صفحات سورية

الإسلاميون أنصار الديكتاتورية

null
ثائر الناشف
حتى الأمس القريب ، ظلت سمة الديتكاتورية ، ملازمة للتيارات القومية وملاصقة لفكرهم ومنهجهم السياسي ، ولا تختلف ، بطبيعة الحال ، سماتها ، سواء أكانت ديكتاتورية عسكرية أو ديكتاتورية سياسية ، فهي تبقى في القول مثلما هي في الفعل ، لأن نتائجها الوخيمة على المجتمع تدل عليها وتكشف عنها في كل المراحل التي يمر بها أي مجتمع في العالم ، فما بالنا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، سيما وأن الدلائل والشواهد كثيرة على وجودها وتغلغلها في حياة أفراده ، ولا تحتاج إلى مجهر للوقوف عليها من الداخل .
لا شك أن الديتكاتورية التي كانت قائمة في العراق ، هي مزيج مركب من العشائرية والطائفية والقومية ، بحيث تداخلت سلطات الشيخ والإمام والزعيم مع بعضها ، فأنتجت جميعها ثقافة التسلط ، وفيما بعد جرى اختزالها والتعبير عنها بشخص صدام حسين ، ولا يختلف الأمر كثيراً في سورية ، التي تحتوي هي الأخرى على ذات المزيج وذات المركب الهجين .
لكن ما يدعو إلى الحيرة ، أنه وبرغم أن تجربة الإسلاميين في سورية كانت مريرة مع السلطة المتفردة ووصلت حد إقصاء الآخر وإلغاء وجوده بل وقهره ، كان الإسلاميون السوريون يبررون صراعهم مع النظام السوري في فترة الثمانيات ، لعدة أسباب أهمها ، ديكتاتورية النظام وإلغاءه لهم فرادى وجماعات ، فغدا الصراع بينهم وكأنه صراع بين دعاة الانعتاق ودعاة الانغلاق ،لكن الواقع غير ذلك إطلاقاً ، فهّم الاثنين وهوسهما يتجه نحو الاستيلاء على السلطة ، ومَن يحكم مَن أولاً وأخيراً ، وبالتالي لا معنى ولا قيمة فعلية لطروحات مَن يتدثر بعباءة العروبة وآخر يتلطى خلف الإسلام .
وليس الإسلام كدين ورسالة منعقدة ، مقصود به في معنى وحقيقة الديكتاتورية ، بل كأشخاص ، وقد يقول قائل ، إن أساس الديكتاتورية يكمن في أسها ، أي في الإسلام ، وهذا مجافياً للمنطق والحقيقة ، بحد ذاته ، لأنه عندما يُقرأ الإسلام ويُفهم من اليمين إلى اليسار سيؤدي إلى نتيجة تختلف عما هي عليه فيما لو قُرأ من اليسار إلى اليمين .
عندما يكون الإسلام ديناً خاصاً وخالصاً بين المخلوق وخالقه ، فالأمر يغدو حينها خارج عن سلطة الوصاية البشرية ، التي من أبرز سماتها الديكتاتورية ، أما عندما يتداخل الديني بالسياسي ، يبدأ التداخل بين ما هو أخلاقي ( الدين ) مع ما هو غير أخلاقي ( السياسة) وفي الغالب تتغلب السياسة بمنطق العقل والمصالح بكل أدرانها وعللها الدنيوية على الإيمان المركون في القلب .
ودليلنا الأكيد على ديكتاتورية الإسلاميين نسوقه هذه المرة ، ليس من بيان جماعة الإخوان المسلمين في سورية حول تعليق نشاطهم المعارض للنظام السوري الذي لا يزال يقصيهم بنفس الآلية التي يقصون بها بعضهم ، وكذلك الأمر ليس من موقف الإخوان في مصر واعتبارهم النظام السوري – الذي لم يحرك ساكناً جراء الغارات الإسرائيلية – بأنه النظام الأكثر دفاعاً عن القضية الفلسطينية ، إنما ما أدلى به الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ، من أن محاكمة الرئيس السوداني عمر البشير جزء من المشروع ” الصليبي” الذي يستهدف الأمة ، يجعلنا نضع علامة استفهام كبيرة ، هل يبرر ذلك الدفاع عن نظام يعتبره الإسلاميون كافر ومرتد ؟ .
أما الدليل الأكبر على أن الإسلاميين هم أنصار الديكتاتورية ، أن مجرد تفكيرهم بتعليق نشاطهم المعارض للنظام السوري ، مؤشر على تأييدهم لنظام لا يتعرف بهم ويستبد برفاقهم في السجون مثلما تستبد إسرائيل بإخوانهم في غزة التي هبوا لنجدتها تعاطفاً مع حماس ، كما أن انبهار إخوان مصر في مواقف النظام السوري أثناء الحرب على غزة التي لم تتعدَ مواقف الآخرين ، عرت حقيقة معارضتهم للدولة المصرية ، وأظهرتهم وكأنهم جزء من السياسة الدولية من خلال دعمهم لنظم أشد ديكتاتورية ، أما رفض الظواهري للعدالة ، فهو انحياز واضح باتجاه الديتكاتورية التي قتلت وشردت الملايين .
مَن يدعم ويساند الديكتاتورية اليوم ، فماذا يرتجى منه في الغد ؟.
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى