صفحات العالمما يحدث في لبنان

بيع لبنان أو تلزيمه للخارج قرار لبناني أولاً

سركيس نعوم
اللبنانيون مسكونون بالخوف من صفقة بين سوريا واسرائيل ترعاها اميركا باراك اوباما وتؤمن للثانية الامن والاعتراف بها في المنطقة وتعيد الى الأولى جولانها المحتل منذ عام 1967 وتوفّر لنظامها إمكان الإستمرار وتؤمّن له دوراً اقليمياً من خلال الدولة العربية الوحيدة التي يمكن ان يتحكم بها او يتصرف بها على هواه لان الدول الاخرى “محجوزة” اذا جاز التعبير. وهذه الدولة هي لبنان. وما جعلها “مؤهلة” لدور كهذا هو انقسام ابنائها شعوباً وانتماء كل منها الى وطن غير وطنه، وخضوع كل منها الى سلطة دولة غير دولته.
طبعاً شعر قسم كبير من اللبنانيين بالاطمئنان لسياسة اميركا جورج بوش حيال بلادهم منذ اواخر 2004 الامر الذي ساعدها على التخلص من وصاية سورية مزمنة. لكن شعور الخوف من صفقة ظل في لاوعيهم اذا جاز التعبير لان التجارب الاميركية السابقة مع بلادهم لم تكن مشجعة وخصوصاً بعدما كانت اميركا هي الدولة التي لزمت سوريا لبنان اكثر من مرة في العقود الماضية. لذلك فانه يعود الى البروز بقوة كلما حصل تطور، سواء في المنطقة او داخل اميركا من شأنه التقريب بين الاخيرة وسوريا وبين سوريا واسرائيل وتالياً التوفيق بين هاتين الدولتين ولكن على حساب لبنان “الشاطرة” شعوبه في تقديم البرهان تلو البرهان الى المجتمع الدولي انها غير مؤهلة لان يكون لها وطن ودولة، او انها في حاجة دائمة الى وصي.
وقد عاد الشعور المذكور الى البروز بعد وصول باراك اوباما الى رئاسة اميركا وقراره الانخراط في حوار مع سوريا وايران المسؤولتين في نظر لبنانيين كثر عن مآسي لبنان، طبعاً الى اسرائيل، بل تنفيذه هذا القرار وذلك رغم الاشارات المطمئنة المباشرة والواضحة والمبالغ فيها احياناً التي ارسلتها ادارة هذا الرئيس الى اللبنانيين الخائفين رغم معرفتهم “المفترضة” بالتطورات التي جعلت حزبي اميركا ورأيها العام متمسكين بلبنان دولة سيدة مستقلة وديموقراطية. علماً ان ذلك لا يعني وجود موقف اميركي محدد من طريقة حكم لبنان او من صيغته الداخلية او تركيبته.
هل هناك مجال لإدخال مزيد من الطمأنينة الى نفوس اللبنانيين الخائفين على بلادهم وربما على ادوار شعوب فيها من الصفقة الاميركية – السورية – الاسرائيلية؟
المجال متوافر من خلال عرض موجز توصيات لأوباما وضعها باحثون اميركيون كبار يتابعون انفتاحه على سوريا وايران. بعض هذه التوصيات يوضح من دون لبس ان هناك لبنان جديداً اليوم عند المسؤولين ومتعاطي الشأن العام من الاميركيين.
فما هي التوصيات المشار اليها؟
اولاها، اعادة اميركا سفيرها الى دمشق، بعد سحبه قبل سنوات، وزيادة التعاون معها في كل الموضوعات المتعلقة بالعراق.
وثانيتها، اعتماد اميركا لغة ولهجة اكثر احتراما لسوريا من لغة الادارة السابقة ولهجتها معها مع مواصلة الضغط على المسؤولين فيها لتخفيف علاقات بلادهم مع “حماس” و”حزب الله”.
وثالثتها، اعلان الرئيس باراك اوباما دعمه القوي لمفاوضات اسرائيلية – سورية ولسلامة اراضي لبنان واستقلاله السياسي. وتشديده على ان ادارته ستقدم بالتعاون مع الكونغرس وبعد توصل سوريا واسرائيل الى تسوية سلمية على سحب قانون محاسبة سوريا لعام 2003 وشطب اسمها من لائحة الارهاب الاميركية. وتعهده نشر قوات اميركية في مرتفعات الجولان بعد انسحاب اسرائيل منها، وتأمين انضمام سوريا الى منظمة التجارة العالمية والتعاون مع الحلفاء في اوروبا والشرق الاوسط لتقديم “حزمات” مساعدات الى الدولتين.
ورابعتها، احتفاظ اميركا بنفوذ او بالاحرى بقوة تأثير على سوريا. وهذا يعني ان عليها الاستمرار في دعم “المحكمة الخاصة بلبنان” والاصرار، في حال وصول التحقيقات الى الاشتباه بسوريين في اغتيال الرئيس الحريري، على ادانة بعضهم وإن من رتب ومستويات دنيا. ومن شأن ذلك ابقاء الاقتناع بدور ما لها على كل المستويات في ذلك في المحافل الدولية تماماً مثلما حصل مع زعيم ليبيا في موضوع تفجير “طائرة لوكربي”. علما ان سوريا واثقة من حصانة معينة لمسؤوليها الكبار في هذه القضية، وان اميركا ستدفع في اتجاه جعل هذه الثقة في محلها.
وخامستها، دفع اميركا الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى التعمق في التحقيق في “نووية” سوريا ومحاولة فرض عقوبات دولية عليها في حال ثبوت ذلك على صعوبة هذا الأمر. ثم مبادرة اميركا، في حال تجاوب سوريا الواسع معها لاحقاً، الى العمل لانهاء هذه العقوبات شرط انسجامها لاحقاً مع احكام الوكالة والمعاهدة التي انشأتها.
وسادسة التوصيات محاولة اميركا، قبل رعايتها مفاوضات سورية – اسرائيلية، الحصول من سوريا على اشارات واضحة تؤكد ان لبنان لن يدفع ثمن اي تقارب بينها وبين اسرائيل. وقد تكون احدى هذه الاشارات ترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا، ودعم “تجديد” اتفاق الهدنة لعام 1949 بين لبنان واسرائيل أو دعم احيائه في انتظار مفاوضات بينهما، وعدم تعطيل خطوات الحكومة اللبنانية لنزع سلاح الميليشيات الفلسطينية.
طبعاً التوصيات المنشورة اعلاه هي غيض من فيض كما يقال. واذا كنا اكتفينا بنشرها فللتأكيد للبنانيين انه ليست هناك نية عند اميركا لبيعهم مرة جديدة لسوريا او لاسرائيل أو اليهما معاً، وإن قدرهم هم وقدر وطنهم ليس ان يكون ثمناً او مقابلاً او جزءاً من صفقة، الا اذا قرروا هم ان “يبقوا” على خلافاتهم وانقساماتهم. وفي هذه الحال عليهم الا يلوموا العالم اذا تجاهلهم او تخلّى عنهم.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى