تحركات ما بعد قمة المصالحة
رأي القدس
تشهد المنطقة العربية هذه الأيام حراكاً نشطاً على اكثر من جبهة، فقد قام السيد منوشهر متقي وزير الخارجية الايراني بزيارة مفاجئة الى الرياض، حاملاً رسالة من القيادة الايرانية الى العاهل السعودي، بينما توقف الرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة القطرية لعدة ساعات لاطلاع اميرها على تطورات ما حدث في قمة المصالحة الرباعية في الرياض التي جمعته مع الرئيس المصري والعاهل السعودي الى جانب امير دولة الكويت.
المراقبون المتابعون للشأن العربي يربطون هذا الحراك بجهود المصالحة العربية، والاعداد لقمة الدوحة العربية التي ستعقد في نهاية الشهر الحالي، ولكن المعطيات على الارض لا توحي بحدوث تقدم حقيقي يضع حداً للخلافات العربية، وينبئ بفتح صفحة جديدة تؤسس لمشروع عربي موحد يتعاطى مع تطورات القضايا الملحة، وأبرزها قضية الصراع العربي الاسرائيلي، وبروز قوى اقليمية غير عربية تتنافس على ملء الفراغ الحالي في المنطقة.
المصالحة العربية التي تتطلع اليها كل من مصر والمملكة العربية السعودية ترتكز على اساس ابعاد سورية عن ايران، والعودة الى محور الاعتدال العربي، وفك ارتباطها مع حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولكن دون تقديم اي شيء ملموس في المقابل غير وعود بمساعدات اقتصادية.
من الواضح ان سورية لا ترحب كثيرا بشروط المصالحة هذه، وتريدها مفتوحة تعطيها الحق في الابقاء على تحالفاتها الاستراتيجية على حالها دون اي تغيير، مثلما لم تتدخل في الخيار المصري السعودي بالارتباط بالمشاريع الامريكية في المنطقة، وهي تريد من الآخرين ان لا يتدخلوا في خياراتها السياسية في التحالف مع ايران.
المحور السعودي – المصري يرى من الصعب عليه تطبيع العلاقات مع سورية، وكسر العزلة العربية عنها دون خروجها من ‘محور الشر’ الايراني، وهذا يعني عودة الأمور إلى المربع الأول، أي مرحلة ما قبل قمة المصالحة في الرياض.
الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي كشف بشكل جلي عن هذا الاستنتاج من خلال التصريح الذي ادلى به يوم أمس بعد لقائه مع نظيره الايراني، عندما قال ان على ايران ان تتدخل في شؤون المنطقة عبر القنوات الشرعية العربية، أي من خلال الحكومات فقط.
ما يقصده الأمير السعودي هو ان تمتنع ايران عن دعم حركتي ‘حزب الله’ و’حماس’، وباقي الفصائل الفلسطينية الأخرى، باعتبارها حركات لا تتمتع بشرعية الدولة، أو بالاحرى لا تخضع لأي دولة عربية.
تصريح وزير الخارجية السعودي يتسم بالغموض، علاوة على كونه غير عملي، ناهيك عن كونه غير منطقي، فكيف يمكن ان تتعامل ايران مع ‘حزب الله’ مثلاً من خلال القنوات الشرعية، وما هي المرجعية الرسمية العربية التي يمكن ان ترسل من خلالها ايران الأموال إلى حركة ‘حماس’ أو شقيقتها الجهاد الاسلامي، فهل هي الحكومة المصرية أو نظيرتها السعودية، وهل تقبلان بهذا الدور؟
النظام الرسمي العربي يتخبط، وتصرفاته تكشف عن ارتباك واضح، فحركة ‘حماس’ لجأت إلى ايران تطلب الدعم والمساعدة لأن الدول العربية تخلت كلياً عن خيار المقاومة، ودون أن تتقدم خطوة واحدة في خيارها السلمي بالمقابل.
المشكلة ليست ايرانية بقدر ما هي عربية رسمية، ولا يعيب ايران اذا ما وقفت إلى جانب قضية عادلة، ودعمت ما تخلى العرب عن دعمه، كما ان حركتي المقاومة في لبنان وفلسطين انطلقتا من مصلحة عربية واسلامية، عندما طلبت دعماً ايرانياً لتحرير أرض ومقدسات مغتصبة.
الشرعية العربية هي تلك المنبثقة عن ثقافة المقاومة، وليست المرتكزة على المفاوضات العبثية واستجداء السلام، والتواطؤ مع العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، والصمت على الحصارات الظالمة التي سبقته.
القدس العربي