صفحات ثقافية

كهنة» الرواية التقليديون في مواجهة الإبداعات الشابة

null
بيروت ـ ثناء عطوي
الرؤيا الجديدة لدى الروائيين السوريين موضوع الندوة الأدبية التي عُقدت في مسرح بابل في بيروت، برعاية مؤسسة «هنريش بل» الألمانية، ومشاركة ثلاثة روائيين سوريين هم: ديمة ونّوس وخليل صويلح وسمر يزبك، والروائي اللبناني حسن داوود، الذي مهَّد للندوة بمداخلة، قرأ فيها مضامين ثلاثة أعمال لكل روائي، وأبعاد الأمكنة والبشر في كل منها والتناول الدقيق للحياة الداخلية الدمشقية.
داوود اعتبر أن الروايات تُعبِّر عن القيم والقهر والفقر والاحتجاج الكامن في النفوس، وهي شهادات على الأحلام المحبطة المقهورة وعلى التفكك المكاني للعالم، وعلى أن جديدَ المدينة هو خرابُها، الذي يأتيها من هوامشها ومن داخلها معاً، وقال: «لا أعرفُ إن كان يجوزُ لي أن أجمع روايات ثلاث في تقديم واحد، لكن ما يغفر لي أن الروايات الثلاث نفسها، طلعت من ذلك المكان الواحد شاهدة على لحظة تحوله الأخيرة، وهي بالتالي صورٌ وسيرٌ عن الحياة في دمشق، التي ربما كانت نموذجاً محلياً لخواطر كثيرة عندنا نشهدُ على تحولها كل يوم».
فضاء ملتبس
الروائية سمر يزبك تحدثت عن مفهوم الجِدَّة في النص الروائي السوري، وقالت أنه «لا يقلُّ عن مفهوم التغيير والتجديد في الحياة، أو الاختلاف المُفترض الذي أجده معلقًا في فضاء ملتبس، بين طغيان المحظورات السياسية الخاصة بالمجتمع السوري، والجرأة الاجتماعية والدينية التي لا تتقبلها المجتمعات العربية المتنوعة، وأشارت إلى أن العالم العربي هو نسيجٌ غير متناغم، ويندرجُ تحت فروقات كبيرة في أنواع الاستبداد، إلا أنه يتفق في طغيان المحرمات بكل أشكالها الاجتماعية». وأكدت «أن اللُبس الحاصل حول مجابهة بين نص حديث وآخر قديم في الرواية السورية، هو أمر يدخل في باب اللُبس الآتي من مكان بعيد عن الفن، والذي ما زلنا نعانيه، وهو المحظور السياسي الذي استطاعت الرواية السورية الولوج فيه».
وتحدثت يزبك عن دور الروائيين السوريين من أجيال سابقة مثل هاني الراهب ونبيل سليمان وفواز حداد في التمهيد لخروج الرواية التقليدية، والتحرر من الرؤية العقائدية التي طغت على السرد، والاشتغال على المحظور الذي كان مرهوناً بطبيعة المرحلة السياسية، وهي جرأة ساهمت في خروج روايات مثل «القوقعة» لمصطفى خليفة أو «الشرنقة» لحسيبة عبد الرحمن. ولفتت إلى التجربة المختلفة في الرواية السورية التي قام بها خليل صويلح والتي عكست محاولة جادَّة في التكنيك الفني السردي. واعتبرت «أن كل هذه الأسماء التي لا تشكل جيلاً واحداً وتفصل بينها عقود، تصنعُ هويتها من مكاشفتها وجرأتها، وهي صنعت ما يشبه السؤال الجديد كونه يقدم مكاشفة للتاريخ السوري الحديث الذي وقع عليه التعتيم، وتقوم هذه التجارب بإعطاء مقترحات سردية تخالف في جوهرها النص التقليدي الذي درجت عليه الرواية السورية، وهي صفة يتشارك فيها الروائيون السوريون مع الروائيين العرب»، وشددت على ضرورة بذل جهد أكبر في البحث والسؤال لبلورة تيار روائي سوري جديد، معتبرة «أن الرهان الأساس يبقى على سبل تحويل التاريخ الذي نعيشُ فيه إلى فن، من دون الاضطرار إلى الصمت عما حدث حيث نعيش، ذلك أن جُلَّ ما نفعله هو الاستقواء بالكتابة على العيش داخل وخارج النص».
