عوامل قوة النظام السوري
سركيس نعوم
يميل اخصام النظام السوري الحاكم منذ نحو 39 سنة الى الاعتقاد ان نجاحه في الاستمرار طوال هذه المدة، رغم التحديات الكثيرة والكبيرة التي واجه، لا يعود فقط الى الكفايات المتنوعة لمؤسسه الرئيس (الراحل) حافظ الاسد وتمتعه بعقل استراتيجي وآخر “تكتيكي”، ولا الى نجاح التطورات الخطيرة التي مرت بها سوريا ولبنان والمنطقة بعد وفاته في اكساب خلفه ابنه الدكتور بشار الخبرة التي كانت تنقصه وفي اظهار كفاية وموهبة لديه لم تكونا بارزتين، بل يعود هذا النجاح في استمرار النظام المذكور أيضاً الى التقاء مصالح بينه وتالياً بين سوريا من جهة واسرائيل من جهة اخرى جعل الاخيرة حريصة على بقائه في الحكم رغم العداء المتبادل بينهما والحروب. ويعتقد هؤلاء ان التقاء المصالح هذا لم يكن عميقاً وواضحاً وقوياً منذ البداية. لكنه اصبح كذلك بعد سنوات طويلة من الخبرة التي اكتسبتها الدولتان من تعاطيهما اوضاع المنطقة وتطوراتها، وكذلك من رؤية مشتركة لهما، رغم عداوتهما، لكثير من القضايا التي اعتبرتا انها تشكل خطراً جدياً بل وجودياً عليهما. وابرز الاخطار في العقود الماضية كان الثورة الفلسطينية التي كان قرار اسرائيل التخلص منها وقرار سوريا احتواءها وحرمانها التمتع بالقرار المستقل اقتناعاً منها بان العمل السوري – الفلسطيني وتالياً العربي – الفلسطيني يتيح تحقيق تقدم ملحوظ على طريق استعادة حقوق الشعب الفلسطيني. وقد وفّر هذان القراران، رغم تناقضهما، ارضية مشتركة اذا جاز التعبير وخصوصاً بعدما تداخلت في الموضوع الفلسطيني قضايا لبنان وخلافات سوريا العربية وتحديات الداخل السوري وقضايا اخرى كثيرة غيرها، وسلك الموضوع الفلسطيني طريقاً مستقلة عقب خروج منظمة التحرير من لبنان عام 1982، وظهر موضوع آخر بل خطر آخر على سوريا النظام هو الاصولية الاسلامية التي حاولت منذ بداية ثمانينات القرن الماضي الاستيلاء على السلطة فيها، لكنها أخفقت لاعتبارات عدة وكانت اسرائيل مرتاحة الى فشلها لخوفها من نظام اسلامي اصولي على حدودها مع سوريا لا بد ان يشكل خطراً حقيقياً عليها، خلافاً لواقع الحال مع النظام “العلماني” الحاكم فيها الملتزم الصراع مع اسرائيل ولكن المتقيد في الوقت نفسه وحرفياً بالتزاماته الموقعة الاقليمية والدولية بما فيها تلك التي تضمن امن الحدود مع اسرائيل.
هل الاعتقاد المفصل اعلاه لأخصام سوريا الاسد بل لاعدائها في محله؟
انه في محله جزئياً، يقول متابعون محايدون للأوضاع في المنطقة وخصوصاً للدول العربية المهمة فيها ومنها سوريا واسرائيل، ذلك ان التقاء المصالح لا يستطيع ان ينكره احد. لكن هؤلاء يلفتون الى عامل آخر لا يقل اهمية في تمكين النظام السوري من الاستمرار رغم كل التحديات التي واجهته، علما ان هذا العامل لم يكن له دور فاعل في اضافة القوة والمنعة الى نظام الاسد منذ مدة طويلة جداً. اما العامل فهو العلاقة الجيدة جداً القائمة بين سوريا الاسد وتركيا اتاتورك والاسلاميين المتعايشتين منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة.
واما توقيت تحوّل هذه العلاقة نحو الجودة بعد سنوات من اعتبار سوريا ان تركيا اغتصبت جزءاً من ارضها واعتبار تركيا ان سوريا تتدخل في شؤونها برعاية أكرادها الانفصاليين، فكان يوم سلّم حافظ الاسد تركيا عبدالله اوج ألان زعيم الانفصاليين، وإن على نحو غير مباشر، بعدما تأكد انه ثبت لانقرة بالأدلة القاطعة وجوده و”جيشه” على اراضي بلاده، وانها اعدت نفسها للحرب مع سوريا بغية حل هذا الموضوع في صورة نهائية. منذ ذلك الوقت نمت علاقة قاربت لاحقاً التحالف لاسباب كثيرة منها “علمانية” النظامين. ومنها وجود تقارب واسع بين المكونات الشعبية للدولتين. الى التقاء المصالح وتبادل المنافع.
هل يشكل التقاء المصالح السورية – الاسرائيلية وشبه التحالف السوري – التركي السبب الوحيد لاستمرار النظام السوري او بالأحرى لقوته؟
انهما سببان اساسيان، يجيب المتابعون انفسهم. لكنهما ليسا وحيدين. فهناك سبب ثالث داخلي هو قوة النظام ونجاحه في قطع الطريق على اي محاولة للمس به. وعامل رابع اقليمي هو تحالفه مع الجمهورية الاسلامية الايرانية والمكاسب التي جناها منها وعززت قوته. وعامل خامس هو تعثّر السياسة الاميركية في المنطقة وخصوصاً اثناء ولايتي الرئيس جورج بوش الابن. وعامل سادس هو ضعف غالبية الدول العربية وانشغالها بنفسها وعدم استعدادها لـ”الدق” بالنظام السوري لأن ضربه قد يسقط النظام العربي كله، اي الانظمة الاخرى كلها او معظمها.
هل يعني ذلك ان نظام سوريا يستطيع ان يفعل كل ما يريد من دون ان يخشى خطراً جدّياً على نفسه؟
ان اقتناعاً كهذا يعتبره المتابعون اياهم غروراً. والغرور قاتل في رأيهم. ولذلك فانهم يستبعدون ان يصاب به النظام السوري فعلا رغم ظهور بعض اعراضه الخارجية عمداً ربما. فالرئيس حافظ الاسد نجح لأنه ابتعد عن الغرور وتصرف بواقعية احياناً كثيرة مع تمسّكه باهدافه الاكبر من بلاده. وتجلت واقعيته اكثر من مرة بنزوعه الى التسويات وخصوصاً مع الكبار في العالم وحتى مع الاعداء، وإن من دون اعلان.
ما هو اثر قوة نظام سوريا على لبنان؟
لبنان لا يريحه نظام سوري اصولي ولا نظام سوري ضعيف، لان عدم الاستقرار في سوريا ينتقل اليه سريعاً. وهو لم يستقر بعد.
ولبنان لا يفترض ان يخيفه نظام سوري قوي، اذا كان شعبه موحد الانتماء والولاء والاهداف.
النهار