان تكون نقيضها وحارس استقرار تلك الدول التي رسمت حدودها على عجل في اعقاب الحرب العالمية الثانية.
من الكويت جاء بالامس الدليل الجديد الذي لم يكن الاول ولن يكون الاخير، والذي بات يدعم النظرية الجنونية التي اكتسبت مع ظهور تنظيم القاعدة واشباهه من الحركات الاسلامية المتنوعة زخما اضافيا، والتي تفيد بان الغرب يحاول دوما تصدير الديموقراطية الى العالم العربي والاسلامي من اجل اختراق بلدانه وتفتيت مجتمعاته وتقويض ديانته وتحطيم ثقافته وحضارته القائمة على فكرة الخلافة… التي رثاها اسامة بن لادن وايمن الظواهري اكثر من مرة وتعهدا باستعادتها قريبا.
ليس في الكويت اليوم ازمة دستور ولا حتى ازمة حكم. في العائلة الحاكمة مشكلة بين جيلين. وفي بقية مؤسسات الامارة مشكلة بين هويتين سياسيتين، وجدت حلا لها في العروبة التي ساهمت في اواسط القرن الماضي في بلورة التجربة الكويتية وتطورها، لكنهما عادتا الى حالة من الاحتراب تنتشر في مختلف انحاء العالم العربي، وتجعل من الليبرالية خيانة وطنية وقومية، ومن الاصولية عقيدة دينية، وتهدد الاسس الضعيفة اصلا لديموقراطية ولدت في جزيرة تحيط بها الدكتاتوريات من كل جانب.
لم تكن صدفة ان تسقط الحكومة الكويتية هذه المرة لخلاف على بناء مسجد في املاك عامة. الحكومات الخمس السابقة التي شكلت خلال الاعوام الثلاثة الماضية، اسقطت لاسباب مشابهة، وبأداة واحدة، تغلبت على الدستور والقانون، وكادت تعلن الكويت امارة اسلامية، وتخطف مؤسساتها الواحدة تلو الاخرى، بعدما وسعت نفوذها الشعبي، وضيقت خطابها السياسي حتى بلغ حد الفتنة المذهبية في الداخل، وانعزل عن اي سياق عربي او حتى اسلامي في الخارج… وجرى كل ذلك على مرأى ومسمع الاميركيين الذين يخضعون لاختبار شاق في بلدين يقعان على الحدود الكويتية.
هي اكثر من نكسة لديموقراطية تلك الامارة الصغيرة، واعمق من خيبة لبقية دول الخليج العربي التي طالما حسدت الكويتيين على نجاحاتهم الاولى. ثمة تجربة شارفت على نهاياتها الحتمية البائسة، التي يمكن تلمسها في مختلف البلدان العربية والاسلامية، التي زعمت او اجبرت على الزعم انها جديرة ببعض اشكال الديموقراطية الغربية، فوجدت نفسها في مواجهة اجيال التكفير والهجرة، والتغني بالحروب الاهلية والفتن المذهبية… وهي اجيال نجحت بلدان المغرب العربي وحدها في احتواء مخاطرها التي تهدد فلسطين ومصر والعراق ولبـنان، اكثر من اي عدو اجنبي.
الظاهرة تكبر يوما بعد يوم، لن يوقفها نفر من الكويتيين الذين لم يجدوا سبيلا لدرء الخطر سوى التظاهر تأييدا لتعليق الحياة البرلمانية وتعطيل الدستور، ووقف استيراد تلك الفكرة التي لم تعد لها فرصة في العالم العربي.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى