اليستر كروك في ‘مقاومة: جوهر ثورة الاسلاميين’: قراءة في ملامح انفتاح في الخطاب الاسلامي الجديد والانغلاق الغربي
ابراهيم درويش
في تقريظه لكتاب اليستر كوك الخبير البريطاني ‘مقاومة: جوهر ثورة الاسلاميين’ كتب االباحث في الاسلام ودراسات المسلمين المعروف جون اوزبوزيتو قائلا انه في ضوء فشل الحرب على الارهاب التي شنها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بات البحث عن حلول لظاهرة الارهاب الدولي امرا مهما، وكتاب اليستر كروك يدخل ضمن هذه الجهود التي تحاول البحث عن حلول تستعيض عن المواجهة والخراب خلاقا ام غير خلاق بأرضية من الحوار وما شابه ذلك. ويدعو الباحث الامريكي لقراءة الكتاب نظرا لأهميته.
الاحلال، الفرد والتطهير العرقي
يسعى كروك الى قراءة في الارضية النظرية لجذور التطرف الديني وتمظهراتها في الفلسفة والسياسة الدينيتين. وهو ان حدد اصول الفصام، الصدام او المواجهة في منظومة كل حركات الاصلاح الديني ذات الطابع المتطرف، فما آمن به بوش لم يكن يختلف عن موقف البروتستانت من الكاثوليك ولم يكن بعيدا عن المسار الذي اتخذته الفكرة الدينية في امريكا التي ارتبطت بالقدرية والخيرية واشكالية المخلص الامريكي الحامل على ظهره هم انقاذ الانسانية من تيهانها وشرودها واعادتها للصراط المستقيم. فالتقابل في تحليل الضلال الانساني بين ما قدمه بوش كحل ينهي القاعدة وتنوعاتها الاسلامية، يتمظهر في مجمل التراث الديني. واشكاليته، اي امكانية التصدي للشر، سواء كان هذا تمثله القاعدة، الكاثوليك وحتى البابا نفسه ضمن ما حدث في المسيحية كامنة في تنوع الرؤية واختلافها حول دور الانسان في المجتمع ودور المجتمع تجاه الفرد. يحيلنا اليستر كروك في قراءاته لمحاولة الحداثة والتنوير الاوربييين لابعاد فكرة التسييس والمجتمعية عن الدين والتأكيد على اهمية الفرد واحلاله في مركز الكون، وتمكين قوى السوق من السيطرة على المصير لم تتم عبر تحاور وتنازل بين قوى المجتمع بل كانت في نزوعها قاتلة وشرسة، واستعانت في الاطار نفسه بقدرة العلم وامكانية العقلانية التي تسيدت الفكر الاوروبي في القرن التاسع عشر. واعتمدت في الوقت نفسه على نظرية الانتقاء الاجتماعي ذات الطابع العنصري لتدمير المجتمع واحلال الفرد في مركزه. يحيلنا كروك على افكار مدرسة فرانكفورت وعلى اليعاقبة في نزوعهم الذي يذكرنا بالفوضى الخلاقة وكتابات ماكس ويبر خاصة مقاله عام 1905 وافكار داروين. ولأنه يتجنب السرد التاريخي في محاولة لفهم الظاهرة الدينية في اشكالها المتطرفة، فهو ينقلنا الى الطريقة التي تم فيها تحقيق الانسجام الاجتماعي ‘التطهير العرقي’ وتم هذا عبر عدة آليات منحتها فكرة الدولة القومية التي تناقض وتهدم التنوع. فالظاهرة القومية قامت باسم الطهارة ونقاء الجنس القومي بتدمير كل الثقافات ‘المحلية’ او تنوع الاقليات من اجل بناء مجتمع الطهارة القومي العنصري المثالي. فباسم النقاء العنصري تم اخراج امم وشعوب من التاريخ. فحينما قالت غولدا مائير، رئيسة الوزراء الاسرائيلية السابقة انه لا يوجد شيء اسمه ‘الفلسطينيون’ كانت تقوم بالغائهم وتخرجهم من التاريخ تماما كما الغت القومية التركية المتطرفة الاكراد وتجنبت الاعتراف بهم واكتفت بالاشارة اليهم في الرواية الوطنية على انهم ‘سكان الجبال’. باسم القومية تم تدمير هويات، تهجير، قمع، وقتل وابادة شعوب. فباسم تأكيد القوميات الاوروبية تم تهجير وقتل اكثر من خمسة ملايين مسلم في اوروبا، وسط وجنوب القارة. وباسم النقاء التركي تمت ابادة الارمن وتهجيرهم وقتلهم. وترافق مع عملية الالغاء والتهجير والقتل، هم آخر، وهو إبعاد الدين عن حركة التاريخ والسياسة، ففي الحالة اليهودية تمت علمنة الدين اليهودي. ومع هذا حاول القوميون تزييف وخلق هويات بناء وتأكيد بالاستعانة بالاركيولوجيا. ما يهم في تحليل الكاتب هنا واضاءته على تجليات الحداثة القاسية هو ان الالحاح الاوروبي الدائم على الدول العثمانية لاعادة صياغة نفسها، اي الاصلاح، تم ضمن هذه الجهود وتدخل القوى الاوروبية في اقدار الدولة العثمانية، خاصة الدخول كعنصر يحمي الاقليات ويدول قضاياها هو جزء من هذا النزوع الوحشي. وليس غريبا ان يكون لورد ستراتفورد هو من صاغ مشروع الاصلاح العثماني عام 1856. المهم في هذا التحليل هو ان ما تم في داخل الدولة العثمانية من مذابح وقتل لم يتم باسم التنوع الذي كانت تمثله الفكرة العثمانية، والخلافة التي تمثل وجهة النظر الاسلامية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم. ليس غريبا ان تقوم القومية التركية، او الطورانيين بحملة تطهير عرقي على الشعوب التي كانت داخلة في منظومة الخلافة وبناء هوية وطنية، تزعم انها سليلة حضارة عظيمة في آسيا الوسطى. باسم هذه القومية قامت تركيا الفتاة بالانقلاب على الخلافة العثمانية عام 1908 وبدأت حملة ضد الارمن والاكراد. ليس غريبا ان يكون احد دعاة الصهيونية التصحيحية، فلاديمير جاكوبوتنسكي ودعاة الحل التطهيري محررا لإحدى صحف الطورانيين. لا يشير الكاتب الى سياسة التتريك الا في اطارها العام ولكنه لا ينقل اثرها على مواطني الخلافة العرب، الذين كانوا يمثلون غالبية الدولة. المهم في هذا السياق ان الطورانيين المصابين بلوثة القومية بمعناها الاوروبي قاموا بعمليات الابادة ضد الارمن والاكراد ثم جاء مصطفى كمال اتاتورك بإكمال الحملة ولكن هذه المرة ضد الاسلام، بداية بالغاء الخلافة، ثم الحرب على الهوية العثمانية الاسلامية، اللباس، اللغة، والمكان الديني، المسجد والمدرسة والتكايا وما الى ذلك. ويشير الكاتب هنا الى مجمل مواقف اتاتورك من الاسلام والتي كانت قاسية، ويقول ان تطرف العلمانية التركية، قوبل بنوع من الاعجاب والمديح من قبل الاوروبيين. كما ان اتاتورك الذي شن الحرب على الاسلام ورموزه، انتهى مثل الحداثة نفسها وحيدا بعيدا عن امته التي كان صانعها ليموت في قصر السلطان الذي حاول تغييب ذاكرته وذاكرة اجداده اي السلطان ‘ دولمة بهجة’. توحش الطورانيين الذي عادة ما يوصفون بالملحدين القوميين، وشراسة اتاتورك ‘الاب’ المعروف بغروره ومشاكسته زرعت بذور الرفض الاسلامي والثورة، اي المقاومة.
الخلافة والخطاب الاسلامي
تجليات نهاية الخلافة الاسلامية واثرها على الوعي الاسلامي ستظل تلاحق كل كتابات جيل ما بعد الاصلاح الاسلامي، فالجيل الاول آمن بالجامعة الاسلامية ودعم افكارها على الرغم من السوس الذي كان ينخر في جسد الدولة، اما الجيل الثاني الوارث لتراث المنار فهو الذي سيقوم بتشكيل ماهية الرد على الهزيمة وسقوط رمز وحدة الشريعة والمجتمع. هنا يقدمنا الكاتب الى مفهوم الاسلامية وهو ان لم يكن معنيا مرة اخرى بتحليل معانيها المتعددة الا انه يقرأ تجلياتها السلفية والسياسية والمتطرفة، فالاسلامية ليست ظاهرة تشير الى انموذج واحد فهناك اسلاميات متعددة، لكن ما يعنيه هنا في هذا التحليل ان هذه الاسلاميات تمثل كل واحدة رد فعل على شراسة النموذج الغربي والعلماني. وهي كما نعرف تحمل في طياتها مرة تقاربا وتسامحا مع الاخر وفي مرات اخرى لا ترى الا المواجهة سبيلا، وعبر الحطام يبرز الامل. فان كان المسيحيون الاصوليون تعاملوا مع توطين اليهود في فلسطين كجزء من تحفيز عمل الرب، فهناك اسلاميون لا يرون الا في تدمير النموذج الغربي، الفاسد والمنحل وتطهير العالم من شروره وسيلة للحل. على العموم يحلل كروك تمظهرات الخطاب الاسلامي السني والشيعي المقاوم للغرب او الحداثة عبر محاولة فهمه عبر الاليات ومنظومة الافكار التي قامت عليها الحداثة الاوروبية اي باعتباره صورة عن تجادل بين الفكرين، ومقارنة بين الاليات التفسيرية التي استخدمها ممثلو الاصلاح والخروج. ويركز هنا على سيد قطب باعتباره مركزا للفكر الذي استخدم لمواجهة الغرب وتوغل القوميين في البلدان العربية والاسلامية ويتعامل ومع فكره باعتباره ردة فعل على الغاء الخلافة في اسطنبول. وهو ان ربط بين تأثيرات سيد قطب على ما يطلق عليه الفكر الشيعي الا انه يتجاوز تجادل الفكر السياسي السني السني ويركز عوضا عن ذلك على قراءة اثار التجربة السنية السياسية من خلال تمظهرها القطبي لربطها بما حدث في التجربة الشيعية حيث اسهمت كتابات سيد قطب باخراج الفكر الشيعي من حالته المسالمة وقدريته. وهنا مغامرة في التحليل لان سيد قطب لم يكن الوحيد الذي اثر على النخب الشيعية الاسلامية وان كان الاكثر حضورا في الكتابات هذه. والحقيقة ان الباحث في الفكر الاسلامي الحديث لا يجد الا ان يتعامل معه كخطاب واحد عندما يتعلق الامر بنقد تلكؤ ما يطلق عليه المؤسسة الرسمية الدينية واذعانها للسلطة وموقفها من الغرب، ايا كان حداثيا، دينيا، تغريبيا ام استعماريا فخطاب المواجهة مع الغرب يحمل نفس الملامح التي تطبع كتابات المفكرين الشيعة والسنة مع ان الطرف الاول تأثر بالطرف الثاني. فسيد قطب وكتابات الشيخ محمد الغزالي وغيره من النخب الاخوانية تركوا اثارهم على كتابات الاسلاميين الشيعة. ومن هنا فالتقسيم بين خطاب اسلامي سياسي سني واخر شيعي يبدو متجاوزا للحالة الاسلامية الحديثة. ان قراءة كتاب الحكومة الاسلامية لآية الله الخميني، وهو مجموعة محاضراته التي بلور فيها فكرة ولاية الفقيه، تعطي انطباعا ان كاتبه ‘سني’ ان تجاوزنا الاشارات المذهبية. فالاطار التحليلي نفسه وطريقة عرض حال الامة نفسها. صحيح ان كلا من كتابات الطرفين تمايزت فيما بعد، مع ذلك يمكن للباحث الزعم ان مجمل الخطاب الاسلامي المعاصر، السياسي منه هو واحد وهو ما يظهره تحليل الكاتب في الفصل المخصص للحالة السياسية الشيعية، محللا اثر تجادل الاسلام الحركي الاخواني مع النشاط الشيعي في العراق ودور النجف ممثلا بمحمد باقر الصدر الذي تظهر كتاباته هذا التجادل. كما ان كتابات علي شريعتي في مراحلها الاولى لم تكن منفصلة عن تأثيرات الكتاب المصريين، فشريعتي يذكر انه تأثر بكتاب