أما آن الأوان؟
حـسّـان رياض
لا شك أن الخلاف بين النظام السوري وجماعة الإخوان المسلمين السوريين هو الخلاف الوحيد الذي مازال مستمراً منذ سبعينيات القرن الماضي حتى الآن، بينما جميع الخلافات البينية الأخرى في المنطقة العربية ـ حتى الحرب الأهلية اللبنانية ـ قد وجدت طرقها إلى الحل وتجاوز مآسي الماضي وسلبياته. فهل هذا الخلاف عصي على الحل؟ وهل من مصلحة طرفيه الاستمرار فيه؟.
أعلن الإخوان مراراً وتكراراً تجاوزهم لمرحلة الصراع الذي فرض عليهم، بكل ما جرى فيه وما نتج عنه، وأكدوا أنهم جزء من شعبهم الذي يطالب بوطن ديمقراطي يحقق العدالة والمساواة والرفاه لكل فئاته ومكوناته. في بلد آمن ليس فيه أحكام عرفية ولا حالة طوارئ، ولا وصاية فيه لأحد على مؤسسات الدولة، يقوم على اقتصاد قوي بعد أن يتخلص من اخطبوط الفساد الذي تمدد فيه.
وسعت الجماعة من أجل ذلك إلى التعاون والتنسيق والتضامن مع كل تحرك شعبي ـ بغض النظر عن انتمائه الفكري ـ يهدف للخروج بالوطن إلى رحاب القرن الحادي والعشرين، حيث لم يبق مكان لأنظمة الحكم الشمولي، ولا لجعل التهديدات الخارجية ـ إن وجدت ـ عذراً لتأجيل الإصلاح، والانتقال إلى التعددية السياسية وتداول السلطة عبر نظام عصري للأحزاب، وتعديل كل ما ينافي ذلك في الدستور.
ولا نريد هنا أن نكرر هنا ما صدر عن الجماعة مما يؤكد ما سبق، ولا ذكر التحالفات التي ساهمت في قيامها من أجل انطلاق معارضة سياسية فاعلة تناضل من أجل التغيير المنشود.
أما بالنسبة للنظام الحاكم في دمشق فنادراً ما تصدر عنه إشارات عن الإخوان، وغالباً ما تكون هذه الإشارات سلبية. بل استمر في تطبيق القانون (49) على أولاد الإخوان وأحفاد لهم ولدوا في مهاجرهم، وحين رغبوا التعرف إلى بلدهم وشعبهم استقبلهم القانون الجائر. لكن الموضوعية تقتضي أن نذكر أن محكمة أمن الدولة كانت تخفف حكم الإعدام إلى السجن لمدة (12) عاماً، هي زهرة شبابهم يقضونها في زنازين الظلام، جزاء أملهم أن يخدموا وطنهم ويكونوا مع شعبهم.
وجاء بيان الإخوان السوريين بإعلانهم تعليق الأنشطة المعارضة خلال الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة، ليؤكد أن الجماعة تقدم المصالح العليا على المصالح الأدنى، وقضايا الأمة على القضايا القطرية. وللأسف كان استقبال النظام لهذه المبادرة الجريئة ـ التي تحمّلَ الإخوان بسببها الكثير، وتجاوزوا عن الأكثر ـ كان استقباله لها باهتاً، بل جاء متعسفاً كما ورد على لسان مهندس الدبلوماسية السورية وليد المعلم في مقابلته ضمن برنامج حوار مفتوح على قناة الجزيرة. ولا نريد هنا تفنيد ما قال السيد الوزير، لكن لابد من الإشارة إلى قضية مفصلية في طريقة تفكير أركان النظام السوري التي لا تتخيل أن يكون هناك معارضة وطنية، فإما متعاملون مع أعداء سورية، وإما منضوون تحت جناح النظام يسبحون بمآثره وانجازاته. وكأن سورية كوكب آخر غير العالم كله، وغير سورية قبل استلابها من البعث ومَنْ وراءه.
إن بعض الأنظمة العربية التي واجهت أحداثاً تشابه ما جرى في سورية وجدت أن الحوار هو السبيل لطي صفحات الماضي المؤلمة فحققت بذلك تصالحاً مع شعبها. أما بعض متنفذي الأجهزة في سورية فما زالوا يراهنون على الحل الأمني وإحياء نظرية الطابور الخامس، وإطلاق شائعات وتسريبات تهدف إلى البلبلة والتشكيك. ولهؤلاء نقول: إنكم تعملون خارج نطاق التاريخ الذي تجاوز أساليبكم. كما أننا كجماعة متنبهون لمحاولاتكم التي لن تلقى إلا الفشل الذريع. وإن جماعتنا، وهي تمد يدها لكل مخلص في الوطن، ـستبقى ـ رغم قلة الزاد ووعثاء السفرـ وفية لمبادئ إسلامنا العظيم، حريصة على إخوانها المصابرين، مخلصة لشعبها الوفي، مدافعة عن وطنها الحبيب.
{فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} الرعد: 17.. كما أخبرنا رب العالمين.
المركز الاعلامي لجماعة الخوان المسلمين في سورية