اتهام بالتخريب
الروائي خليل صويلح تحدث عن الكهنة الكبار من روائيي الجيل السابق الذين يسعون لإقصاء الروائيين الجدد علناً، ويتهمونهم بتخريب الرواية وهتك قداسة موضوعاتها، واقتحام المحرمات من أجل الشهرة، والترجمة إلى اللغات الأخرى والخفة واستعارة سرديات الآخر، والركاكة والتلصص، والكتابة عن الجنس بإيحاءات من سفارات أجنبية، وهي اتهامات في حقيقتها محاولة لإزاحة الروائيين الجدد من الواجهة، بعد أن انتبه هؤلاء الكهنة أو البرابرة، إلى أن البساط يُسحب من تحتهم، وأن نصوصهم لم تتمكن من مراودة اللحظة الراهنة كما ينبغي، بعد أن استهلكوا التاريخ القديم، وحقبة انقلابات وفساد السلطة، والبوليس السري، فأضافوا إلى نصوصهم الجديدة بعض المُشهيات مثل «الموبايل» والبريد الإلكتروني وأسماء شوارع حقيقية، فيما كانوا قبلا يلتقون تخييليا في مقهى «الوردة البيضاء» على سبيل المثال.
وتحدث صويلح عن الحملات والسهام التي تعرض لها على خلفية كتابته سيرة ذاتية في رواياته الأربع، وأشار إلى أن بعضهم ذهب في محاكمتي كمؤلف نيابة عما ترتكبه شخصياتي من حماقات غرامية وعلاقات عشوائية، ومحاولة تحطيم بنى السرد القائم، وكأن إعادة الاعتبار إلى ضمير المتكلم رغبة ممنوعة في رأيهم، أو كأن إعلاء شأن الذات منطقة محرمة في ظل ثقافة الجموع والزي الموحد، مشيراً إلى «أن الحديث عن رواية سورية جديدة، يعني هتك قانون الطوارئ وتجاوز الحدود من دون جواز سفر، علماً أن هناك من بدأ يعترف بوجود مثل هذه الرواية عربياً على الأقل، بدليل اهتمام دور النشر العربية بالرواية السورية الجديدة ، في حين أن الاعتراف بها محلياً هو نقدي وحسب».
إسراف لغوي
الروائية ديمة ونوس توقفت عند المعايير التي يميلُ إليها المثقفون السوريون والنقاد والقرَّاء أثناء تناولهم عملا أدبيا، وأكدت وجود عقلية عقائدية مسيطرة في الثقافة لدى معظمهم. ولفتت إلى ميل القراء إلى عمال المشغولة بنَفَس سياسي جريء، وتفضيلهم رواية «صلصال» مثلاً على «رائحة القرفة»، لأنهم لا ينظرون إلى الأولى كعمل أدبي متماسك. وأشارت إلى وجود «كُتَّاب حققوا شهرة لمجرد تطرقهم الى مواضيع حساسة، من دون أن يُعيروا أدنى اهتمام لتجديد البنية السردية للنص، كما أنهم لم يستغرقوا في موضوع اللغة، ولم يشتغلوا على المشهدية السردية، هم كتبوا فقط عن أمور تصعب الكتابة عنها، وهم في ذلك شجعان، لكن هل تصنعُ الشجاعةُ أدباً؟ أوليس الإيحاء أكثر جرأة في التعبير وإن كان لا يفوق المباشرة جرأة، إلا أنه ربما يفوقها حساسية وقدرة على التجديد والإبداع».
وتحدثت ونوس عن إشكالية أساسية تتمثل في عدم استساغة بعض النقاد والمثقفين السوريين للتجديد في اللغة، «فهم لديهم إسراف لغوي ويتهمون الآخرين بالتبسيط الاستعراضي، ويعتبرون أن هذا التجديد يمثل عودة إلى الوراء». وأكدت أنه «لا يمكن فصل الكاتب ككائن عن محيطه، كما أن الكتابة هي طريقة عيش للتعبير عن الإحباط والتهميش والخسارات، ولخلق حياة موازية حالمة، أنانية بعض الشيء لكنها تساعد على الاستمرار».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى