هل لسوريا شروط ومطالب كي تغيّر سلوكها حيال لبنان ؟
اميل خوري
هل يكفي رفع الأعلام اللبنانية والسورية على سفارتي البلدين كي تصبح العلاقات ندية ولا تتدخل اي دولة في شؤون الدولة الاخرى، مع احترام كل منهما لسيادة الآخر واستقلاله؟ وهل تنوي سوريا فعلا لا قولا تغيير سلوكها حيال لبنان ترجمة للتقارب مع السعودية ومصر وتشجيعا لمواصلة الحوار مع الغرب وتحديدا مع الولايات المتحدة الاميركية؟ وهل تجعل سوريا علاقتها بلبنان من دولة الى دولة وليس مع احزاب وشخصيات وقوى سياسية، تحضها على السير في هذا الاتجاه او ذاك، خصوصا بعدما اكد الرئيس الاسد في احد احاديثه: “أن العلاقة مع لبنان تشمل كل لبنان من دون استثناء احد، وتشمل المؤسسات والقوى السياسية والاحزاب وان العلاقة مع هذه القوى لا تعني التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية ولا يجب ان تكون مثار جدل وستستمر في استقبال كل من يريد ان يأتي الى سوريا”… لكن هذا الموقف السوري لا يسري في رأي اوساط سياسية على لبنان، بحيث انه اذا استقبل او تعاطى مع سياسيين سوريين معارضين تقوم قيامة القيادة السورية على لبنان وعلى من استقبلهم…
في معلومات مصادر معروفة بقربها من سوريا او تحسن قراءة افكار مسؤولين فيها، ان القيادة السورية الواثقة من بقائها في الحكم لاسباب باتت معروفة قد لا تغير سلوكها حيال لبنان او تعيد النظر في تحالفها الاستراتيجي مع ايران، لانها تعتبر ذلك من صميمم سياستها ومفهومها للسيادة والاستقلال. وفي اعتقاد هذه القيادة، وهو ما عبر عنه الرئيس الاسد في احد احاديثه بالقول: إن اية جهة او دولة في العالم تريد ان يكون لها دور في المنطقة يجب ان تمر بشكل او بآخر جزئيا او كليا عبر سوريا وان الدول التي تتعامل مع القضايا المختلفة فهمت هذه الحقيقة وفهمت اننا نفهم هذه الحقيقة”.
لذلك، فان القيادة السورية قد لا تغير سلوكها حيال لبنان الا اذا تحقق احد امرين:
اولا: ألا يحصل تدخل من اي نوع كان ضد مرشحي حلفائها في الانتخابات النيابية المقبلة للحؤول دون فوزهم او لمنع قوى 8 آذار من الفوز بالاكثرية ويكون لها الحكم، واذا فازت فينبغي الا يحصل تدخل لعرقلة سعيها لتشكيل حكومة ائتلافية اذا امكنها ذلك، فاذا انتقلت السلطة الى قوى 8 آذار والمتحالفين معها، فان سوريا سوف تكون سعيدة ومستعدة لمساعدتها على تنفيذ ما لا تستطيع قوى 14 آذار والمتحالفين معها تنفيذه بدون هذه المساعدة التي قد لا تقدمها سوريا الى هذه القوى كونها معادية لها… فاذا كانت الدول الشقيقة والصديقة للبنان مهتمة بتنفيذ ما لم يتم تنفيذه حتى الآن، توصلاً الى قيام الدولة القوية القادرة، فان عليها الا تربط ذلك بفوز هذا الطرف او ذاك في الانتخابات النيابية المقبلة، بل بمن هو اقدر على هذا التنفيذ.
وبما ان القيادة السورية تصبح مطمئنة الى مسار المحكمة ذات الطابع الدولي مع وصول قوى 8 آذار والمتحالفين معها الى السلطة، او مع مشاركتها في اي حكومة يتم تشكيلها ويكون لها فيها “الثلث المعطل” تحقيقا لهذه الغاية، فان هذه القيادة تصبح جاهزة في مقابل ذلك للمساعدة على تنفيذ ترسيم الحدود بين البلدين بما فيها حدود مزارع شبعا توصلا الى تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي لتعود ملكيتها الى لبنان، وازالة السلاح خارج المخيمات الفلسطينية وضبطه داخلها وتنفيذ القرارات الدولية ولاسيما القرار 1701 وما يتعلق بضبط الحدود لمنع التهريب توصلا الى معالجة موضوع سلاح “حزب الله” وكل سلاح آخر خارج الشرعية لتمكين الدولة، التي تكون مع حكم اكثرية قوى 8 آذار والمتحالفين معها الدولة الحليفة لسوريا بصدق واخلاص، والقادرة على بسط سلطتها على كل اراضيها بحيث يصبح سلاحها وسلاح “حزب الله” واحدا ولا تمييز بينهما، اذ يوضع عندئذ في كنف الدولة التي يعود لها وحدها اتخاذ قرار الحرب والسلم والمساعدة ايضا على مراجعة الاتفاقات الثنائية القائمة بين البلدين بصورة موضوعية ووفق اقتناعات مشتركة بما ينسجم مع التطورات الحاصلة في العلاقات بين البلدين ويستجيب مصلحة البلدين.
ثانيا: ان تسفر المفاوضات بين سوريا واسرائيل عند استئنافها عن اتفاق سلام شامل ينهي الصراع العربي – الاسرائيلي ويكون اساسه اعادة الجولان الى سوريا ومزارع شبعا الى لبنان واقامة الدولة الفلسطينية الى جانب الدولة العبرية، لان لا حل الا بحل الدولتين. وعندما يتحقق هذا السلام الشامل، فلا يبقى عندئذ مبرر لوجود مقاومة لا في لبنان ولا في فلسطين، ولا لوجود اي سلاح خارج الشرعية، فتقوم الدولة الفلسطينية التي يشكل قيامها خطوة مهمة على طريق حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ويتم تطبيع العلاقات بين العرب واسرائيل وتقوم في لبنان الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها وعلى النهوض بلبنان في كل المجالات ولاسيما الاقتصادية والانمائية.
الى ذلك، لا بد من انتظار نتائج الانتخابات النيابية المقبلة لمعرفة كيف ستتصرف سوريا مع هذه النتائج، وهل يكون لها شروط او مطالب لتغيير سلوكها حيال لبنان، وهو تغيير كثر الكلام عليه منذ سنوات ولم يترجم حتى الآن واقعا على الارض، تارة بحجة عداء الولايات المتحدة الاميركية لها وانقطاع دول الاتحاد الاوروبي عن الاتصال بها، وطورا لقيام خلاف بينها وبين عدد من الدول العربية لانها اصبحت اكثر قربا من ايران. فهل تساعد عودة الحوار الاميركي مع سوريا وانفتاح الدول الاوروبية عليها، وتحقيق التقارب بينها وبين السعودية ومصر توصلا الى قيام تضامن عربي يكون قادرا على مواجهة التحديات في المنطقة خصوصا اذا ما قامت حكومة يمين متطرفة في اسرائيل، على جعل سوريا تغير سلوكها حيال لبنان ايا تكن الحكومة فيه، على ان يتحقق هذا التغيير بالافعال وليس بالاقوال، وبالممارسة وليس بالمسايرة او بالمماحكة، وبالتعاطي مع لبنان كدولة حرة مستقلة وليس كدولة تابعة تحتاج الى وصاية…
النهار