صفحات العالم

تساؤلات برسم مؤتمر الدوحة

عوني صادق
لم يبق على “التئام” مؤتمر القمة العربية العادية في العاصمة القطرية سوى أيام قليلة، وما زال المواطن العربي لا يدري إن كان عليه أن يبتهج بهذا “الالتئام” أو أن يبتئس. ومع أن كلمة “التئام” التي استعملناها تحمل قدراً من “التفاؤل” قد لا يجد في نهاية المؤتمر ما يبرره، إلا أن الكلمة توحي بأن “الجرح” الذي انفتح في مؤتمر الدوحة الأخير الاستثنائي قد شفي بفضل الجهود الكبيرة التي بذلت، والتي تمت تحت عنوان “المصالحات”، وهو عنوان يذكّر أصلاً بالوضع العربي البائس وانقساماته، ويحيل على سقف متوقع منخفض للمؤتمر العادي. والتساؤل الأول الذي يتقدم كل التساؤلات التي يثيرها عقد المؤتمر هو: هل حقاً أن ذلك الجرح “التأم” فعلاً، وبأي معنى كان هذا “الالتئام”؟
الشك في مؤتمرات القمة مشروع، لم يأت من فراغ، أو من سوء نية تتحكم بالمواطن العربي إزاء الأنظمة، بل من سجل طويل مخيب للآمال لم يؤسس يوماً للحد الأدنى من الثقة. فدائماً كانت هناك قضايا كثيرة على جداول أعمال القمم، وأحياناً كانت هناك قرارات جيدة تتخذ، لكنها دائماً كانت غير قابلة للتنفيذ ولا تلزم أحداً. في الماضي كانوا يبحثون عن “الاتفاق”، فصاروا اليوم يبحثون عن “التوافق”، وفرق بين الاثنين. فالتوافق يحمل معنى “الصفقات” والتسويات، والتنازلات المتبادلة. وإذا كان “الاتفاق” صعب المنال، ف “التوافق” ليس أقل صعوبة، وإذا كان الاختلاف مصدراً للفشل، فالتوافق أيضاً يمكن أن يكون مصدراً للفشل! لماذا؟ لأن الاختلاف، في أغلب الأحوال، ينطوي على جانب من الصواب. أما التوافق فغالباً يتحقق عبر اللجوء إلى التحايل والتمويه والعبارات حمالة الأوجه والقابلة للتأويل، ودائماً ينطوي على تنازلات مشتركة ومتبادلة، قد لا يكون فيها غير مصالح الأنظمة، ما دامت نقطة الانطلاق هي التسليم بالعجز وعدم القدرة.
لا شك في أن جدول أعمال قمة الدوحة مزدحم بالقضايا العربية التي هي في حاجة ماسة للحلول، وبعضها في حاجة للحلول السريعة. وحتى لا نتهم بالتحامل أو المبالغة في التشاؤم، لنتفحص قضية واحدة أو قضيتين من هذه القضايا وما يمكن أن يقوله المؤتمرون فيهما.
* أولاً، في الصراع العربي- الصهيوني. ينعقد مؤتمر الدوحة مع مجيء حكومة “إسرائيلية” جديدة، عنوانها الأول صهيوني عنصري فاشي، جاء إلى وزارة الخارجية من فضاء المافيا اسمه أفيغدور ليبرمان، لا يفكر في غير طرد الفلسطينيين من أرضهم، وإن كان المفضل لديه أن يتم ذلك بالقتل، أما رئيسه، بنيامين نتنياهو، فيعرفه العالم كله، وسيقبله ولو من أجل أن “يضبط” انفلات وزير الخارجية، بعد أن تبين أنه “معتدل”! وهذا يرى أن ليس لديه ما يقدمه للفلسطينيين سوى “السلام الاقتصادي”، وإلا فالقتل والطرد والتهجير أيضاً. أما التخلي عن الجولان السورية المحتلة فيراه ضرباً من الجنون. وبمعزل عن الوضع الفلسطيني الداخلي وما انتهى إليه حوار القاهرة، فإن التساؤل الذي يطرح هنا هو: كيف سيكون موقف المؤتمرين في الدوحة إزاء عصابة كهذه؟ هل يجدي التمسك بالمفاوضات وحل الدولتين والسلام الاستراتيجي، وفي أحسن الأحوال التهديد بسحب المبادرة العربية؟
* ثانياً، في الوضع السوداني. لست متيقناً من أن الرئيس عمر البشير سيحضر قمة الدوحة، وإن كان قد أكد على نية الحضور. ما يعرفه الجميع أن رأس الرئيس البشير ليس هو المطلوب في قضية المحكمة الجنائية الدولية، بل رأس السودان، لهذا فإن التساؤل هنا هو: هل سيأخذ المؤتمرون في الدوحة قراراً بالوقوف مع البشير في وجه “المجتمع الدولي”، الذي يقدسونه، مهما تطلب هذا الأمر، أم أنهم سيكتفون باستجداء مجلس الأمن ب “تأجيل” طلب المحكمة لمدة سنة واحدة؟ وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فقد يعيد عرض قضية الرئيس البشير على مؤتمر الدوحة إلى أذهان البعض قمة الخرطوم ولاءاتها الثلاث التي جاءت في أعقاب هزيمة يونيو/ حزيران ،1967 ولا أحد يعرف في أي اتجاه ستدفع هذه الذكرى المؤتمرين، لصالح البشير أم ضده!
القضايا العربية كثيرة، وكلها ساخنة وتتشابه من حيث المواقف المطلوب أن تتخذ بشأنها. فهناك العراق والصومال، واليمن، الذي أصبح بعض المسؤولين فيه يحذرون من أن يصبح صومالاً ثانية. وهناك المشاكل التي تعاني منها كل البلدان العربية مثل الفقر والبطالة وانعدام الحريات، والقائمة طويلة. هل سيتوقف مؤتمر الدوحة أمامها، وماذا سيقول فيها؟
في الماضي كنا نقول: ليس من طريق أمام الشعوب العربية لعلاج مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية إلا الوحدة، أو الاتحاد، وإن تعذرا فالتضامن الصادق والحقيقي. هل سقطت هذه المقولة، أم تأكدت صحتها بعد كل التجارب والأزمات والكوارث التي مرت بها الأمة على مدى أكثر من نصف قرن؟ تقاتلنا نصف القرن الماضي على أيهما تسبق الأخرى: الوحدة أم الحرية أم العدالة الاجتماعية، وبعد لم نتوصل إلى الجواب. لكن كلمة السر باقية كما كانت دائماً لم تتغير: الحرية أولاً، لأنها أساس كل إنجاز تحقق، أو يمكن أن يتحقق، وهي لا تزال المطلب الأول، لكنه مطلب يؤخذ ولا يعطى. ومن دون أن نتحرر من معوقات الفقر والجوع والجهل والبطالة، ومن دون أن نجد الماء النظيف والمدرسة الجيدة والمستشفى المؤهل، لن تنفع المؤتمرات ولن تخرجنا من واقعنا السيئ المتخلف، العاجز والمستعبد، والذي يجعلنا لا نملك من أمرنا شيئاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى