أكراد سورية وإضطهاد لا ينتهي
عود علي بدء ، تظل قضايا الأقليات في الدول ، وملف التعامل معها ، وصمة قبيحة في ملف تلك الإنظمة في علاقتها بإحترام حقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية التي وقعت عليها تلك الدول ، وهي العلاقة المهترئة بالإساس ، فكل الإتفاقيات التي وقعت عليها تلك الدول في مجال حقوق الإنسان جاءت بالأساس نتيجة لضغوط المجتمع الدولي أو محاولة لإرضاء الغرب لضمان إستمرار القروض والمعونات وجدولة الديون ، ولكنها لم تكن ابدا قناعة من تلك الأنظمة بحقوق الإنسان علي الإطلاق . والعلاقة بين تلك الأنظمة وشعوبها علاقة إحتكارية وعنيفة ، تحتكر فيها تلك الأنظمة مستقبل ملايين البشر وتوجهه ، وتحرمهم العيش في مجتمعات ديمقراطية وتعددية ، وتكون العلاقة أشد سوءا مع الأقليات داخل تلك الدول ، الموصومة دائما بإنها لا تنتمي لذلك الوطن ، وأن كل تحركاتها دفاعا عن حقوقها هي ناتجة عن تدخلات الخارج وزجه لتلك الأقليات في مواجهة تلك الأنظمة . والأقليات في المنطقة العربية يتراوحون بين أقليات دينية كالشيعة والبهائيين وأحيانا المسيحيين ، أو أقليات عرقية وأشهرهم الأكراد الذين يتعرضون علي مدار تاريخهم لإضطهاد سواء في العراق أو تركيا أو سوريا .
وتقودنا تلك المقدمة لما أبغي الكتابة عنه ، فقد ذكرت مدونة ” سورية الوعد ” نقلا عن لجان ” الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية ” أن السلطات قامت بحملة اعتقالات تعسفية بحق بعض المواطنين من الأكراد السوريين، بعد أن قمعت بالقوة احتجاجاً سلمياً نظموه تأبينا للضحايا الذين سقطوا أثناء أحداث القامشلي عام 2004. وأوضحت المنظمة في بيان لها ، أن السلطات السورية قمعت التجمع الذي جرى ظهر أول من أمس في جامعة حلب، حيث قامت الأجهزة الأمنية بتفريق الطلبة بالقوة والضرب، واعتقلت حوالي 12 منهم. و تعود جذور المشكلة الكردية في سورية إلى عام 1962، عندما صدر قانون الإحصاء الاستثنائي رقم (93 )، والذي بموجبه تم تجريد 120 ألف كردي من الجنسية السورية، وبالتالي فقدوا حقوق المواطنة، وفي عام 1966 تعرض 140 ألف كردي إلى التهجير من مناطقهم، وهي الإجراءات التي عرفت في ذلك الوقت باسم “الحزام العربي”، حيث حل محلهم مواطنون عرب، وشمل التهجير منطقة يصل طولها إلى 375 كلم، وعرضها حوالي 15 كلم، وقد طالت هذه الإجراءات 332 قرية كردية. ويشتكي الأكراد السوريون الذين يقدر عددهم بين 1.5 إلى 2 مليون نسمة، من عدم السماح لهم بتدريس لغتهم القومية، ومن تأسيس جمعيات ثقافية، أو إصدار كتب ومطبوعات باللغة الكردية. يذكر أن الأكراد في سورية أسسوا عام 1957 الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي يبدو أنه تأثر بظهور الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، الذي أسسه مصطفى البرزاني، ولكن الحزب السوري سرعان ما تعرض للانقسام في عام 1965، حيث ظهر إلى الوجود حزبان آخران، هما الحزب اليساري الكردي، والحزب الديمقراطي الكردي، وبعد مخاضات طويلة وعسيرة، اختلط فيها الأيديولوجي بالسياسي والعشائري، تبلورت الحركة القومية الكردية في سورية في تجمعين للأحزاب الكردية، هما التحالف الديمقراطي الكردي، الذي يتكون من خمسة أحزاب، والجبهة الديمقراطية الكردية، التي تتكون من أربعة أحزاب، بالإضافة إلى حزبين صغيرين من خارج التجمعين، كما أن لحزب العمال الكردستاني وجود في سورية، منذ أن كانت قيادة الحزب ممثلة في عبد الله أوجلان تقيم في سورية، قبل أن تجبر السلطات السورية على طرده من البلاد، تحت تهديد تركي باجتياح سورية.
والجدير بالذكر أن هذه الأيام من شهر مارس تشهد الذكري الخامسة للأحداث المأسوية التي تفجّرت في مدينة القامشلي أقصى شمال شرقي سورية ذات الغالبية الكردية- بتاريخ 12/3/2004 إثر مباراة كرة قدم بين فريق المدينة نفسها وفريق المحافظة المجاورة دير الزور، وراح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، والاعتقالات التي حدثت في صفوف الأكراد وتعرضهم للتعذيب الوحشي في الأقبية المظلمة، وما رافقها من هجمة إعلامية موجهة. وأودت المصادة التي وقعت وقتها بحياة ستة من العرب و 14 كرديا، ثم أرتفع عدد الضحايا ارتفع إلى 30 قتيلا كرديا وخمسة من العرب باستمرار المواجهات وأعمال الشغب وإنتشارها إحتجاجا علي العنف ضد الكرد في دائرة أخذت تتسع من مدينة القامشلي إلى مدن أخرى لتتحول إلى مواجهات بين أكراد وقوات الأمن السورية وبين هذه الأقلية وعشائر عربية سورية في منطقة الحسكة (520 كلم شمال شرق دمشق) عندما وقعت مواجهات أخرى في ذكرى مذبحة حلبجة ضد الأكراد العراقيين قبل 16 عاما . فيما نفت سوريا – وقتذاك – من خلال بيان صادر في 17 مارس عن سفارتها في باريس تلميحات بشأن بروز توترات عرقية داخلية وأنحت بالمسؤولية في أحداث العنف على «مثيري شغب» تحركهم دوافع سياسية . وأعقبت هذه الأحداث إندلاع المظاهرات الكردية في العديد من المحافظات السورية رافعة شعار ” بيجا بيجا كردستان ” ، الشعار الذي يعني “قولوا عاشت كردستان” والذي لفت وقتها بقوة إلى تصاعد ما يمكن اعتباره تناميا في “المشاعر الكردية” كمردود طبيعي للتطورات في أوضاع الأكراد السوريون الذين يعتبرون أن وجودهم وجودا تاريخيا وجغرافيا يشكل لهم حق المطالبة “بتقرير المصير”.وكان القاسم المشترك للتظاهرات التي عمت المدن السورية في المثلث السوري – العراقي التركي وجامعة دمشق ودمر انتهاء بمدن القامشلي والحسكة وعامودا والدرباسية، هو خيط المطالبة الواضحة “بحقوق كردية” تدعمها دعوة مبطنة – إستنادا للأوضاع الدولية وقتها – إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش بالتدخل بشكل أو بآخر من خلال شعاري “بافي آزاد” ومعناها “أبو الحرية”، و”البارحة بغداد واليوم دمشق”. منذ ذاك الوقت وأكراد سورية يحيون كل عام في نفس التاريخ – والذي يتزامن مع تاريخ عيد النيروز- ذكري أحداث القامشلي بإضاءة الشموع علي أرواح من قتلوا وعذبوا بقسوة نتاج تلك الأحداث . وعلي الجانب الأخر تواجه السلطة السورية بعنف بالغ كل محاولات إحياء ذكرى أحداث القامشلي ، وذلك ماحدث العام الماضي عندما إجتمع مجموعة من الشباب الكردي وأضاءوا الشموع بمدينة القامشلي إحتفالا بحلول عيد النيروز ، وكذلك إحياءا لذكري ضحايا أحداث القامشلي ، وقد احتكت بهم أجهزة الأمن السورية وتطور الأمر لإطلاق نار ، مما تسبب في مقتل ثلاثة شبان وإصابة عشرة أخرون . وتكرر الأمر هذا العام كما ذكرت سابقا في بداية المقال .
وقد أوضح الكاتب محي الدين عيسو علي موقع النداء – موقع إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي – أن أحداث القامشلي لم تكن وليدة لحظة، ولم تكن أحداث شغب داخل الملعب كما يجري في بعض المنافسات الرياضية بمعظم دول العالم، وإنما كانت نتيجة طبيعية لممارسات سلطوية تعود لأكثر من أربعين عاماً،عانى منها المجتمع السوري بأكمله، وتحديداً منذ استلام البعث للسلطة بالانقلاب العسكري في الثامن من آذار من العام 1963.ومنذ ذلك اليوم تعيش سوريا حالة الطوارئ(المؤقتة!) حتى يومنا هذا وما يعني من إلغاء القانون والدستور-على علاته- والانقضاض على مفهوم المواطنة و الدولة الحديثة التي تضمن لمواطنيها الكرامة الإنسانية والعيش المشترك والمساواة خصوصاً وأن المجتمع السوري يضمّ في مكوناته عرباً وكرداً وآشوريين وأرمن وسائر الأطياف والقوميات والأديان، وسياسة السلطة لا تنتج عملياً،للأسف، سوى ما يمزّق هذا التلاحم الوطني بغية ديمومة واستمرار حالة الطوارئ المفروضة على الشعب السوري منذ ذاك اليوم المشؤوم. ضاعف من ذلك شعور الكرد بالظلم والاضطهاد نتيجة للإجراءات الاستثنائية المطبقة بحقهم من تجريد من الجنسية السورية بموجب إحصاء جائر عام 1962 ( ضحاياه عددهم اليوم ربع مليون إنسان محروم من الجنسية السورية) ومشروع الحزام العربي عام 1973، وتعريب أسماء القرى والبلدات الكردية، وسائر الحقوق الثقافية والسياسية التي حرم منها مكون أساسي من مكونات الشعب السوري، وأيضاً تجاهل قوافل الشهداء الكرد في سبيل الاستقلال الوطني والمعارك مع إسرائيل، فكان الإنفجار الكبير انطلاقاً من شرارة صغيرة من ملعب رياضي. و كرد فعل على الممارسات السابقة الذكر وغيرها، هبّ الكرد في سائر أنحاء البلاد للتظاهر والاحتجاج ضدّ القتل بدم بارد من قبل من يفترض أن تكون مهمتهم حماية الوطن والمواطن لا قتل المواطنين وتعذيبهم داخل السجون .
