الخطأ مقاييسه ومعاييره سورياً ، من المسؤول؟
فلورنس غزلان
للخطأ أنواع ومواصفات وألوان، هناك الخطأ الحسابي المرتكب بحق حسابات وأرقام تتسبب بعجز اقتصادي، أو تستقطع مبالغاً وتنهب أموالاً لاتدخل في ميزانية الدولة ، بل ميزانية أفراد أو جماعات تمهد لنهبها بقوانين وتُدَّور وتغير من أجل الحصول والوصول ، أوالخطأ الاجتماعي الخارق لعرف وتقاليد أخلاقية جاءت من خلال تراكمات التجارب البشرية وعلاقاتها وانتظمت من خلال قوانين تم وضعها وتداولها مرت بمراحل تطوير وتغيير عبر التاريخ والحضارة الإنسانية، تختلف بين بيئة وأخرى …وهناك الخطأ السياسي، الذي يمكن أن تكون له نتائج وعواقب قاتلة …غالبا ما يرتكبها أشخاص أو ترتكبها أنظمة تقع ويلاتها على عاتق الشعوب وتدفع ثمنها من حرياتها العامة والخاصة أيضاً.ومعظم أنواع الخطأ تتداخل وتتشابك بشكل معقد يؤثر كلا منها بالآخر منعكساً على الأوضاع العامة.
الخطأ بحد ذاته جزء من حياة الأفراد ، وبدونه لا يمكن التصحيح للوصول إلى الصواب ، لكن المشكلة ليست في الخطأ الفردي ، إنما في استفحاله عندما يكون الفرد في موقع القرار أو عند جماعة تتحكم بمصير مجتمع بكامله، أو إدارة فاسدة تحول وتحور قوانين تعمل في خدمة مصالحها ضاربة عرض الحائط بمصالح المجتمع من حولها أفرادا وكتلا ، ثم كيف تعمل هذه الفئة الصغيرة القابعة في رأس الهرم والقابضة على لقمة العيش ولغة التعبير والكلمة الحرة على تغيير مقاييس الخطأ ومعاييره، المتعارف عليها عالمياً والموقع عليها ضمن هيئات ومؤتمرات عقدت بعد أحداث تاريخية هزت الكرة الأرضية وهددت حياة آلاف وملايين البشر، دعت إلى إصدار مواثيق وضعت لكل بلاد العالم وقياديها ومسؤولييها حدوداً عليهم مراعاتها كي لا يقع التمييز ولا ترتكب الأخطاء والجرائم بحق الإنسانية، لهذا نرى غالباً ما كنا نسمية واقعاً ومنطقاً أو ظرفاً محتوماً في زمن ما ، يمكن أن يكون خطأً اليوم بل جريمة نكراء، فالعبودية كانت قائمة وتمارسها أقوى الدول وتفرض شرائعها وتبيح لنفسها ارتكاب أبشع الجرائم ، لأنها ترى أن الشعوب عبارة عن أجناس مختلفة ودرجات يتحكم فيها الأقوى بالأضعف أو الأبيض بالأسود ، لكن زمن العبودية ولى وصدرت قوانين صارمة بحق من يرتكبها منذ عام ، 1865 ، وقد كلف إلغاء العبودية في أمريكا ــ على سبيل المثال ــ حربا دامت 200 عاما، وملايين الضحايا، رغم أن إلغاء العبودية لم يلغ التمييز العنصري، وظل المواطن الأمريكي الأسود يعاني من الاضطهاد والتمييز حتى قيض له الحراك على يد السيدة السوداء( روزا باكس)، التي رفضت التخلي لأبيض عن مقعدها في حافلة نقل عامة ــ فكانت الشرارة التي أطلقت حناجر ظلت صامتة سنينا طويلة، قادها رجل ثورة سلمية حركت المواطن المضطهد لينال حقه ويرغم المغتصب على الاعتراف بمساواته وإنسانيته معه، إنه ( مارتن لوثر كينغ) صاحب الخطبة الأعظم ” لدي حلم” وصاحب المسيرة السلمية الأكبر لتحقيق الحلم، واستطاعت مواقفه وتضحياته حتى بحياته، أن تؤدي لانتزاع قانون منع التمييز الصادر عام 1963 والذي ألحق بقانون يسمح للأسود بالانتخاب والتصويت عام 1965 ،كذلك الحال مع قانون الإعدام،فقد عملت الكثير من الدول المتحضرة على إلغائه ومازالت الكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية تعمل على إلغائه وتناضل ضد الدول العاملة به، فقد تمكنت 138 دولة حتى الآن من إلغاء قانون الإعدام في معظم الجرائم المرتكبة وبعضها احتفظ بالجرائم المتعلقة بالقتل، لكن هناك 59 دولة مازالت تحتفظ بحق القتل والموت بحجة الدفاع عن أمنها وحياة إنسانها وعلى رأسها ــ مع الأسف ـ دول كبرى مثل الصين والولايات المتحدة، وكيف لنا أن نغفل أن كل دولنا العربية تحتفظ لأنظمتها بحق الإعدام وممارسة القتل كعقوبة! ، علما أن السجن مدى الحياة أقسى وأعتى من الموت السريع وأكثر معاقبة لمرتكبي الجرائم الكبرى، وكوننا بشرا ولسنا آلهة فلا يحق لنا أن نمارس القتل حتى على قاتل، ومن نحن حتى نأخذ حياة إنسان؟ ــ كلي ثقة أن الأيام القادمة ستلغي لللأبد قوانين كهذه ــ .
القضايا الأكبر ، والتي نغفل أو نجبن عن التطرق إليها وتطال حياة شعوب بأكملها وتسمح لأنظمة مستبدة التحكم بمصير شعوبها وكأنها ملك شخصي أو عبودية تعود بحلة نظام غالبا ما يكون عسكري المنشأ وأيديولوجي الطابع يعتمد سياسة وحيدة الرؤيا ، ويمنع على الآخر أن يرى إلا من خلال رأسه وفكره النير!، هذا الأمر باعتقادي سيأتي عليه اليوم الذي يحدد لمثل هذه الأنظمة مساحة حقها ومساحة استفرادها بشعوبها وإعمالها سيف المنع والقطع والبتر بحقها دون حساب أو عقاب، وهاهي تباشير حية تلوح في الأفق أهمها ” المحكمة الدولية في لاهاي” والتي ستبت باغتيال رفيق الحريري، ثم مذكرة التوقيف بحق عمر البشير .
هذه المقدمة القصيرة تأخذنا بشكل محتوم نحو رؤية ما يسمى خطأ يرتكبه مواطن أو إدارة سوء بحق الوطن ويؤثر في إعاقة مسيرة وتطور الوطن، أو يسبب انعدام الأمان لحياة مواطنيه، وبكل تأكيد وجدت الدساتير والقوانين في كل دول العالم لحماية الوطن والمواطن، لكن بلدنا السوري يختلف في تطبيقه وتأويله لقوانين الدستور ومواده، ــ ناهيك عن عدم احترامه للقوانين الدولية وهزئه بها ــ بل يعمد النظام القائم إلى اعتماد الاستثناء أي” قانون الطواريء” في الحكم على من يرى أنه ارتكب ما يعاقب عليه وتقام المحاكم العسكرية لادانة هذا المواطن باعتباره متآمر على أمن وأمان المواطن وباعتبار الوطن في حالة حرب دائمة لا تتوقف منذ عام 1963 !!، وإن حاول تحريك الدعوات أمام قضاء عادي، فإنه يخلق مواد وقوانين عجزت كل مواثيق العالم ودساتيره عن الاتيان بشبيه لها، خاصة وأن قضاءنا يمنع تعيين قاضي قبل أن يأتي برخصة تفيد بأنه ابن الحزب القائد للدولة والمجتمع” حزب البعث” حسب المادة الثامنة من دستور عام 1973 المعدل على يد القائد الملهم حافظ الأسد!.وبهذا نضمن العدالة في المحاكم التي تحكم بأيد نزيهة أيديولوجياً! على كل من اتهم جورا أو بهتاناً بيد عدالة بعثية تضمن الحياد نحو النظام والموالاة له لا لغيره!، فالغير بعثي يعني أنه غير دستوري ومخالف وعليه تجب محاكمته وهو متهم قبل الادانة!…مايوصلنا للحال في كل المحافظات التي تئن ولا من مجيب وتصرخ ولا من سامع وتتلوى وما من دواء وتنوس وما من منير…وتموت ولا من مسعف..فما يراد لهؤلاء الفقراء هو الموت…وبهذا تتخلص البلاد من النقاقين وكثيري الغلبة والفقراء الذين يسيئون لسمعة البلاد ويشوهون صورتها عند الغرباء…المحاسب؟! …من يدري ربما ننتظر الرب ليحاسب!
