ما يستطيعه سيادة الرئيس في خدمة دولة القانون
عبدالله الخليل
استوقفني احد زملائي المحامين من المنتمين الى حزب البعث ونصحني ان اجعل مطالبي في التغيير والغاء حالة الطوارىء والاحكام العرفية واطلاق الحريات العامة وتعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه، وحق المواطن بالمساواة امام القانون، مثل الغالبية المطلقة من دول العالم، جزءاً من وصيتي ولابني، علما ان ابني لا يزال في المرحلة الاعدادية. حسب الزميل عليه ان يدرس الحقوق ويمتهن المحاماة ويتقدم بهذه المطالب الى مثل هذا المؤتمر. الزميل يعتقد ان المطالب المذكورة لن تتحقق لا في جيلنا ولا في الجيل المقبل. اما اقتناعي الثابت فهي ان ما دون وجه الإله كله متغيّر، ونحن كمجتمع لا نختلف كثيرا عن بلاد الله الاخرى. جاء التقرير السياسي لمؤتمر نقابة المحامين متعلقا بالمحرقة الانسانية في غزة. ان كلمة محرقة قليلة على ما حصل ويحصل. ابناء جلدتها (غزة) من المحيط الهادر الى الخليج الثائر يتفرجون على الذبح، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وتحدث التقرير كذلك عن الوضع في العراق. اننا جميعا نعرب عن تثميننا العالي لهذا الموقف على ان الحديث عن التآمر الامبريالي الصهيوني لا يحول دون ضرورة التطرق الى الوضع الداخلي المعاشي للمحامين والناس وحال الزراعة واسعار المحروقات والجفاف وتردي الخدمات العامة وانتشار الفقر والفساد، وتدهور اهم مرفقين لأي دولة ولاستمرارها في الوجود:
المرفق الاول هو القضاء. ولن اضع نفسي في موضع الذي يشرح حال القضاء في سوريا فكلكم صاحب خبرة ودراية. وكلكم تعلمون كم تزداد نسبة النقاط السوداء على النقاط المضيئة في هذا السلك الذي هو مصدر رزقنا. اما المرفق الثاني فهو التعليم وايضا انتم تعلمون اكثر مني الحالة التي وصل اليها.
هذان المرفقان يتعلقان تعلقا مباشرا بعملنا كمحامين وبوجودنا وباستمرارية مجتمعنا ودولتنا وتطورهما نحو الامام. سأتناول القضاء واترك التعليم لأهله:
– منذ سنين ونحن نتحدث عن ضرورة التزام من دوائر الدولة بتنفيذ واحترام القرار القضائي. هذه السنة نتحدث عن بعض القضاة الذين لا يحترمون القرارات القضائية ويعملون بطرق علنية وسرية على عدم تنفيذها. لن اسمي لكم من يفعل ذلك ولكني امتلك وثائق خطية تؤيد كلامي ومستعد لمناقشة من يرغب من أية جهة حول هذا الموضوع. كما ان المساواة بين المواطنين من حيث تنفيذ القرارات القضائية لم تعد موجودة في بعض المفاصل القضائية (مثال الملفات التنفيذية بمواجهة مؤسسة إكثار البذار). لقد استقرت محكمة الاستئناف المدني الاولى على مبدأ إلقاء الحجز على اموال المؤسسة باعتبارها مؤسسة تجارية وربحية [لطفا ملاحظة موازنات هذه المؤسسة وارباحها السنوية وعلاقتها مع المزارعين والفلاحين من حيث هي علاقة تاجر بزبائن]. لقد فوجئنا منذ ايام عدة بتراجع هذه المحكمة عن قراراتها (عشرات القرارات نفذت بهذه الطريقة وتتضمن ملايين الليرات السورية وهي حق لمن قبضها). واستنادا الى هذا التراجع تعسف السيد رئيس التنفيذ واخترق القانون وعطل الاجراءات التنفيذية بحجة وجود استئناف على الرغم ان القانون والتعاميم والاجتهاد تقول ان الاستئناف لا يوقف التنفيذ. هذا الامر أضاع حقوق المتداعين وجعلها في مهب الريح وكأنه يقول للمنفذ عليه استرد مالك (وادفع او لا تدفع) بالطريقة التي تراها مناسبة تلك الحالة من البلبلة والقرارات المتضادة احد اسبابها تشكيل الهيئة من اربعة قضاة وهذا الامر في تقديري اثبت عدم صحته وفشله لذلك أدعو اصحاب القرار الى التراجع عنه واعادة تشكيل الهيئات وفقا للقانون اي من ثلاثة قضاة فقط.
– السيد وزير العدل المحترم، ما قيمة القرار القضائي بدون تنفيذ؟ اذا لم يكن القضاء ملجأنا لرفع عسف الادارة لمن نلجأ؟ هل هناك قانون جديد او اجتهاد يسمح لدوائر الدولة ان تعتدي على حقوق المواطنين وتصبح محمية من دفع التعويض؟ أليس من حق المواطن ان يطلب العدالة والمساواة مع غيره من المواطنين عندما تتطابق قضيته مع قضاياهم؟ أسئلة نطرحها على سيادتكم وما اوردناه هو نموذج لحالات تتكرر وليس حالة شاذة.
