الضرب بالرمل
ساطع نور الدين
البرنامج السياسي الذي أعلنه فريق الرابع عشر من آذار في البيال امس، هادئ ورصين، لكنه متأخر بعض الشيء. هو يعطي الانطباع بأنه لم يأخذ في الاعتبار أجواء المصالحة العربية والدولية، أو أنه يتجاهلها لمصلحة خطاب تعبوي انتخابي موجه الى جمهور لا يحتاج الى الكثير من التعبئة، بل الى القليل من السياسة.
البرنامج الذي يطمح لان يكون ميثاقا وطنيا جديدا بين فريقين داخليين يقفان منذ أربع سنوات أو أكثر على شفير الحرب الأهلية، يختزل الآخر بسلاحه وسطوته على الدولة والحكومة والمؤسسات، ويطلب منه التخلي عن عناصر قوته «والانخراط» في مشروع لا يمكن لأي فريق أن يدعي احتكاره.. أو أن يزعم انه يستطيع أن يخترق به الجبهة الثانية من الوطن.
يسجل للبرنامج وللفريق الذي وضعه انه يخاطب البلد والجمهور بلغة سلمية لا تتوسل هتاف الروح والدم، ولا تحتكم الى قوة الميليشيا أو ثقافتها، ولعلها تقيم جبهة مانعة لإحياء ذلك التراث البائس، وتفترض، وهي على حق الى حد ما، أنها تستند الى قوة الغالبية الشعبية (لا الأمنية) العابرة للطوائف، بما فيها تلك المغلقة على وعي مناهض، ومعارض لكل ما يطمح اليه فريق الرابع عشر من آذار، من استقلالية (أو حيادية) نسبية عن الخارج على اختلاف عناوينه العربية والدولية.
البرنامج كان بمثابة حوار مع الذات، مع جمهوره الذي يعرف الانقسام وأسبابه، ويدرك بحسه التاريخي انه لكي تصبح الدولة مشروعا جذابا للآخر، لا بد أن تكون صنيعة الخارج، وتفاهماته وتوافقاته، قبل أن تكون نتاج حوار الداخل، سواء كان هذا الحوار يجري في قصر بعبدا أو في أحد فنادق الدوحة.. حيث بدا أن فريق الرابع عشر من آذار لا يزال هناك، ويتحين فرصة العودة عندما تصبح كل الطرق سالكة وآمنة، وعندما يكون فريق الثامن من آذار جاهزا للقاء جديد، لم تتوافر شروطه بعد.
أعاد البرنامج صياغة بنود اتفاق الدوحة، ودخل في جدال ضمني حولها لكي يستنتج أنها لم ولن تكون بديلا للطائف الذي قام على قواعد طائفية يصعب العثور عليها حاليا، كما يستحيل البحث عنها في ظل ذلك الاغتراب المسيحي والتوتر الشيعي.. مع أن ذلك الاتفاق السعودي المنشأ يشكل الآن نقطة التقاطع الوحيدة مع المصالحات التي شهدتها العواصم العربية أخيراً، والتي لا تزال بيروت بمنأى عنها.
لن يخترق برنامج فريق 14 آذار جبهة الخصم السياسي. لم يكن هذا هو المطلوب، مع أن بضع كلمات مجانية عن المقاومة، التي يدرك الجميع أنها صارت خارج الجدل المحلي، كان يمكن أن تحدث أثراً ربما في صلاتها الوثيقة مع دمشق وطهران.. كما أن بضع كلمات مجانية عن المصالحة مع سوريا، التي يعرف الجميع أنها لا تزال مستحيلة، كان يمكن أن تحدث فرقا في قراءة نتائج المصالحات العربية، التي لا تزال تخضع للضرب بالرمل.
السفير