خطأ غير مقبول إن كان عن جهل أو تجاهل
فيصل الشيخ محمد
يوم السبت الماضي 21 آذار الحالي، أجرت قناة الجزيرة الفضائية لقاء مع السيد وزير الخارجية السوري وليد المعلم في برنامج (حوار مفتوح) الذي يديره الإذاعي اللامع غسان بن جدو.. ودار حوار البرنامج حول السياسة السورية الخارجية، والسلام الشامل الذي تريده سورية مع إسرائيل، وملف المصالحة العربية، وملف المصالحة الفلسطينية، والشأن اللبناني، والشأن العراقي، ومذكرة التوقيف الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير، والعلاقات السورية الأمريكية، ثم ختم لقاءه بالرد على سؤال السيد بن جدو حول موقف النظام السوري من مبادرة حركة الإخوان المسلمين بتعليق أنشطتها المعارضة أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وما لفت انتباهي في هذه المقابلة وأثار اهتمامي نقطتين – مع تقديري لكل النقاط الهامة التي دار الحوار حولها – النقطة الأولى: موقف سورية من الشأن اللبناني، حيث سمعنا ولأول مرة كلاماً رقيقاً ناعماً شفافاً، وخطاباً دبلوماسياً راقيا بالنسبة إلى خصوم النظام السوري في لبنان، وبالتحديد الموقف حيال زعيم تيار المستقبل النائب سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط أحد أهم رموز الرابع عشر من آذار وأعنف خصوم سورية في لبنان.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت سورية على استعداد للتعامل مع قادة 14 آذار وفي مقدمتهم سعد الحريري ووليد جنبلاط، قال المعلم: (قلب سورية كبير وما زال كبيراً وهو يكبر وعلى الحريري أن يطلب ليرى) لافتاً إلى أن سورية مستعدة (لعلاقات طبيعية مع كل قادة الشعب في لبنان).
وعن إمكانية اللقاء مع وليد جنبلاط قال المعلم: (على جنبلاط أن يقرر ماذا يريد ثم سنقرر)، مؤكداً أن سورية قلبها كبير (ولا ترد على كل الحملات الإعلامية).
هذه اللهجة الرقيقة والناعمة حيال الخصمين اللدودين سعد الحريري ووليد جنبلاط ملفتة للنظر، تدعو المراقب إلى التأمل، والمهتم إلى التفكير طويلاً، حول الدوافع التي جعلت الدبلوماسية السورية تغير لهجتها نحو خصومها الألداء في لبنان، ونحن هنا لا نريد أن نعلق على ذلك، تاركين الأمر لأصحاب الشأن في ذلك فهم اقدر على التعليق.
أما النقطة الثانية الجديرة بالتوقف عندها فهي رد وليد المعلم على موقف الحكومة السورية من تأكيد حركة الإخوان المسلمين، على أهمية الموقف السوري أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، وتعليقها لكل أنشطتها المعارضة حيال النظام ليصطف الجميع في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث قال المعلم، موجهاً خطابه لحركة الإخوان المسلمين مميزاً بين قادة الداخل والخارج، داعياً قادة الخارج إلى إعلان البراءة من العلاقة مع الجهات المعادية)، مشدداً على (ضرورة أن يكون الخلاف في الإطار الوطني السوري فقط).
ومع تفهمي للخطاب الناعم والرقيق للسيد الوزير حيال خصوم النظام السوري في لبنان (سعد الحريري ووليد جنبلاط) فإن رده حول موقف النظام السوري من جماعة الإخوان المسلمين، وقد علقت أنشطتها المعارضة تجاه النظام مع بداية العدوان الصهيوني على غزة، للوقوف صفاً واحداً في خندق المواجهة مع هذا العدو، لم يكن موفقاً وهو يميز بين قادة الإخوان في الداخل والخارج، طالباً من قادة الجماعة في الخارج البراءة من الجهات المعادية لسورية، في اتهام صريح لجماعة الإخوان المسلمين بعلاقتها بأعداء سورية، والجماعة – والمعلم لا يجهل ذلك – بريئة من أي علاقة بكل من يضمر لسورية العداء ظاهراً أو باطناً كبراءة الذئب من دم يوسف، والمعلم وهو يتجاهل هذه الحقيقة يضع نفسه في خانة الافتراء والاتهام بلا أي دليل أو بينة، وليس هذا مما يتناسب وموقع مهندس الدبلوماسية السورية وليد المعلم، الذي كنا نأمل أن يكون موقفه تجاه خطوة الجماعة الشجاعة في تعليق أنشطتها المعارضة تجاه النظام فرصة ليخطو خطوة متقدمة تجاه المعارضة التي رأس حربتها جماعة الإخوان المسلمين، تتناسب والحراك العربي الذي يهدف إلى التصالح والوفاق وتناسي الخلافات والخصومات للتصدي لما يحاك لهذه الأمة من أجندة ومخططات تريد استئصال العرب وتمزيق كياناتهم بغض النظر عن نوع الحكم أو لون النظام، فلا يعقل أن تتصالح الأنظمة فيما بينها، ولا تتصالح هذه الأنظمة مع شعوبها التي هي من تدفع الثمن عند وقوع المدلهمات والإحن، وكنت أتمنى لو كان قلب السيد الوزير وليد المعلم كبيراً تجاه أبناء سورية كما هو كبيراً تجاه خصومه في لبنان.
أما عن تشديد المعلم على (ضرورة أن يكون الخلاف في الإطار الوطني السوري فقط) يكون قد وضع الكرة في ملعب النظام الحاكم في سورية، لأن حركة الإخوان المسلمين لن تتردد للحظة واحدة في أن تكون جزءاً من النسيج الوطني السوري بكل أطيافه، سواء في الحكم أو في المعارضة، كما كانت كذلك لأجيال طويلة، وهي على استعداد لطي صفحة الماضي بكل جراحاته وعذاباته ومراراته أمام مصلحة الوطن، ودفعاً لتلاحم الشعب والجماهير في وحدة وطنية، لمواجهة ما تتعرض له سورية من مؤامرات وأخطار وتبييت عدوان، وهذا لا يتحقق إلا إذا قرر النظام الحاكم ذلك، وإذا كان فعلاً يريد وحدة وطنية تضم كل النسيج السوري بأطيافه وألوانه وأعراقه بلا إقصاء أحد أو إبعاد أحد، فسورية تتسع للجميع، وعلى النظام بداية طي الملف الإنساني الذي تئن تحت عذاباته ومراراته أجزاء كبيرة ومهمة من نسيج المجتمع السوري والتي تتلخص في الإجراءات التالية:
1- إلغاء القانون (49) لعام (1980) الذي يحكم على كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام.
2- الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين من أصحاب الرأي الآخر.
3- إيجاد حل عادل ومنصف للمفقودين في السجون والمعتقلات السورية.
4- إصدار عفو شامل يتيح للآلاف من المنفيين والمهجرين السوريين العودة الكريمة إلى الوطن بدون أي مساءلة أمنية.
5- إلغاء قانون الطوارئ.
وإذا ما أقدم النظام على فعل ذلك يكون قد أحسن الرد على مبادرة جماعة الإخوان المسلمين الشجاعة.