الأمل اليائس: مصر 2008
وسام سعادة
ثمة مجتمعات ينخرها اليأس. ثمة مجتمعات لا تفصل بين يأسها والأمل. يصير الأمل فيها حالة من حالات اليأس. اذّاك تضيع الزمنية. ما بين الماضي والآتي يغيب الحاضر. لا تعود من طاقة للفعل على المضارعة. وكما الزمن الآفل، تغور الأمكنة بدورها في غبار لا يكل. غبارٌ يطبع بلونه كل الأرغفة، ويملي على كل لسان كلماته.
ليس يكتب لكل أمل أن يفلت من قيد اليأس. بعض الأمل من اليأس يولد وإليه مسرعاً يتوب. هذه هي حال مصر بعد انتفاضة الخبز الأخيرة. هذه هي حال انتفاضات الخبز في العقود الثلاثة الأخيرة كما عرفتها بلدان عربية عديدة، والتي انضبطت في زمن دائري من 17 يناير أيام السادات إلى 6 ابريل في آخر أيام حسني مبارك.
انتفاضة الخبز الأخيرة بدرت عن أمل مفرط في يأسه. بعض هذا الأمل اليائس يقول إنه يمكن تغيير الأوضاع كلّها ما أن يبدّل رأس الهرم. وبعض الأمل اليائس يروّج في المقابل إلى أنه لا رجاء في أي اصلاح اذا ما قضى المسعى بفرضه من أعلى إلى أسفل. البعض يحسب أن هذه الافتراقات في التشخيص وفي المعالجة هي امكانات متباينة. في الحقيقة إنها أشباح رؤى تبدر من قلّة الامكانات والتصوّرات. ليس صحيحاً أن ثمّة من يملك علاجاً، لا سحرياً ولا تدريجياً، في حال مصر.
ليس ثمّة ما يرتجى في حال مصر الآن من تغيير ينهض بالضدّ من «الجهاز» بالمطلق. وليس ثمة امكان في الوقت نفسه من أن يحافظ «الجهاز» بالمطلق، على الأوضاع القائمة. لا خلع «الجهاز» سانح، ولا تحكّم «الجهاز» بالأزمة على طول الخط هو أمر يستكين التحليل اليه.
أما أن يصلح «الجهاز» نفسه بنفسه، أو أن يجدّد شبابه بحيلة أو من دون حيلة، فهذا أيضاً رهان ليس بالوسع إدخاله قيد الحسبان. صحيح أنّ خارطة الطريق التي ينبغي أن يعتنقها الجهاز لإنقاذ نفسه، تقتضي حكماً ادخال جملة تعديلات لأجل التقنين من حدود الاشتباك الأهلي، فهذا الاشتباك بمقدوره أن يستنزف ليس «الجهاز» فقط، إنما ما بقي «مجتمعياً» في المجتمع المصري، أطراً وبنى ومؤسسات. مع ذلك، فأغلب الظنّ أن الجهاز ليس بمقدوره توليد أو تقبّل خارطة طريق كهذه.
لا يعني ذلك أنه يمكن الانطلاق من مقاربة تقيم تضاداً حيوياً وشاملاً بين ما للمجتمع وما للجهاز. صحيح أنّ في المجتمع المصري احتقاناً لافتاً وغير مسبوق ضد الجهاز، وضد الشخصيات التي ترمز الى الجهاز، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية وعائلته. الا أن ليس في هذا المجتمع الآن افرازات مدنية أو نقابية فكيف بالسياسية يمكنها أن تقيم حجة المجتمع بكليته على الجهاز.
وهذا إن عنى شيئاً فأقله أن نموذج الثورة الإيرانية ليس يمكن توقعه في حال مصر. نجحت الثورة الإيرانية تحديداً في رصّ المجتمع بكليته في قبالة الجهاز. بعد ذلك أقامت الثورة الإيرانية نظاماً يصل بالتوصيف الذي أناطه هنري كوربان بمذهب الاثني عشرية «كتشاؤم غير يائس» إلى خواتيمه. أما في حال مصر الآن، فليس ثمة تشاؤم غير يائس، ولو بالحد الأدنى، وانما هناك أمل يائس. وفي معرض الأمل اليائس يتجه الاحتقان الشعبي، وهو في أعلى درجاته ضد الجهاز، الى ابراز عناصر تماثله مع ثقافة هذا الجهاز، ومع الأفق الذي يرسمه هذا الجهاز لمصر. بل ترى أن الجهاز نفسه أخذ يقتبس بعضاً من ثقافات معارضيه، من على يمينه أو على يساره.
السفير