الإنفتاح على سوريا: المقاربتان الأميركية والعربية نديم قطيش
تبدو المقاربتان الإنفتاحيتان العربية والاميركية على سوريا مكملتين لبعضهما البعض لجهة الالتقاء عند هدف فصل سوريا عن ايران وهي النظرية التي اثيرت حولها كتابات لا حصر لها بين “مؤمنين” بها و”مؤمنين” بإستحالتها. غير ان ما يرجح كفة امكان حصول الفصل الاستراتيجي هو الواقع الشرق اوسطي الذي وصفته شخصية ديبلوماسية متابعة لملفات سورية عدة بأنه بات يتمتع بأربعة مراكز جاذبية بدل المركز الوحيد الذي ميّزه لعقود، اي الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وهي الى جانب هذا المركز الملف العراقي والبرنامج النووي الايراني والعلاقات اللبنانية – السورية. وفي هذا السياق يقول السفير الاميركي الاسبق الى اسرائيل ومدير مركز سابان في معهد بروكنغزالاميركي للابحاث مارتن إنديك لكاتب المقالة إن سوريا ليست الرهان الوحيد في المنطقة بالنسبة لإدارة اوباما بل هناك ايضا رهان فلسطيني وثالث إيراني وأنه “يتعين على السوريين ان لا يكفوا عن النظر من فوق اكتافهم لرؤية من قد يسبقهم الى التسوية”. وفي اشارة أخرى ينقل رئيس مركز الابحاث الاميركي البارز “مجلس العلاقات الخارجية” ريتشارد هاس في مقالة نشرها في مجلة “نيوزويك” عن مسؤولين سوريين كبار التقاهم في دمشق مؤخراً إستعداد سوريا لعقد إتفاقية سلام ثنائية مع اسرائيل في معزل عن المسار الفلسطيني. ويضيف الكاتب ان سوريا “تبدو” جاهزة للإبتعاد عن ايران وأن السوريين الذين التقاهم “بدوا” أكثر رغبة في بناء علاقات ثنائية مع العراق من البقاء على علاقات قريبة بالنظام الثيوقراطي الشيعي في ايران. وإذ يستعمل الكاتب كلمة “تبدو” فلأنه لا يريد ان يفصح عما إذا كانت هذه استنتاجات شخصية ام هي تماماً ما صرح به المسؤولون السوريون، وهي تدل ايضاً على ان المسؤولين في دمشق مرتبكون حيال هذا المطلب العربي والدولي، وحيال إدراكهم لحاجتهم الى الحركة بطريقة خلاقة بين المتناقضات التي تزداد وطأتها على نظام الاسد. فكما ترتبط العلاقات العربية – السورية والاميركية – السورية بتطور الموقف السوري من ايران كذلك هي عملية السلام بينهم وبين الاسرائيليين وهذا من العوامل التي استجدت على الاجندة السورية واربكت قوانين لعبة “اغراء السلام” التي دأبت سوريا على لعبها من دون الوصول جدياً الى إتفاق سلام.
فمن حيث المبدأ، ينظر طرفا التفاوض الى العملية السلمية نظرة لا يحكمها معيار موحد وهو المرتكز الاساس لنجاح اي مفاوضات. فسوريا وعلى لسان الدكتور أحمد سمير تقي، كبير مفاوضيها مع إسرائيل عبر تركيا، أوضحت انها تربط الانتقال الى التفاوض المباشر بموافقة تل أبيب علناً على مبدأ الارض مقابل السلام، فيما تعلن اسرائيل أن اي مفاوضات مع سوريا تجري وفق مبدأ الارض مقابل إعادة التموضع أي الارض مقابل الإنفكاك السوري عن إيران.
هذا الفارق بين مفهومي السلام وإعادة التموضع، كأفق لعملية التفاوض، هو من نتائج التحول النوعي الذي املاه الصعود الايراني خلال السنوات الست الماضية منذ الكشف عن البرنامج النووي لطهران عام 2002. فـ”السلام العربي الاسرائيلي” الذي إنطلق من مدريد قام على ارساء ثابتتين اساسيتين تضمنتهما روحية القراراين الدوليين 242 و 338: أولاً إنتزاع دولة فلسطينية في حدود العام 1967 وبالتالي القبول بدولة إسرائيل، وثانياً الاقرار بالسقف “الحدودي” للصراع مع اسرائيل وفق معادلة الارض مقابل السلام التي ترجمت للمرة الاولى بشكلها العملي في اتفاقية “كمب ديفيد” بين مصر واسرائيل. هذه الاطر هي ما اعيد التأكيد عليه بشكل شامل في المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002 واعيد تبنيها في قمة الرياض 2007.
أما صعود طهران النووية بقيادة الخط الشيعي المهدوي الداعي علناً الى إزالة إسرائيل من الوجود فقد اربك هذا الافق معيداً الامور الى سياق صراع وجودي مع “الكيان” الاسرائيلي، يقزّم فكرة السلام ودورها كإطار للتعايش بين اسرائيل والعرب، على الرغم من الاعطال التي يعاني منها هذا الاطار، لا سيما تعثر ولادة الدولة الفلسطينية.
هذه الخلفية هي التي باتت تحكم التلازم بين مسار السلام في المنطقة ومسار تثبيت المصالحات العربية ومسار استعادة سوريا الى حضن الشرعية العربية من جهة، ومسار بلورة استراتيجية مواجهة او ترويض لطهران وهو ما يتطلب من سوريا قرارات حاسمة لا سيما ان إحتمال الحرب “ليس أمراً مستبعداً على الاطلاق في المنطقة”.
تفكر القيادة السورية في كل هذه العناوين وتفكر ايضاً بمستقبل المحكمة الدولية التي انطلقت وباتت حرة من نيات التسوية حتى لو وجدت فلم يعد هناك من إمكانية عملية لوقف آلية القضاء وعجلة القدر. تفكر سوريا وتقلق… فهذا واقع محرج لسوريا وللراغبين في الانفتاح عليها. صحيح ان واشنطن والرياض حرصتا على الوضوح “العملي” في الفصل بين الاتصالات بدمشق وموقفهما الداعم مالياً وسياسياً للمحكمة الدولية لمعاقبة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الا انهما تدركان ان الفرصة المتاحة امام دمشق تربكها هذه المحكمة بالذات. بإختصار سوريا في وضع صعب والمنفتحون عليها أيضاً.
وإذ تستشعر طهران بدورها ما يدور في ذهن دمشق فهي لم تتردد في اسداء نصيحة نادرة في علنيتها لسوريا “بالحذرمن حيل الأعداء” خلال مؤتمرصحافي في طهران بين نائب الرئيس الايراني برويز داودي ورئيس الوزراء السوري ناجي العطري.
الحديث مع سوريا أداة وليس مكافأة كما كتب هاس والمقاربة حيال دمشق مختلفة لكن المصالح المطلوب تحقيقها ثابتة كما قال إنديك. هاتان خلاصتان على دمشق فهمهما بدقة وبعدها فقط يمكن الانصراف لقراءة مقالات عماد فوزي الشعيبي وأهازيج الإنتصار على جورج بوش.
(أجزاء من مقالة اطول)
( صحافي)