عائلة الأسد
تسفي بارئيل
ليست سهلة معرفة ما الذي يشغل بال الرئيس السوري بشار الأسد اكثر من غيره، مناورة اسرائيل أم التحقيق الحثيث للعثور على مصفي عماد مغنية. بعد أن تبين ان سورية لم تحرك قوات، والرد السوري على مناورة التأهب الاسرائيلية تقلصت الى صراخ المحللين، تبقى ان نستوضح لماذا أدخل الاسد الى الاقامة الجبرية صهره،
اصف شوكت، رئيس الاستخبارات السورية. هل، كما يقولون في مواقع المعارضة الالكترونية، يدور الحديث عن نية شوكت تنفيذ انقلاب بمساعدة اميركية، ام من أجل ارضاء السعوديين الواثقين بانه يقف خلف قتل رفيق الحريري. واذا كان هكذا، فلماذا اعتقال ايضا مسؤول سعودي كبير في السفارة السعودية في دمشق؟
بينما ينشغل الاسد في تهدئة الحدود وربما ايضا في التآمرات ضده، يوجد هناك من يحتفل ايضا. الشركة السورية “سيرياسل”، التي تسيطر على نصف سوق الهواتف الخليوية في الدولة، مطروحة للبيع. والعطاء لا يزال مفتوحا. مستثمران كبيران، الشركة التركية “توركسل” والشركة الكويتية “زين”، تتنافسان على شراء الاسهم. ويوجد في الصفقة مشكلة صغيرة واحدة: أغلبية الاسهم في الشركة السورية هي بملكية رامي مخلوف. هذا هو الرجل الذي يظهر في قرار 13460 للرئيس جورج بوش في شباط 2008، والذي يحظر عقد الصفقات مع الرجل الذي يعتبر الاغنى في سورية، ويجمد املاكه في الولايات المتحدة.
مخلوف ليس مشبوها بتجارة السلاح أو بنشر الارهاب. وشرح ستيورت لوي، نائب وزير شؤون الارهاب والاستخبارات العامة في الادارة الاميركية، اساس العقوبات الجديدة هذه قائلا انه “يستخدم التهديدات وعلاقاته القريبة مع الرئيس بشار الاسد كي يحقق تفوقا تجاريا بشكل غير مناسب على حساب المواطنين السوريين العاديين“.
هذه هي المرة الاولى التي تفرض فيه الادارة الاميركية عقوبات على شخصية سورية كبيرة بدعاوى تجارية صرفة. مثل هذه الذريعة يمكن أن تشكل اساسا لعقوبات في كل واحدة من دول الشرق الاوسط، بما في ذلك اسرائيل، وليس فقط فيها. ويبدو أن الادارة الاميركية يائسة من فرصة أن تحدث عقوبات اقتصادية جارفة على الدولة تغييرا في السياسة السورية، ولهذا فقد قررت السير نحو عقوبات شخصية في محاولة للمس بالاساس الاقتصادي لعائلة الرئيس. نوع من الحساب الشخصي مشكوك فيها المنفعة منه.
ضغط غير معتدل
رامي مخلوف هو ابن خال الرئيس الاسد وابن محمد مخلوف، شقيق أم الاسد انيسة. عم مخلوف، الجنرال عدنان مخلوف، كان قائد الحرس الرئاسي في عهد حافظ الاسد. شقيق رامي، حافظ مخلوف، هو مسؤول كبير في الاستخبارات العامة وشقيقاه الاخران، ايهاب واياد، رجلا أعمال. هذه العلاقة العائلية، الى جانب كفاءته التجارية، حولته الى رجل يسيطر اليوم على اعمال سياحية، فندقية، طيران وشبكات خليوي، ومن هنا ايضا جعلته احد الاشخاص الاكثر نفوذا في الدولة التي لا تزال الحكومة تسيطر على معظم اقتصادها.
الاسبوع الماضي، بينما تبادلت اسرائيل وسورية بينهما رسائل التهديد والتحذير، قرر الرئيس الاسد نشر قانون جديد، رقم 7، يرمي الى منع الاحتكارات وتشجيع المنافسة التجارية. حسب صيغة القانون، ستلغى كل الصفقات والعقود التي “يوجد فيها ما يمس بحرية المنافسة”. وهو يحظر توزيع السوق حسب التوزيع الجغرافي، وظاهرا يوجد فيه ما يشير الى اتجاه اصلاحات داخلية في الاقتصاد. ولكن بندا واحدا فيه يقول ان الخدمات التي تقدمها الحكومة لا تخضع لهذا القانون، يجعل مشكوكا فيه أن يخلق هذا القانون واقعا اقتصاديا جديدا.
بين هذه الخدمات تندرج الكهرباء والماء، صناعة النفط، المواصلات العامة والموانىء، وبالطبع كل اعمال المقاولات التابعة لهذه النشاطات. وهكذا يمكن للرئيس الاسد أن يضمن لمقربيه واصحاب الاحتكارات التجارية الذين يهمونه الا يتضرروا. وهكذا مثلا في بداية نيسان شرع البرلمان السوري قانونا يسمح باقامة شركة طيران سورية جديدة “جوهرة سورية”، تشغل طيارتين على خط دمشق – عمان. وستكون الشركة الجديدة شريكة لشركة الطيران السورية الوطنية، التي هي شركة حكومية، بحيث تكون محمية من القانون الجديد. ومن هو صاحب شركة الطيران الجديدة؟ رامي مخلوف.
ليست هذه هي المرة الاولى التي يقف فيها البرلمان السوري تحت تصرف مخلوف. فقبل أربع سنوات قرر رجل الاعمال “اقناع” شركة مرسيدس الالمانية بان تنقل اليه وكالتها التي كانت لدى عائلة عمر سنكر على مدى ثلاثين سنة. رفضت مرسيدس ترك وكيلها القديم، وشرع مخلوف بالحرب. ونال تشريعا في البرلمان حظر على شركة مرسيدس تصدير قطع غيار للسيارات الى سورية وذلك الى أن تنقل الوكالة الى مخلوف. مرسيدس لم تنكسر. وحسب تقارير رجال معارضة سوريين، تدخلت الحكومة الالمانية لحل الازمة. ومع ان سنكر لم يفقد الامتياز، ولكنه قرر مغادرة سورية وترك المصلحة التجارية لابنائه، بعد أن اجتاز سلسلة تنكيلات من جانب رجال مخلوف.
شركة كبرى أخرى، “اوراسكوم” المصرية فهمت هي ايضا مع من تتعامل بالطريقة الصعبة. قبل ست سنوات اقامت “اوراسكوم” شراكة تجارية مع شركة “سيرياتل” السورية، والتي هي ايضا بسيطرة مخلوف، وذلك لاقامة الشركة الخليوية السورية، التي يرغب مخلوف الان في بيعها.
في مقابلة مع صحيفة “الحياة”، روى في حينه مدير عام الشركة نجيب سواريس عن شروط الشراكة: المداخيل من السنة الاولى والتي كانت مثابة سنة تجربة، ستحصل عليها الحكومة السورية، رغم أن معظم النفقات تحملتها “اوراسكوم” المصرية. “دون القدرة، التكنولوجية والوسائل الخاصة بـ “اوراسكوم” ما كان للشريك السوري أن يفي شروط عطاء الحكومة”، شرح المدير العام. في السنة الاولى فقط نجحت الشركة المشتركة باستيعاب 110 الاف مشترك، وهو دخل لا بأس به للدولة السورية.
وسئل سواريس عدة مرات في المقابلة من هو الشريك السوري ولكنه تملص من الاجابة قائلا انه “شخصية معروفة جدا في سورية. ما كان لشركتي مفر غير الموافقة له”. واضاف بانه في الاتفاق تعهدت “اوراسكوم” باستثمار 50 في المائة في الشركة، مقابل 25 في المائة من الاسهم. كما تقرر في الاتفاق ان تحصل “اوراسكوم” على بدل ادارة متفق عليه، وان كل القرارات المالية ستتخذ بموافقة الطرفين.
بعد سنة، عندما جاء موعد قطف الثمار، قرر الشريك السوري السيطرة على الشركة واستولى على الحق الحصري للتوقيع على كل الحسابات والشيكات خلافا للاتفاق. الشريك السوري وضع امام سواريس امكانيتين: ان تستكمل فورا اجمالي رأس المال اللازم وايداعه في الحساب الذي سيكون تحت السيطرة السورية وحدها، فيما يراقبه المصريون من بعيد فقط؛ او الا يستكمل رأس المال، الامر الذي سيعتبر خرقا للاتفاق والانصراف من المشروع. وفضلت الشركة المصرية بالطبع الخيار الاول لانعدام البديل.
غير قلقين
وفي هذه الاثناء، سارعت الحكومة السورية الى تعيين شريكين لادارة الشركة من الجانب السوري. احدهما هو ايهاب مخلوف، شقيق رامي. هذه القضية اثارت في حينه ازمة في العلاقات بين سورية ومصر، حين تدخل الرئيس حسني مبارك نفسه لدى الرئيس بشار الاسد كي يحرص هذا على ان يتمسك مخلوف “الشريك السوري” بالاتفاق الاصلي. الاسد وعد في حينه بمعالجة الموضوع ولكن الضغوط الداخلية كانت أكبر. يوجد في مصر من يرون في هذه القضية العامل للضغينة العميقة والطويلة التي بين مبارك والاسد.
مؤخرا، قبل ان يقرر الرئيس الاميركي فرض العقوبات الجديدة على سورية، قرر مخلوف نقل جزء كبير من امواله لدولة اتحاد الامارات بل والتخلص من جزء من استثماراته. وفي المقابلات التي منحها بعد فرض العقوبات عليه قال انه ليس لديه على أي حال حسابات واملاك في الولايات المتحدة، بحيث ان لا معنى للعقوبات.
يبدو أيضا ان سورية غير قلقة على نحو خاص من هذه العقوبات. عندما تكون شركة تركية رائدة مستعدة لان تشتري اسهم مخلوف في الشركة الخليوية، والكويت تقيم شركة استثمارات مشتركة مع سورية باستثمار 200 مليون دولار، وشركة كويتية تكون شريكة لمخلوف في شركة طيرانه الجديدة، في اطار شركة “شام هولدينغ” برئاسة مخلوف، فان للاسد ولمخلوف على حد سواء لا يوجد في هذه الاثناء ما يقلقان به. من ينبغي أن يكون قلقا هم مواطنو سورية الذين يعانون من ارتفاع الاسعار بنحو 70 في المائة منذ السنة الماضية و 5ر1مليون عاطل عن العمل لا يمكنهم أن ينهوا الشهر.
ومع أن صحيفة “الوطن” السورية نشرت هذا الاسبوع كاريكاتير بدت فيه الحكومة تسحب المال من جيب المواطن الصغير الا ان ذات الحكومة تتحدث عن نمو اقتصادي بمعدل نحو 5ر6في المائة في السنة الماضية، خلافا لتقدير البنك الدولي الذي لم يبلغ فيه معدل النمو الا الى 5ر3 في المائة. ولا عجب في الفجوة في المعطيات، إذ ان صحيفة “الوطن” هي الاخرى بملكية مخلوف.
المصدر :الايام الفلسطينية عن هارتس /