حكاية من زمن الحرب السورية
بدرالدين حسن قربي
هي حكاية ليست من زمن حرب السفر برلك، أو العالمية الثانية أو حروبنا المجيدة التي لم نخسر منها واحدة، إنما هي من زمن حرب غير تلك الحروب ولا من جنسها. حرب ليس فيها إطلاق رصاص أو مدفعية أو قذائف، وإنما هي حرب تداس فيها كرامة المواطن وتسرق فيها لقمة عيشه (حسك عينك)، وتجعل حياته تحدياً في كل مرافق حياته طعاماً وشراباً وماءً وكهرباء، وصحةً ودواءً وأمناً وأماناً، وصموداً ومقاومةً أمام عتاولة الفساد والنهب الذين أصبحوا امبراطوريات يرعاها من يرعاها في كل منشآت الوطن وحاراته وزواريبه، ولها أباطرتها ممن لايتركون شيئاً يفوتهم يأكلون مال النبي، ويُحلّون بعده بالصحابة، ويلهطون الحرام قبل الحلال، وباتوا دماً فاسداً مليئاً بالإيدز يسري في كل عروق النظام العام وشرايين البلد، لهم سياساتهم وخططهم ومصطلحاتهم وقواعدهم وابتكارتهم وتسمياتهم وتربيطاتهم، ولهم عتاولتهم وفتواتهم المتنفذين في الدولة أمناً وجيشاً وسياسةً واقتصاداً وإعلاماً وحزباً، وغدوا على حرد قادرين.
البلد محكومة بقوانين طوارئ منذ أكثر من خمسة وأربعين عاماً، طعام ملايين الناس يأكله (الهبّاشون) ومايأكلون في بطونهم إلا ناراً، وغذاء ملايين فلذات الأكباد يبتلعه الشبيحة، وهم ينادون كنار جنهم هل من مزيد، تاجروا بصحة الناس وعافيتهم ودوائهم، وتاجروا بعرق ملايين الفلاحين والكادحين، وهم مصرون مع كل هذا النهب والسلب والاستبداد والقمع على أنهم ممانعون وصامدون ومقاومون ومقاتلون حتى آخر كادح وجائع دفاعاً عن المستبدين والفاسدين والنهابين.
كان لهذه السنين من زمن الحرب القليل من رجالها ونسائها وشبابها وشيوخها ممن رفعوا سبابتهم وأشاروا إلى الشبيحة واللصوص، أو تكلموا ببعض كلام، أو كتبوا بعض مقالات صفحات انترنيتية الكترونية يعبرون فيها عن بعض رأي داعين إلى الإصلاح والتطوير الديمقراطي وحماية الحريات وإيقاف إعلان حالة الطوارئ وإطلاق سراح سجناء الرأي.
ومن هنا بدأت حكاية حبيبنا الصالح مع أول اعتقال له عام 1982 ، أطلق سراحه بعد قرابة عام بنفس الطريقة التي اعتقل بها من دون توجيه تهمة أو محاكمة أو شيء من هذا. اعتقل للمرة الثانية 1986 بنفس الطريقة الأولى ولكن لمدة ستة أشهر، ثم اعتقل ثالثة عام 1994 بنفس الطريقتين الأوليتين ولكن لمدة تعدل المرتين معاً. ثم كان الاعتقال الرابع عام 2001 ولكن هذه المرّة باعتباره أحد رموز ماسمي في حينها جماعة ربيع دمشق ولفترة ثلاث سنوات. ثم كان الاعتقال الخامس الذي تميز هذه المرة عن سابقاته بعرضه – رغم أنه مدني – على محكمة عسـكرية، وترتيب تهمة له بنشر أخبار كاذبة كشفوها عنه بعد كل هذه الاعتقالات ليحاكم وللمرة الأولى وكان الحكم ثلاث سنين.
وللمرة السادسة أعيد اعتقاله في أيار/مايو 2008 بعد ثمانية أشهر من إطلاق سراحه كالمرات السالفة، حيث انقطعت أخباره كاملاً لمدة ثلاثة شهور تقريباً، ليتأكد أهله من جديد أنه حي يرزق وقد ظهر أمام قاضي التحقيق محالاً من المدعي العام.
منذ يومين صدر الحكم عليه من المحكمة الجنائية السورية ( وليس الدولية) بالسجن ثلاث سنوات بتهمتي نشر أنباء كاذبة تضعف الشعور القومي وتوقظ النعرات العنصرية والمذهبية، وكذلك نشر أخبار كاذبة من شأنها توهن نفسية الأمة وذلك في زمن الحرب، علماً أن المحكمة برأته من تهم أخرى وجهها إليه المدعي العام (اللاأرجنتيني) وهي الذم والإساءة لرئيس الجمهورية و إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح المواطنين أو حملهم على التسلح.
دفع حبيب صالح أمام المحكمة العسـكرية بتلفيق ماوجهه إليه أوكامبو، وأنها تهم تفتقد الدليل والبرهان، وأن كل ماقاله كان كلاماً بكلام نشر هنا أو هناك وكله موثق، فمن أين جاؤوا بمثل هذه التهم الكيدية فضلاً عن أن ماكتبه أو نشره لم يكن في زمن حرب غافلاً عن معنى الحرب الذي أشرنا إليه، وكان ماكان من تلبيسه بعض التهم وإبرائه من تهم خطيرة جداً لايعرف من أين أتى بها المدعي العام على عظمها طالما أكدت المحكمة على مافيها براءته منها.
حبيب صالح ومن معك في معتقلك من كرام المعارضين وأفاضلهم نساءً ورجالاً..!! لأنك لستَ الفاسدَ ولاالمفسد، ولستَ اللصَ ولا النهّاب، تطمح إلى حياةٍ حرةٍ كريمةٍ بعيدةٍ عن القمع والاستبداد والقرصنة، فأنت في قلوب الأحرار والشرفاء من مواطنيك ومحبيك. قلوب القامعين والمستبدين هواء، تخاف مقالاً يكتب تعبيراً عن رأي، ونصيحةً تُقَال تسديداً وتصويباً وترشيداً. إنهم يرون في فعلكم وحركتكم وكتاباتكم ريحاً تتهدد كراسيهم، فيُحوِّلون وهنهم وضعفهم بمكناتهم الإعلامية وقدراتهم الأمنية ومدعيهم العامّين غير الأرجنتينين تهماً لكم بتوهين الأمة وإضعاف عزيمتها ( وقال إيييه…!؟ في زمن الحرب!!!) لتَوَهُمهم أنهم الأمة وأنهم قدرها وعزيمتها.
خاص – صفحات سورية –