ومن جانبها أعربت لجان الدفاع عن قلقها لهذه الممارسات “التي تنم عن إصرار السلطات السورية على استمرارها في ممارسة الانتهاكات للحريات الأساسية، بموجب حالة الطوارئ والأحكام العرفية المعلنة في البلاد منذ 1963 بحق ممارسة المواطنين لحقوقهم الأساسية في التجمع والتظاهر السلمي وحرية الرأي والتعبير، التي يكفلها الدستور السوري”، مشددة على ان هذه الاجراء يعبر “عن عدم الوفاء بالتزامات السلطة السورية بالاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي صادقت عليها دمشق”. وطالبت المنظمة الحقوقية السلطات السورية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الطلاب الموقوفين، ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية كافة، ووقف الاعتقال التعسفي والإفراج عن معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين كافة. ودعت الى اتخاذ الإجراءات اللازمة والعاجلة بما يكفل إلغاء أشكال التمييز كافة بحق المواطنين الأكراد، اضافة الى إصدار قانون للتجمع السلمي يجيز للمواطنين ممارسة حقهم بالتجمع والاجتماع السلميين، واتخاذ التدابير الكفيلة لتنقيح جميع التشريعات التي تحد من أنشطة منظمات حقوق الإنسان وممارسة نشاطها بحرية، وتعديل قانون الجمعيات بما يمكن مؤسسات المجتمع المدني من القيام بدورها بفاعلية. وطالبت لجان الدفاع السلطة السورية بما يلي :
1- ترك جميع الطلاب الموقوفين دون قيد أو شرط.
2- رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية المعلنة في البلاد منذ عام 1963، وإلغاء كافة القوانين والمحاكم الاستثنائية، ووقف الاعتقال التعسفي والإفراج عن كافة معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين .
3- اتخاذ الإجراءات اللازمة والعاجلة بما يكفل إلغاء كافة أشكال التمييز بحق المواطنين الأكراد ، وان تتيح لهم إمكانيات التمتع بثقافتهم واستخدام لغتهم وفقا للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والعهد الخاص بالحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية واتخاذ الإجراءات الفورية الفعالة للإلغاء نتائج إحصاء عام 1962 وتبعاته.
4- إصدار قانون للتجمع السلمي يجيز للمواطنين بممارسة حقهم بالتجمع والاجتماع السلميين.
5- اتخاذ التدابير الكفيلة لتنقيح جميع التشريعات التي تحد من أنشطة منظمات حقوق الإنسان وممارسة نشاطها بحرية،وتعديل قانون الجمعيات بما يمكن مؤسسات المجتمع المدني من القيام بدورها بفاعلية .
6- إقرار مبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية، المعنية بحقوق الإنسان التي وقعت وصادقت عليه الحكومة السورية ،على التشريعات الوطنية مع التنصيص على هذا المبدأ في الدستور السوري
7- إصدار قانون للأحزاب يجيز للمواطنين بممارسة حقهم بالمشاركة السياسية في إدارة شؤون البلاد .
8- اتخاذ التدابير اللازمة لضمان ممارسة حق التجمع السلمي ممارسة فعلية .
9- تعديل الدستور السوري بما ينسجم في المضمون مع مبادئ وقيم ومعايير حقوق الإنسان التي صادقت عليه الحكومة السورية .
10- تعديل مضمون القوانين والتشريعات السورية بما يتلاءم والمواثيق الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
11- تنفيذ التوصيات المقررة ضمن الهيئات التابعة لمعاهدات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية.
12- إنفاذ التزامات سورية الدولية بفعالية بموجب تصديقها على العهود والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسانى .
” كاتب “