صفحات العالم

شقاق غربي وأزمة مفتوحة

سعد محيو
ثلاثة تطورات فاقعة جرت الأسبوع الماضي أبرزت خطورة الازمة الاقتصادية التي تضرب العالم هذه الأيام: الأول، القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل للبحث في كيفية مواجهة هذه الأزمة. والثاني، تعرّض الرئيس الأمريكي الجديد أوباما إلى أول نكسة كبرى له في خضم محاولاته لترويض وحش الأزمة المالية المنفلت من عقاله. والثالث نشوب خلافات عميقة بين قطبي رحى التحالف الغربي (أمريكا وأوروبا) حول الوسيلة المثلى للتصدي للأزمة.
قمة بروكسل التي عقدت الخميس الماضي واستمرت يومين، عكست الخلافات بين الدول ال 27 الأعضاء في الاتحاد أكثر مما أظهرت وحدة موقفها. فدول أوروبا الشرقية، التي تعاني اقتصاداتها من نكسات خطيرة، كانت تضغط منذ فترة على أوروبا الغربية كي ترمي إليها حبل الإنقاذ الاقتصادي. بيد أن هذا لم يحدث لا خلال القمة ولا خارجها، وهذا لسبب واضح: الدول الغنية في غرب أوروبا باتت مهتمة في الدرجة الأولى بإخراج نفسها، وفرادى على الأرجح، من الأزمة، خاصة أن المعضلة باتت تترجم نفسها فوق أراضيها في شكل اضطرابات اجتماعية، كما حدث في فرنسا الأسبوع الماضي حين عاد العمال إلى الشوارع مطالبين بزيادة الأجور وحماية وظائفهم، في مشهد ذكّر الكثيرين بالثورات العمالية – الطلابية في أوروبا العام 1968.
هذا الموقف تزامن مع تقرير نشره بوب نيروب، رئيس الحزب الاشتراكي الأوروبي، في بروكسل، وأوضح فيه أنه “إذا لم نفعل شيئاً فوراً، فسيكون لدينا خلال أشهر قليلة 25 مليون عاطل عن العمل”.
وبالطبع، هذا الشقاق الكبير داخل البيت الأوروبي لن يمر مرور الكرام بالنسبة إلى مستقبل اليورو والاتحاد الأوروبي سواء في شكله السياسي المتعثر أو في مضمونه الاقتصادي الذي كان ناجحاً حتى الآن.
التطور الثاني تمثل في قيام شركة التأمين الأمريكية العملاقة “إي.آي.جي” بدفع مبلغ 160 مليون دولار كمكافأة إضافية لمديريها التنفيذيين، على رغم أنها تعاني من أزمة خانقة دفعت الحكومة الفيدرالية إلى مدها بنحو 171 بليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين. وقد أثار عجز الرئيس أوباما عن وقف تقديم هذه المكافأة إلى توجيه ضربة قوية إلى إدارته الفتية، وهدد بإفقاده دعم الرأي العام والكونجرس لخططه الهادفة إلى إنقاذ الاقتصاد.
صحيح أن أوباما سارع إلى شن حملة علاقات عامة واسعة متعهداً بمجابهة قرار الشركة بالطرق القانونية، إلا أن هذا التطور أكل بالفعل من رصيده السياسي لدى الشعب الأمريكي على رغم أن عمر إدارته لم يتجاوز بعد عمر الورود، ما قد يترك آثاراً سلبية للغاية على محاولاته اللاحقة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي.
التطور الثالث، وهو الخلاف الأوروبي- الأمريكي حول كيفية مواجهة الأزمة، له علاقة بالرؤى حيث إن أمريكا تريد أن تحمل قمة مجموعة العشرين الكبار التي ستجتمع في لندن في 2 ابريل/ نيسان المقبل على تبني نهج إنعاش الاقتصاد، فيما تريد أوروبا أن تكون الأولوية لإصلاح النظام الاقتصادي العالمي.
وفي حال استمر هذا الشقاق الغربي – الغربي، فإن هذا سيدمر فرص إيجاد حلول عالمية للأزمة العالمية الراهنة، وسيطلق وحش القوميات الاقتصادية من عقاله.
الآن، إذا ما جمعنا هذه التطورات الثلاثة ووضعناها في أنبوب واحد ثم هززناها، فعلمَ سنحصل؟
على “انفجار كبير” في الغالب.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى