“الحوار” مع سوريا وإيران… ليس تسليماً لهما !
سركيس نعوم
للرئيس السوري بشار الاسد مصلحة في معاودة المفاوضات مع اسرائيل وإن غير مباشرة في المرحلة الاولى ولاحقاً في التوصل الى تسوية سلمية معها، استناداً الى عدد من متابعي اوضاع المنطقة في واشنطن من اميركيين وغير اميركيين. ذلك ان من شأن التسوية اعادة اسرائيل الاراضي السورية التي احتلتها في حرب 1967 كلها الى اصحابها. ويشكل ذلك من جهة نصراً شخصياً وعائلياً للرئيس بشار الاسد كون الاراضي المستعادة سقطت في ايدي الاسرائيليين يوم كان والده الرئيس الراحل حافظ الاسد وزيرا للدفاع وربما الرجل القوي بل الاقوى في النظام السوري. ومعروفة الشائعات التي اطلقها آنذاك اعداء سوريا ونظامها ورئيسها والتي صورت الاحتلال على انه كان اما تسليماً مقصوداً للجولان لاسرائيل، واما تخلياً عنه واهمالاً له لان الاولوية في ذلك الوقت كانت للمحافظة على النظام الذي خشي اركانه سقوطه بفعل الهزيمة العسكرية. علماً ان الشائعات المذكورة لم يثبتها دليل، رغم الكثير من الذي قيل ونشر خصوصاً في وسائل الاعلام المعادية لسوريا الاسد.
وللرئيس بشار الاسد مصلحة اخرى في مفاوضات مع اسرائيل، ثم لاحقاً في تسوية سلمية معها تعيد اليه الجولان المحتل، لانه يستطيع تصوير ذلك نجاحاً باهراً بل انجازا للسياسة المتشددة التي انتهج سواء مع اسرائيل، وان من خلال لبنان وحلفه مع ايران الاسلامية، او مع اميركا جورج بوش وحتى مع “الاميركات” الاخرى التي سبقتها اذا جاز التعبير.
ولسوريا كدولة ونظام ووطن مصلحة اساسية في التوصل الى تسوية سلمية مع اسرائيل. ذلك انها قد تساعدها على تحسين اوضاعها الاقتصادية وتحقيق عدد من المكاسب الاقتصادية. فالانتاج النفطي السوري المتدني حجمه باستمرار وتعثّر الصناعات التي تديرها الدولة السورية يجعلان من التسوية مع اسرائيل ممراً لسوريا الى الغرب، وتحديدا الى اميركا، هي في امس الحاجة اليه الآن وخصوصاً من الناحية الاقتصادية.
هل هذه الحجج كافية للاقتناع بان سوريا الاسد صارت “مضطرة”، اذا جاز التعبير، الى توقيع سلام مع اسرائيل؟
انها ليست كذلك في نظر المتابعين الاميركيين انفسهم. ذلك ان التحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا ليست خطيرة الى درجة تغري النظام الحاكم فيها بل تقنعه بالتسوية السلمية مع اسرائيل. فالاقتصاد السوري لا يزال يعمل في صورة جيدة، او على الاقل معقولة. وصندوق النقد الدولي توقع ازدياداً للنمو الاقتصادي في سوريا السنة الماضية، وان سوريا ستكون قادرة على مواصلة تنويع اقتصادها وبعيداً من النفط الذي اعتمدت عليه لسنوات رغم معرفتها بان احتياطه ليس كبيراً. فضلاً عن ان انسحاب القوات السورية من لبنان في ربيع عام 2005 والذي كان “نكسة” سياسية للنظام الحاكم في دمشق كانت له انعكاسات ايجابية على قطاعات عدة في الاقتصاد السوري وخصوصاً بعدما دفع اصحاب الارصدة المتنوعة في لبنان من السوريين الى اعادتها الى بلادهم. ذلك ان هذا الامر دفع الحكومة السورية الى تنفيذ عدد من الاصلاحات وخصوصاً في قطاعات المصارف والبناء والاتصالات بغية استيعاب هذه “الموجودات” وعدم دفعها الى الخروج من البلاد. كل ذلك جعل رجال المال والاعمال والتجارة السوريين ولا سيما منهم الذين كانوا دائماً اما مصدر استقرار للنظام السياسي واما مصدر توتر وزعزعة له يرتاحون ويهدأون ويُريحون في الوقت نفسه. الا ان ذلك كله، على صحته، يقول المتابعون الاميركيون انفسهم لا ينفي وجود رغبة لدى الرئيس بشار الاسد للتوصل الى تسوية سلمية مع اسرائيل اقتناعاً منه بانها الوحيدة التي تمكنه من تحقيق تقارب مع الغرب وزعيمته اميركا ومع الدول العربية المعتدلة التي تعارضه بشدة وخصوصاً منذ عام 2005 سواء بسبب لبنان ودوره السلبي فيه قبل ذلك العام وبعده، او بسبب تحالفه مع الجمهورية الاسلامية الايرانية الطامحة بحسب هذه الدول الى الاستيلاء على دورها ومكانتها والسيطرة عليها. وتقارب كهذا من شأنه ازالة خطر الارهاب الاسلامي الاصولي وتحديدا السني على النظام الحاكم في سوريا. وهو تهديد مستمر رغم نجاح هذا النظام في قمعه منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي. لا بل انه تفاقم بعدما ظهر تنظيم “القاعدة” في العقد الماضي ونجح في السنة الاولى من العقد الحالي في توجيه اكبر ضربة ارهابية الى اميركا والتحول تهديداً جدياً للمجتمع الدولي كله باسلامييه ومسيحييه وبوذييه وملحديه وغيرهم.
هل تكفي رغبة الرئيس بشار الاسد في الانفتاح على الغرب والدول الغربية المعتدلة عبر التسوية السلمية مع اسرائيل كي يتحقق ذلك كله؟
المتابعون الاميركيون انفسهم يجيبون ان الرغبة وحدها لا تكفي، بل يجب ان ترافقها امور عدة ابرزها ان يواكب التسوية السلمية، الصعبة اساساً، اصطفاف سوري واضح مع اميركا واسرائيل والغرب عموماً في موقفها الموحّد او شبه الموحد من ايران الاسلامية الحليف الاستراتيجي لسوريا. فهل يستطيع النظام الحاكم فيها الاقدام على اصطفاف كهذا؟ وماذا ستكون ردود فعل الشعب السوري المتعاطف بشدة مع “حزب الله” وحركة “حماس” على مثل هذه الخطوة؟ هل تكون ايجابية ومرحّبة، ام سلبية؟ وهل ستكون سلبيتها سلمية ام غير سلمية؟ وماذا سيكون رد فعل الحليف الاستراتيجي لسوريا الاسد، اي ايران؟
طبعاً لا احد يملك اجوبة عن هذه الاسئلة وعن اخرى كثيرة غيرها. لكن ما يعرفه المتابعون الاميركيون انفسهم، كما المتابعون العرب بمن فيهم اللبنانيون ان موضوع ايران (او خطرها) مهم جداً لاسرائيل واميركا والغرب وغالبية المجتمع الدولي، ولعرب الاعتدال اي غالبية العرب. وما يعرفونه ايضاً هو ان نجاح اي تسوية سورية – اسرائيلية او اي حوار سوري – اميركي او مصالحة سورية مع العرب المعتدلين يتوقف ليس فقط على رغبة سوريا وارادتها على اهميتهما، بل ايضاً على قرار منها اما بالتخلي عن ايران وفروعها في لبنان وفلسطين وفي سوريا نفسها، واما بتحييد نفسها عنها. ذلك ان قرار الانخراط الاميركي في الحوار مع ايران على جديته وصدقه، لا يعني التسليم لها بكل مطالبها، كما ان قرار الحوار مع سوريا لا يعني كما يعتقد بعض اعلامها الرسمي وربما بعض مسؤوليها ان على اميركا تقديم تنازلات لانها هي التي خسرت المواجهة في الشرق الاوسط (العراق – لبنان – فلسطين – لاحقاً افغانستان) امام سوريا وايران المتحالفتين.
النهار