يوسف زيدان: “عزازيل” استغرقت منى 30 سنة وحاولت أن أنفض الغبار عن تاريخ مصر المنسي
حوار: سامح سامي
جاء فوز “عزازيل” بجائزة البوكر العربية ليضفي على الرواية رونقا إضافيا جديدا بعد موجة هجوم شديدة تعرضت لها من جماعات المتربصين بالإبداع، لم تمنع من طباعة أكثر من 6 طبعات منها فى زمن قياسى، ما يؤكد أن الأدب لايحاكم إلا بمعايير الفن والنقد النزيه، وأن عين القارىء الأريب تذهب فورا إلى العمل الجيد. وهو المعنى الذى أكده فوز الرواية – وهى الثانية للمؤلف بعد “ظل الأفعى” – بجائزة البوكر العربية كأفضل رواية فى الوطن العربي.
لا يمكن الاكتفاء بقراءة واحدة لرواية “عزازيل”. فهي تستحق العديد من الحوارات والمناقشات لعدة أسباب، أولها أنها رواية “مصرية” بروح صوفية. نكتشف ذلك بعد الانتهاء من قراءتها، وكأنك بطلها لا الراهب هيبا وأن لكل منا عزازيله الخاص به الملازم له والعائش معه. وهى الرواية الأكثر مبيعا و التي تم الاحتفاء بها إعلاميا وأدبيا من قبل حصولها على الجائزة حيث تم التعاقد على ترجمتها إلى الانجليزية و الفرنسية والإيطالية.
بعض من قرأ الرواية لم ير فيها إلا الجانب الخاص بالخلاف حول طبيعة السيد المسيح بين كنيستى انطاكية والأسكندرية، وأن مؤلفها ينحاز إلى النسطوريين الذين اعتبرتهم كنيسة الأسكندرية خارجين عنها. لكن كثيرين ممن أحسنوا قراءتها رأوا فيها عملا أدبيا فريدا، جعل من التاريخ ووثائقه مسرحا لأحداث بعضها حقيقى وبعضها من خيالات المؤلف.
زرت الدكتور يوسف زيدان في بيته بالاسكندرية وهو مكان يحرض على الإبداع. هناك في غرفة مكتبه صور عديدة للسيدة العذراء منها صورة لتمثال رائع تحتضن فيه العذراء المسيح. بجوار هذه الصور تنتشر على حوائط شقته صور لمصحف وصورة طبق الأصل لآخر مخطوطة من مكتبة الاسكندرية القديمة فألتفت إليه وقلت: “أنت صوفي فعلا”. أجريت معه حوارا بعد فوزه بالجائزة الذي أكد فيه نزاهة لجنة التحكيم التي أعطت الجائزة للمرة الثانية لرواية مصرية صادرة عن دار الشروق أيضا…
ثم تابعت: ما الذي دفعك لكتابة هذه الرواية؟
– التعصب المنتشر حاليا والانغلاق، فحاولت أن انفض الغبار عن تاريخ مجهول منسي، أدعو فيها إلى الاهتمام بالإنسان المختفي بين الصراعات المذهبية التي لا ترتبط بالضرورة بدين أو مذهب معين، وإنما ترتبط بأشخاص محددين توهموا أن من حقهم قتل الآخرين باسم الحق الإلهي. وإبراز مناطق منسية وإعادة اعتبار لهذه المناطق التي غابت عنا فغيبتنا ولم نعد واعين بها. وكل ما أسعى إليه هو تأسيس معرفة عميقة بالذات والتاريخ عن طريق الإبداع. وما سعيت إليه منذ روايتي الأولى “ظل الأفعى” هو التأكيد على ضرورة إعادة بناء المفاهيم، وعزازيل رسالة في المحبة، وخطاب من أجل الإنسان، من خلالها أفتش عن الإنسان الذي اختفى وراء الأزمات التي التهمت أهل مصر خلال القرون الماضية. لذلك فهي وغيرها من أعمالي محاولة للفهم. والتأكيد على إعادة بناء الأشياء والمفاهيم التي استقرت في أذهان الناس بشكل خاطئ”.
وهناك رسالة أخرى هي أن الأضعف هو الأكثر بطشا. فالحكومات القوية لا تلجأ للعنف، لكنها تتخذ من الحوار وسيلة، وكذلك المتطرف هو الأضعف؛ لأنه لا يملك الحجج الأقوى.
وواقعة مقتل عالمة الرياضيات والفلك والفلسفة المصرية “هيباتيا” علي يد متطرفين مسيحيين رافضين لوجود الوثنيين، كانت السبب في إغراقنا في الجهل لقرون طويلة خوفاً من المصير ذاته، ولم يعد الاهتمام بالعلم مرة أخرى إلا مع الحضارة الإسلامية.
* كيف استطعت أن تكتب رواية عن شخوص حقيقية-باستثناء البطل هيبا- دون أن تخالف التاريخ؟
الاجابة تتوقف على فهمنا على سؤال ما هو التاريخ؟
كما أني وجدت أن أسلوب كتابة الرواية ممتع وجذاب، ومن حق الكاتب الروائي أن يختار البنية الروائية التي يقدم من خلالها عمله ولست أول من أقدم على ذلك.
*ولكن ألا تعتقد أنك جعلت البعض يتصور حسب مقدمة الرواية أنها ليست عملاً من وحي الخيال – أو التاريخ الممزوج بالخيال – بل هي ترجمة لمخطوطة قديمة لراهب حقيقي عاش في تلك الفترة وهو الراهب “هيبا”؟
– في الحقيقة لا أود أن يكون القارئ للرواية من النوع الذي يستسهل ويقرأ دون تفكير أو عناء بل عليه أن يبذل جهدا في القراءة فهو لا يقرأ مقالة بل رواية. وعزازيل كتبتها بمداد الدم لذلك فهي جديرة لهذا السبب بالقراءة.
* وهل يزعجك قراءة البعض لعزازيل على أنها دراسة تاريخية؟
– بالطبع يزعجني ويغضبني، كما أنني لم أتبنَّ وجهة نظر معينة لنصرة أحد أطراف الصراع الكنسي. ثم أن نسطور هذا الذي يتم تصويره على أنه الشيطان الأعظم، هو مفكر ينطلق من بنية التفكير العربي قبل الإسلام في تصوره للألوهية، وإن كان يعارض فكر كنيسة الاسكندرية إلا أنه يدافع عن طبيعة العقلية العربية التي لم تكن تتصور أن يصير الله والإنسان شيئا واحدا.
* بدأت بأعمال تراثية وتحقيق ودراسة في مجال الأدب الصوفي، ثم كتبت نقدا أدبيا قبل أكثر من عشر سنوات في كتابك “التقاء البحرين”، فلماذا لجأت أخيرا إلى الأدب؟
– أجزم بأن تأليف الرواية عمل مركب، بل معقد ويحتاج بالإضافة إلى بنيته الأدبية كما هائلا من المعرفة. لذا على الكاتب ألا يبدأ حياته بالتأليف الروائي مهما عظمت موهبته، لأن المعرفة ستعوزه في الأحوال كافة. لذلك تأخرت في كتابة الرواية كي تأتي كما أتمناها، لذلك فإعداد عزازيل أخذ نحو ثلاثين سنة، وسنة كاملة لكتابتها بالتوازي مع كتابي “كلمات التقاط الألماس من كلام الناس” الذي صدر في التوقيت نفسه مع عزازيل.
* من هو “عزازيل” الذي قصدته، هل هو الشيطان أم أنه “أنا لا وجود لي، مستقلا عنك. أنا يا هيبا أنت ولا أكون إلا فيك”، كما جاء وصفك له في الرواية؟ أم هو فعل الكتابة التحريض على الكتابة؟ ولماذا اخترت اسم عزازيل عنوانا للرواية؟
– لا يهمني معنى عزازيل وهو لفظ موجود ومعروف، مشتق من اسم الله إيل مثل اسرائيل وبيت إيل وكذاز وعزازيل هو الغواية وهو التحريض على الكتابة وهو الحريص على الحياة، وهو الجزء المظلم من الذات الإنسانية، والجزء المطمور المخفي الذي لا يموت ما دام الإنسان حيًّا، فهو الذي يحركه ويربطه بالحياة، الذي يشجعه على تحقيق إرادته ثم ينتظر اللوم ويتحمله ويهنأ به، فيتحقق الطرفان.
* أليس غريبا بعد ما حدث لأهل الراهب هيبا من والده إلى حبيبته ومعلمته من المسيحيين أن يتمسك بالمسيحية والرهبنة أم أن هروبه الأخير للحرية يعني تركه للمسيحية؟
– المسيحية هنا هي الإيمان ومن الصعب العيش بدونه، وليس من السهل أن نؤمن إيمانا حقيقيا. ولذلك فالبطل يقع بين هذين الطرفين يريد أن يوجد في الإيمان وفي الوقت نفسه يريد الخروج منه، يريد أن يرتبط بحبيبته ولكنه يخاف. ومع يفعله البطل هيبا هو ما يفعله كل إنسان في أي زمن. الجوهر الإنساني واحد.
* لماذا هاجمك بعض الأقباط متصورين أن الرواية ضد المسيحية؟
الرواية ليست ضد المسيحية، بل هي ضد العنف وضد الزعم بأن البابا ينطق باسم الرب فالتحدث باسم الإله هو بداية تفجر المذابح والعنف وظهور المناخ الملائم للمتشددين في الدين الذين ينشرون الخراب والدمار.
الأقباط يتصورون أن التاريخ القبطي ملك خاص بهم، ولكن التاريخ الذي يحسبونه خاصاً بهم، هو تاريخ مشترك ليس من حق أحد أن يعزله عن سياقه العام. فالقبطية مرحلة تاريخية مصرية. وعزازيل رواية قائمة على إدراك عميق للحظات تاريخية مسكوت عنها، ومن بينها الصراع بين الكنائس الكبرى، وإزاحة المسيحية للتراث السابق عليها بعد نعته بالوثنية. إنه التاريخ الذي غاب وانفرطت حلقاته في وعينا.
وأعتقد أن الاعتراض يبدأ في النفوس ثم يبحث الناس عن أسباب له، ولا ينبغي النظر إلى عزازيل من غير زواية الإبداع الأدبي.
* ألم تخف لحظة من مواجهة السلطة الدينية؟
الصوفية لا تجعلني خائفا بل تشجعني على الثورة على الخوف.
* من يقرأ أعمالك يجدك متأثرا بشدة باللغة الصوفية فهل استفدت من ذلك في عزازيل؟
بالطبع الموروث الصوفي في أسلوبي حاضر سواء شئت أو أبيت بحكم طول الملازمة. ولكن ما دمت تتحدث عن الأسلوبية لن تجد اللغة الصوفية في أعمالي منقولة بنصها ومجتزئة من سياقها بل أتعامل معها وقد تطورت لتناسب شروط التعبير المطلوب. كثيرون ممن يكتبون ينبهرون باللغة الصوفية فيقعوا في أسر النص الصوفي فيجلب المفردة الصوفية إلى عمله بطريقة القص واللصق.
اللغة الصوفية أحد مصادرها الأسلوبية ولكن بعد تذويب هذه اللغة في بنية مغايرة ومناسبة لدواعي التعبير عما أريد أن أقوله.
* قال الدكتور يحيي الجمل “ورغم ما في «عزازيل» من متعة وقوة علي اجتذابك إذا بدأت قراءتها فإنك ستدرك بعد صفحات قليلة أنك أمام عمل مختلف تمامًا. أنت أمام دراسة في علم الأديان المقارن، أو أنت في دراسة عن اللاهوت، أو أنت في رحلة فلسفية ممتعة وعميقة وصادقة أيضًا”…تعليقك؟
هنا يشير إلى أدوات كتابة النص، وهذا أمر صحيح، ففي عزازيل بحث لاهوتي وتاريخ ولغة صوفية وفلسفة والهم المعاصر.
* أعرف أنك ستكمل وجهة نظرك في كتابك الجديد “اللاهوت عربي”؟
– أصدر قريبا “اللاهوت العربي” وفيه أتطرق إلى تصورتنا عن المسيحية والإسلام واللاهوت وعلم الكلام، وعن العلاقة الجدلية بين الدين والسياسة والعنف.
وهو عمل بحثي به شواهد تاريخية لا حصر لها، وأبين من خلاله أن ما تسميه الكنيسة “هرطقة” هو العقل العربي الذي كان يفكر قبل الإسلام وأنتج علم الكلام. وهو امتداد طبيعي للاهوت العربي.
الشروق
يمكنك تنزيل الرواية من الرابط التالي
http://www.4shared.com/file/66979468/43eafbf2/_____.html?s=1
كووووووووووووول هوااااااااااااااااااااااااا