صفحة جديدة في اختبار دمشق وسط المتغيّرات
روزانا بومنصف
في الاشهر الاولى التي تلت تسلم الرئيس السوري بشار الاسد السلطة في سوريا في تموز عام 2000 ادلى بحديث صحافي شامل ومتكامل عن بلاده والمنطقة وعلاقات سوريا بلبنان، تضمن ايجابيات كثيرة في شأن الجار الاصغر عززت يومها الآمال الكبار التي علقها اللبنانيون جميعا على وصول رئيس شاب الى الرئاسة في سوريا معتبرين انه سيغير طبيعة التعامل السوري مع لبنان ويؤدي الى احترام القيادة السورية الجديدة لسيادة لبنان واستقلاله. الآمال اللبنانية حينذاك كانت مماثلة للآمال التي يعلقها اللبنانيون اليوم على رئيس جديد لبلادهم وليس لبلد جار، وكذلك تلك الآمال التي يعلقها الرئيس السوري بالذات حاليا على وصول رئيس جديد شاب هو باراك اوباما الى رئاسة الولايات المتحدة الاميركية ونيته على ما اعلن وبدأ القيام به، اعتماد مقاربة مختلفة مع سوريا مغايرة لتلك التي اعتمدها سلفه جورج بوش. لكن الحديث الصحافي للرئيس السوري الذي لقي استحسانا كبيرا ذلك العام الى درجة انه طبع في كتيب وزع في بيروت على انه “المستند الوثيقة” الذي ستبنى عليه السياسة السورية في التعامل مع جارها الاصغر، والتي ستقلب الصفحة كليا بين البلدين، سرعان ما اختفى اي انعكاس او صدى ايجابي له وذلك من خلال تبني القيادة السورية الجديدة السياسة نفسها التي حكمت لبنان قبل وصول الاسد الابن.
الايجابية السورية النسبية راهنا قياسا بمواقف سابقة للرئيس السوري قبل وقت ليس ببعيد، مهمة في توقيتها مع تعيين سفير سوري في لبنان ترجمة للوعود الى فرنسا باقامة علاقات ديبلوماسية بين سوريا ولبنان، خصوصا انه مطلب اساسي من مطالب قوى 14 آذار، بمعنى المؤشرات الكبيرة الى الرغبة في فتح صفحة جديدة بين البلدين في المبدأ. لكن هذا لا يمنع الحذر اللبناني المستمر من مواقف سورية تتضمن الايجابية والسلبية على نحو متناقض ومتكامل تحت سقف واحد، خصوصا ان اعتبارات عدة تحتم ربما خطابا جديدا تغييريا في الظاهر في هذا التوقيت، على ما يرى كثيرون. ومن بينها على سبيل المثال: ارتباط الايجابية السورية حيال لبنان عموما وفي غالبية الملفات التي يلح المجتمع الدولي على سوريا للقيام بها ازاء لبنان – ومنها تعيين سفير سوري في لبنان، الى جانب ترسيم الحدود ومعالجة ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية – بتطور طبيعة علاقات هذا المجتمع مع سوريا واتاحة المجال امامها لاخذ دور وموقع اقليميين طمحت دمشق اليهما دوما. وليس ادل على ذلك من خطوة تعيين سفير التي حصلت بشق النفس وبعدما كادت فرنسا ان تيأس من ترجمة الالتزام الذي حصلت عليه من الرئيس السوري في تموز الماضي.
وهناك اعتبار آخر يرتبط برغبة القيادة السورية في اظهار استيعابها للاحداث التي ادت الى خروج قواتها العسكرية قسرا من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتجاوزها على عتبة انتخابات نيابية يهمها جدا ان يفوز حلفاؤها بالاكثرية فيها، مع الرغبة في تنفيس الموضوع السوري وطموحاته السياسية في لبنان من يد قوى 14 آذار لئلا يكون هذا الموضوع عاملا في اضعاف الفريق المسيحي الحليف لها في قوى 8 آذار من ضمن المناطق المسيحية، وذلك باعتبار انه يستمر موضوعا حساسا بالنسبة الى هذه المناطق، ويخشى ان تنعكس العلاقة التي نسجها العماد ميشال عون مع سوريا سلبا على موقعه كزعيم مسيحي فاز بالغالبية المسيحية في الانتخابات النيابية عام 2005، فضلا عن انها ترغب في توجيه رسالة طمأنة الى الخارج بانها لا تتدخل في الانتخابات النيابية في لبنان، في ظل حذر خارجي عام من سعيها الى استعادة زمام المبادرة سياسيا عبر فوز حلفائها في هذه الانتخابات لاثبات ان الغالبية اللبنانية لا تزال حليفة لها، على رغم كل المتغيرات ولاعتبارات اخرى ايضا.
تثير هذه المواقف التي تتسم بواقعية اكبر من السابق والتي لا يستبعد ان تجد صدى ايجابيا لها في المبدأ – خصوصا مع تعيين سفير سوري في لبنان لقي تشجيعا كبيرا ايضا لدى الدول المهتمة بلبنان – اسئلة كبيرة من نوع هل ان سوريا ستلتزم فعلا مستوى التعامل “بين دولة ودولة” كما استخلص الرئيس ميشال سليمان من خطوة تعيين سفير سوري للمرة الاولى في لبنان؟ وهل يقترن تقويم الاخطاء التي ارتكبتها السياسة السورية في لبنان وفق وصف الرئيس السوري تصحيح هذه الاخطاء والسعي الى صياغة او اعتماد سياسة جديدة مختلفة بعيدة من التدخل في الشؤون الداخلية للبنان؟ وما هي الافعال التي ستقوم بها سوريا حيال لبنان تكريسا لعهد انفتاح جديد، مطالبة به دمشق شأن ما تطالب هي واشنطن به وسواها من الدول الغربية راهنا على نحو خاص؟ ذلك ان العلاقة اللبنانية – السورية تحتاج، على ما يعرف كثيرون، الى اجراءات عملية تبني الثقة غير الموجودة اصلا بين البلدين، وخصوصا متى ترك للمحكمة الدولية بت جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وسائر الاغتيالات الاخرى التي تلت ذلك الاغتيال. فحتى الامس راجت شائعات مصدرها قريبون من دمشق عن المرحلة المقبلة، يتداولها ديبلوماسيون في بيروت وفحواها ان سوريا حسمت هذه المرحلة مع احدى الدول العربية المؤثرة على نحو يثير الشكوك في ما تشترط سوريا ترسيخه منذ الآن وقبل الانتخابات ونتائجها، الامر الذي يبقي الايجابية السورية في حدود تعيين سفير سوري للمرة الاولى في تاريخ العلاقات بين البلدين في انتظار خطوات اخرى.
النهار