عبدالحميد جودة السحار عن ‘ابو ذر الغفاري’. هناك تمايزات في كتابات الاسلاميين عامة. فالخميني كانت مرجعيته الاولى عرفانية من ملا صدرا، وشريعتي نظرا لتعليمه الحديث كانت مرجعيته الرموز الشيعية ومحاولة تثويرها بناء على فكر ما بعد الاستعمار والعالم الثالثي نتيجة لدراسته في فرنسا. لكن القراءة الاسلامية المعاصرة من قبل هؤلاء تحمل ملامح تفسيرية ومواقف من التراث وعلاقته بالحداثة. تركت الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979 اثارها على الوعي الاسلامي وادت الى تمظهرات مقاومة تبرز الان في المواقف التي يمثلها حزب الله اللبناني الذي جاء ليمثل مجمل التغيرات والكفاحات الفكرية داخل الفكر الشيعي ويمثل المقاومة. وهناك حماس التي خرجت من عباءة الاخوان لكي تتبنى المقاومة. يدرس الكاتب خياري المقاومة لكل من الحركتين. ما يجمع حزب الله وحماس هو عقيدة المقاومة، وتحالف حماس مع ايران هو تحالف من اجل المقاومة. ويمكن فهم هذا باعتباره الارضية المشتركة بين الحركتين. وتظل الارضية صلبة طالما ظلت بعيدة عن الخلافات ‘العقدية’ التي ادت للخلاف السني الشيعي. فالمقاومة كانت كافية لكي يتجاوز كل فريق مواقفه. فالوحدة عبر المقاومة كانت كافية لانتصارها، مثال حماس وحزب الله، لكن استخدام ‘ورقة الطائفية’ وتكييفها سياسيا ادت لمذابح وتشريد تماما كما حدث مع بناء الدولة الطائفية. فسقوط النظام العراقي ممثلا بصدام حسين، ادى لولادة منظومات تفسيرية عن التاريخ والطائفة والحرمان والحق والتهميش الذي عاشه الشيعة طوال القرون الماضية، مع ان هذه الرؤى تظل من اختراع الاحزاب السياسية التي جاءت لتحكم باسم الشيعة في العراق اليوم. اهمية هذا الكتاب انه يقدم مجملا للرؤى والافكار التي يقوم عليها النموذج الغربي ويموضع الظاهرة الاسلامية في داخلها اي يحاول فهمها باعتبارها ردا على تغوله او محاولة للتكيف معه. ففي هذه القراءة نلتقي مع معظم الاسماء والافكار التي صنعت ثقافة اوروبا، هوبز وهابرماس، فوكو وادوارد سعيد وميلتون ومدرسة شيكاغو وغيرهم.
بانتظار البرابرة
وكما لاحظنا منذ البداية فان التشريد والاضطهاد والقهر والظلم هي نتاج محاولات الغرب تصدير رؤيته القائمة على تحرير السوق من سيطرة المجتمع والسياسة عليه. فالعلمانية والتحديث القسريان كما في المثال التركي اصبحا رمزا على ابشع اشكال الحداثة العلمانية. وهذا هو الدرس الاول او الملمح الذي حاولت الدراسة الحالية تقديمه. ذلك ان الكاتب اراد استكشاف ارضيات ومنظومات فكرية يرى انها تسهم في تشكيل فكرة المقاومة ان من داخل الفكرة نفسها او كرد عليها وهي اضافة للملمح الاول. فالملمح الثاني يتحدث عن تضاد رؤية الغرب القائمة على اسطورة السوق الحرة والخيارات الفردية التي تعمل داخل المجتمع وهذه الرؤية ليست مضادة فحسب بل تشكل تهديدا وجوديا على الاسلام. اما التيمة الثالثة فانه في قلب هذه الرؤى الغربية عن الحداثة وهندسة المجتمع والتطهير العرقي اشكال متنوعة من الفهم الديني المسيحي، مما يعني ان عمليات اعادة تشكيل المجتمع بعيدا عن سلطة الدين لم تتخلص ابدا من سطوته. ومن هنا نحن امام نقاش رابع يتعلق برؤية الغرب والاسلام وموقف كل منهما من الانسان ودوره. امام الموضوع الاهم في النقاش تحرر الاسلاميين في مراحل تشكيل ايديولوجيتهم من قيود التقاليد الفكرية الغربية، مما ادى لنشوء ظاهرة اسلامية منفتحة ذات آليات متحركة بشكل تجعل من الظاهرة الاسلامية اقرب لمفهوم المجتمع المفتوح فيما تنغلق العقلية الغربية وتصبح اكثر التصاقا بشخصية المجتمع المنغلق. ومن هنا فالفارق بين النموذجين الغربي والايديولوجية الاسلامية هو طريقة فهم