– الجرأة غير العادية في اختراق القانون من قبل بعض زملائنا القضاة وبتشجيع من بعض زملائنا المحامين ايضا، ادت الى تسريح عدد منهم من قبل وزارة العدل وهي خطة في الاتجاه الصحيح رغم وجود بعض المآخذ عليها (عدم حصولهم على محاكمة عادلة وعلنية). هذه الخطوة يجب ان ترافقها خطوة من نقابة المحامين اكثر فاعلية في الاتجاه نفسه.
سأعرض عدة نماذج:
– قضية هي واقعة تعذيب ثابتة داخل المحكمة. نتيجة الدعاوى نالت الشرطة عدم المسؤولية. القاضي حصن نفسه بقرار عدم المسؤولية ايضاً. المرأة التي عُذبت، تقام عليها الدعاوى وتحكم بالتعويض والسجن، بسبب تقديمها الشكوى. واقعة التعذيب ثابتة بأقوال كاتب المحكمة ورئيس الديوان وأقوال الشرطة وأقوال القاضي نفسه، السؤال: هل المطلوب اللجوء الى القضاء الدولي لرفع الضيم عن هذه الموكلة ومحاسبة من عذبها بعد ان استنفذت كل مراحل التقاضي داخل الوطن واصبحت هي المتهمة بسبب تقديمها الشكوى الى مراجعها القضائية المختصة؟
– القضية الثانية هناك عدد من الفلاحين يضعون يدهم على اراضٍ تقع على ضفاف النهر بشكل قانوني ومنذ عشرات السنين، تقف الى جانبهم جميع منظماتهم الفلاحية ويقف الى جانبهم فرع الحزب، وساندهم محافظ المدينة، الا ان واقع الحال يسير في اتجاه طردهم من الارض وتحويل الارض الزراعية الى مقلع بحص لمصلحة اصحاب النفوذ.
– النموذج الثالث: اصدر رئيس الجمهورية عدداً من قوانين العفو شملت عدداً من المعتقلين (الموقوفين سياسياً)، واستقر الاجتهاد على أن العفو ينزل بمنزلة البراءة. حاول هؤلاء اللجوء الى القضاء لكي يحصلوا على تعويضات عن فترة اعتقالهم وعلى رواتبهم وحقوقهم أثناء الاعتقال وبعده، وطلبوا إعادتهم الى العمل. حصل قسم من هؤلاء على قرارات قضائية في المرحلة الاولى الا ان هذه القرارات ألغيت جميعها وُردّت الدعاوى أي ان القضاء منحهم شهادة وفاة وهم على قيد الحياة. السؤال هو: كيف يعيش المواطن بدون عمل ودون راتب واذا كانت الادارة لم تقبل هؤلاء فهل القطاع الخاص سيكون أرحم من الدولة؟
تلك النماذج تدفعنا الى رفع مطالبنا:
1- استقلال القضاء وفصل السلطات وعدم التدخل بعمل القاضي.
2- دعوة رئيس الجمهورية لإصدار عفو عام يشمل جميع الموقوفين سياسياً سواء من صدرت بحقهم أحكام او لم تصدر، واخص بالذكر السيدة الدكتورة فداء حوراني وزميلنا المحامي أنور البني والمفكر ميشال كيلو. والى حين صدور مثل هذا العفو نطالب بالسماح لذوي المعتقلين في كل السجون بدءاً من صيدنايا الى عدرا الى الفروع الامنية الى السجون العادية بزيارتهم وتفقد أحوالهم وتزويدهم بمتطلبات الحياة لأن تلك الحقوق هي أبسط حقوق الانسان داخل السجن او المعتقل. وأخص بالذكر أبناء محافظتي الرقة القابعين في تلك السجون.
3- دعوة رئيس الجمهورية لما له من صلاحيات تشريعية لإلغاء القانون 49 لعام 1980 وعقوبة الاعدام أينما وجدت في القانون السوري. وإلغاء المرسوم 64 لعام 2008 المتضمن تحصين عناصر وضباط الشرطة. وتعديل المرسوم 49 لعام 2008 واعادة دراسته بما يتناسب وواقع الحال. إننا جميعنا مع المحافظة على أي ذرة من تراب البلاد ووحدته وان كان هناك من حالات خاصة تستوجب المعالجة فلتتم معالجتها بشكل يضمن حقوق الجميع. هذا الامر يجرنا ايضاً الى طلب إنهاء كل المظالم التي تطول جزءاً ليس بيسير من الاكراد السوريين، الذين هم جزء أصيل من مجتمعنا وشعبنا السوري. ونذكر خصوصاً ضرورة حل مسألة الجنسية وتحقيق الحقوق الثقافية واللغوية لهم، فالمصلحة الوطنية للسوريين جميعاً تتطلب ذلك.
4- المطالبة ببناء قصر عدل.
5- من الملاحظ ان قرارات المحاكم العسكرية كافة والمتعلقة بالمواطنين المدنيين المتهمين بقضايا سياسية، أصبحت أخف مما يصدر عن القضاء العادي، وكذلك تطبيق الاصول والتعامل مع المحامين. فهل يجب أن تحال كل هذه القضايا الى القضاء العسكري لكي لا تصدر أحكام قاسية؟ رغم اعتقادي ان القضاء العسكري لا يجوز أن يتولى أمور المدنيين في شؤون لا علاقة لها بالجيش.
6- أخيراً نسأل نقابتنا المركزية ماذا حل بقانون مهنة المحاماة الجديد والقانون الذي ينظم علاقة العاملين في نقابة المحامين من الموظفين والعمال؟
– الرقة
النهار