أما النظام فلا يحاسب غير الخارجين على القانون مثل:ــ
حبيب صالح، ميشيل كيلو، أكرم البني، أنور البني ، فايز سارة، محمود عيسى، جبر الشوفي، أحمد طعمة، …ورياض سيف…وكوكب الجميع فداء حوراني! ..ربما هؤلاء هم المسؤولون عن تردي الأوضاع في المحافظات!، وهم من أوهن عزيمة الناس وجعلهم يهاجرون من مدنهم ومزارعهم ويلتحقون بأحزمة الفقر حول دمشق وحلب، ويبدو أن مقالة من مقالات ميشيل أو فايز أو علي العبدالله هي من أخاف الفلاحين فحزموا أمتعتهم نتيجة لأن عزيمتهم الحربية والقومية والوطنية وانتماءهم لأرضهم قد ضعف من مقالات هؤلاء!، فحزموا بطونهم الجائعة وعيونهم الدامعة وخوفهم ليس من الفاقة وإنما من مقالة لصحفي أو كاتب ربما لم يسمعوا باسمه ولم يقرأوا أو يعرفوا القراءة…لكن عزيمتهم انهارت وانتماءهم الوطني أصابه الهزال كأجسادهم، فالتحقوا بمدن الصفيح أكثر أمنا وملاذاً لهم من قراهم ومزارعهم!..لهذا اقتضى التنويه ومعاقبة المارقين موهنين عزيمة الفقراء وانتماء الضعفاء الوطني!، أما منعهم من ري أراضيهم…أما عدم ايجاد مشاريع لتنمية قراهم والحفاظ على زراعاتهم …فيعود سببه للمثقفين وكتاباتهم الموجهة لفقراء الأرض وفلاحيها!!
للعلم، هذا العام فقط هاجر من قرى الحسكة والقامشلي ما يعادل
ألف مزارع تاركين أرضهم وقراهم باحثين عن لقمة العيش، يعيشون بأكواخ من الصفيح وخيم من الخيش..لا تقي قرا ولاحراً…تركوا مزارع القطن ، لأن الدولة لم تعد تسمح لهم بزراعة وسقاية أرضهم..لشح المياه ولأنها تريد الحفاظ على الماء للشرب فقط!!.
ـ سأضع أمامكم عينة من محافظات القطر وما آلت إليه حالة انتشار الأمراض والأبوئة وتلوث البيئة وانعدام أي مشاريع لمعالجة القمامة وأكوامها الهائلة و لمجاري الصرف الصحي التي تصب في مجاري الأنهار فتلوث مياه الشرب كما لوثت المياه الجوفية…أحيلكم لاتساع رقعة الأخبار على صحيفة (تشرين )في زاوية” تشرين في أسبوع” وتحت يافطة ” البيئة”..كلكم يعلم أن صيحفة تشرين ، صحيفة سورية رسمية تنطق بلغة النظام، وما تأتي به غيض من فيض الحقيقة، لدرجة أن إحدى الصحفيات كتبت: …أن بعض رجال الأمن لاحقوها متسائلين عن المصادر التي تزودها بأخبار المحافظات ومعاناة أهلها، هذا مايهم رجال الأمن الساهرين على مصلحة البلاد والعباد!..وقد وردت فظائع عن معاناة كلا من: ــ حمص ومصنع الفوسفات وتكرير النفظ، وطرطوس والصرف الصحي الذي ينتهك الغابة والبحر ونهر الكبير الشمالي، وحلب وأكوام النفايات التي يعتاش ويقتات عليها عائلات تعيش حولها دون أن تعالج من قبل الدولة ، حيث تختلط نفايات المشافي بنقايات المنازل وحيث ينحل الزئبق والكبريت والرصاص بمياه الشرب ومياه الري في كل محافظات القطر دون استثناء..خاصة دمشق وحلب ومخلفات المصانع الكيماوية التي تصب في الأنهار فاتكة بصلاحية التربة للإنتاج…ناهيك عن إدلب والرقة ودير الزور التي تصب مجاري صرفها الصحي في نهر الفرات ،الذي يسقي البشر والضرع والزرع!، أما محافظات الساحل، اللاذقية وغيرها، فحدث ولا حرج ، درعا والسويداء حيث تصب مخلفات معاصر الزيتون في الأودية والأنهار ، وتنعدم معامل التكرير والمعالجة للنفايات التي تطمر فتصيب التربة بالتلف!.. لهذه الأسباب مجتمعة بالاضافة لانعدام التثقيف الصحي والوعي الاجتماعي وانعدام الخطط الانقاذية، فقد حازت سورية والأردن على أعلى نسبة بالإصابات السرطانية تضاهي العراق التي مرت بحروب وقنابل ودمار! …( أنصحكم العودة لصحيفة تشرين الرسمية).
من المسؤول؟ ومن الذي يجب أن يحاسب؟ من يقتل المواطن السوري ؟ ومن يسعى لقتل فقراء ومزارعي سورية وتهجيرهم؟ من الذي يجب أن يُعتقل ؟
وزارات البيئة والشؤون الاجتماعية والصحة لا علاقة لها بالموضوع!، السبب هوالمواطن الجاهل بالوعي الصحي! وهو المسؤول عن تردي حاله ..لأنه مواطن غير مثقف وواعي بما فيه الكفاية ليرعى عائلته ويحرص عليها صحيا وغذائياً!…من المسؤول عن ثقافته وتوعيته؟..لقد وعاه النظام بما فيه الكفاية وعَلَّمه كيف يصفق للقائد ويدعو للحزب وينتمي للعروبة ويدافع عن الممانعة والمقاومة! وهذا يعني أن عليه بالتالي أن يعرف أين يلقي بالقمامة؟ نعم!!..لا يوجد حاويات ولا تنظيم للصرف الصحي؟ ولا يوجد أبنية سكنية صالحة؟! ..لماذا يسكن هذا المواطن كيفما اتفق …انهم جاحدون …هؤلاء الفقراء لا يستحقون..لهذا فموتهم أرحم للبلد ولهم!…هم من يصاب بالمرض وهم من يجلب الأمراض للبلد، ثم هم من يشتكي ومن ينق ويخلق المشاكل السياسية ومن بين صفوفهم يخرج هؤلاء المطالبين بالتغيير، وهذا يعيدنا لدائرة مسؤولية مَن يوهن العزيمة ومَن يحاسب عنهم وعن الجميع…هؤلاء المثقفون والكتاب والناشطون…هم من يطالب بتغيير الحال…وكيف نغير الحال…؟ هناك الكثير من المثقفين راضين عن الحال والمآل يضعون الرأس في الرمال ويادار ما دخلك شر!…لماذا نرفع الصوت ونصبح بين ليلة وضحاها مع ميشيل وفداء؟!.
مرض سرطان أو مرض فَلَتان…الموت حق ولا مهرب منه ، ولن يصيبكم إلا ماكتب الله لكم!…إننا شعب مؤمن…مؤمن بماذا؟ بحتمية الموت..سرطان، أوبئة، تلوث، انعدام ماء وكهرباء،عودة لعصر أهل الكهف ، كله يقع في حقيبة الموت، المهم أن نتخلص من التكاثر! ، ثم إن الموارد الاقتصادية والمالية في طريقها للنفوق…نعم تنفق كما الحيوان…ولا ولن تعود لعهد الاكتفاء أو حد الكفاية، في الوقت نفسه لابد وتلاحظون أن نمواً وتكاثرا لنوع جديد من التطور والحداثة نتباهى بها أمام العالم، فقد افتتحت في العاصمة على سبيل المثال لا الحصر محلات تجارية راقية ذات أسعار خيالية ــ تصيب بالسكتة القلبية لو سمع بها أحد فلاحينا ــ ، تدخلها نساء يرتدين الفراء ويركبن سيارات لا وجود لها إلا في دول نفطية أو ” رأسمالية”…فنحن دولة إشتراكية !..سعر بنطال الجينز في هذه المحلات ” يعادل 25 ألف ليرة سورية فقط ” كنموذج لنوع البضاعة” ولكم تقدير البقية الباقية!
ــ من يشتريه؟! بالتأكيد ليسوا السياح الأجانب، لأنهم يحضرون بجينزاتهم الممزقة ليشاهدوا تاريخنا البائد فقط ويضحكون من حاضرنا المزري!…انهم أثرياء الاشتراكية الجدد…أبناء الطبقة الكادحة ذات يوم!…والذين لم يدخلوا حي الدحاديل ولا عش الورور ولا نهر عيشة…ولا يشربون المياه الملوثة…بل مياه ” ايفيان ” المستوردة خصيصا لهم من فرنسا! ولا يتعالجون في مشفى المجتهد والمواساة…
من سيحاسب هؤلاء على أساس” من أين لك هذا”؟
من المسؤول عن هذه الفروق الطبقية وهذه المآسي الإنسانية؟
هل هو ميشيل كيلو ومحمود عيسى وحبيب صالح وفداء حوراني وصحبهم؟
ومع هذا فقانون الطواريء مازال شابا لم يطرأ عليه الهرم ، ولو أن عمره 46 عاماً، رغم نداء منظمة هيومين رايتس والعفو الدولية لإلغائه والكف عن العمل به…لكنه خير صديق ومنقذ ومثبت لقواعد الكراسي في الحكومة الرشيدة!.
ـ باريس في 19/03/2009
خاص – صفحات سورية –