الانسان ففي الوقت الذي يتميز فيه الغرب برؤيته المثالية يلتزم الاسلام الايديولوجي بالواقعية وانفتاحه على امكانيات الانسان، اي الحكم بالمعايير الانسانية وقدراته المحددة. اما الملمح السابع في هذا السياق فهو ان الاسلامية هي تطور طبيعي لاحداث يمكن تفسيرها وفهمها ضمن رؤية التاريخ. وضمن هذا السياق فالاسلامية هي محاولة لتصحيح الاعوجاج عبر اجبار الغرب على الاعتراف بمبادئ اساسية تسهم في هذا الحل. ومن هنا يجب التفريق بين المقاومة التي تعني الانعتاق والتحرر وتمثلها حماس وحزب الله وبين الحركات التي تدعو لحرق وتدمير النظام كله وبناء نظام جديد على اساس ايديولوجيتها. ومن هنا ففشل الغرب في التفريق بين الاسلام السياسي الواقعي الذي يقبل بتجليات الواقع وتنزيلات الفكر عليه وبين تلك الجماعات القيامية المدفوعة بقوة غيبية عامل في تسليح وتعزيز القوى القيامية على حساب قوى الانعتاق والتحرر. ويرى الكاتب انه وان تجذر كل من المقاومة والرد الغربي العنيف في الخطاب الديني الا ان الرد الغربي على المقاومة الاسلامية يغلق كل امل في بدء حوار او بناء تواصل بين المقاومة والعنف المشرعن الغربي. في الاطار التاسع الذي حاولت الدراسة تحليله قصة شيطنة الاسلاميين التي يسميها الاستشراق الجديد وهي ليست نتاجا لسوء فهم للاسلاميين وفكرتهم ولكنها محاولة مدروسة وعملية ايديولوجية تهدف الى اضعاف الليبرالية في مكان ولتوسيع مجال رد امريكا الحاسم وتدخلها في الشرق الاوسط. والاسلاميون ضمن هذه السياسة ما هم الا بيادق لتأمين انتصار امريكا على الليبرالية وتعزيز السيادة العالمية لها. في الفصل التاسع يحلل الكاتب ابعاد هذه الشيطنة من خلال حوار بسيط ‘تحدثت مع حماس، ومع حزب الله، قالوا انهم يريدون الديمقراطية. وصدقتهم’ في اشارة الى ان الاسلاميين لا يقولون شيئا مفيدا وليس لديهم اطار فكري نافع. يعتقد الكاتب انه في القرون الثلاثة الاخيرة ومع تجربة العقد الاخير كانت محاولة ملاحقة وتحقيق هذه الاهداف فاشلة مما زاد في الطين بلة على طبيعة العلاقة بين عالم الغرب والاسلام. وارث هذه المحاولات الفاشلة سيلاحق الامبراطورية وقد يؤدي للاطاحة بها. وليس مصادفة ان يستعيد الكاتب هنا بطل جي ام كويتزي كاتب المحكمة في راوية ‘بانتظار البرابرة’ وهو الكاتب الذي لم يكن معنيا بمصير الانسان ولكنه بعد تعرض جماعات البدائيين للتعذيب والقهر يتعاطف معهم، في اشارة الى ان النظام نفسه يحمل في طياته ملامح التفجر، التمرد والانهيار. المهم في كل النقاش هنا ان العلاقة المضطربة بين الشرق والغرب وان قامت على تكرار الاخطاء الا ان المستقبل مرهون في النهاية بقرارات الرجال الذين يعيدون العقل السياسي لأرضيته الصلبة تماما كما فعل كاتب المحكمة العامل على حافة الامبراطورية قرب البرابرة (قصيدة كفافي ‘بانتظار البرابرة’ هي ختام الكتاب) وما فعله التكنوقراط في جنوب افريقيا. والانتباه الى ما حصل داخل الفكرة الاسلامية نفسها التي تحررت من الذرائعية. فهذه التحولات التي تحمل في داخلها بذور الحياة التي تجعلنا قادرين على التعرف اليها هي في النهاية مقياس او علامة على المستقبل على حد تعبير ريموند ويليامز. كتاب مهم في طبيعة الافكار الجديدة التي يطرحها، ويختلف عن كتب الاسلام السياسي الصادرة في الغرب.
‘كاتب من اسرة ‘القدس العربي’
ـ عمل اليستر كروك مستشارا لخافيير سولانا، ممثل الاتحاد الاوروبي في الشرق الاوسط 1997 ـ 2003. وكان له دور في العمل على تخفيف حدة التصعيد في المناطق الفلسطينية في الفترة ما بين 2000 2003. وكان عضوا في لجنة ميتشل حول اسباب الانتفاضة 2000. وهو مؤسس ومدير منبر النزاعات.
القدس العربي