صفحات ثقافية

الكاتبة السورية سمر يزبك: النبذ والضعف هما محرك السرد

null
أنور بدر
دمشق ‘القدس العربي’ كيف نكتب؟ أو من أين تأتي الكتابة؟ هو السؤال الذي حاولت الكاتبة سمر يزبك أن تقودنا عبر جلسة ‘الاثنين الأدبي’ في معهد الدراسات الفرنسي بدمشق إلى امتلاك مفاتيح الإجابة عنه، لكن مساحة الحوار وحميمية البوح مع جمهور بدا بأغلبيته مطلعاً على هذه التجربة وعلى سياقاتها الاجتماعية والثقافية والنقدية، سارت بنا إلى ما هو أبعد من حدود السؤال.
وقد اعترفت الكاتبة منذ البداية بحالة الخجل التي اكتنفت طفولتها، الصعوبة في التواصل مع الآخرين، هذا الجرح أو تلك الإعاقة التي يعاني منها الكاتب ولا يراها الآخرون هي الدافع لفعل الكتابة، باعتبارها محاولة للتعبير عن الذات، بل لإعادة تشكيل تلك الذات والعالم المتخيل بطريقة جديدة.
تقول سمر يزبك: ان الكتابة هي العلاج الناجح للخوف من الآخر ومن العالم، ففي الكتابة أصنع عالماً أنا سيدته الحقيقية. عالماً أعيد ترتيب علاقات القوة فيه بنفسي، هل يشكل ذلك نوعاً من الثأر؟
وتضيف في محاولة لتأمل تجربتها الأولى:الآن أعرف لماذا جاءت القصص الأولى والرواية الأولى ‘طفلة السماء’ محاولة للقصاص من أنواع الظلم الواقعة على الذات، بوصفها ذاتاً تعاني من نقصها الشخصي أو نقص النوع ‘الأنوثة’، وإن شئنا الدقة فهو ما يعتبره الرجال نقصاً ويغذونه في نسائهن.
لكن في مرحلة تالية من الكتابة، بعدما استعادت الكاتبة ترتيب العالم وذاتها، كانت النظرة تتسع – كما تقول- لتشمل محاولة التعبير عمّا هو أبعد من الذات، عن علاقات المجتمع والسياسة، فكانت رواية ‘صلصال’، وكانت ثأراً جديداً، أو هي مواجهة جديدة مع أعراف السلطة والطائفة والعائلة، خاصة وأنها تتعرض لمسيرة شخصيتين امتهنا الحياة العسكرية، أحدهما انسحب منها بعد فترة، فيما استمر الآخر محاولاً الاستحواذ على السلطة، المال، النساء… وكل شيء. وربما بسبب ذلك تعرضت الرواية لقراءات سياسية وأيديولوجية بعضها وصل حدّ التشهير، دون أن تفقد هذه الرواية حظها من النقد الفني.
في روايتها الثالثة ‘رائحة القرفة’ غادرت الكاتبة حقل القضايا الكبرى، حاولت الدخول في عالمين متناقضين محكومين بعلاقة الاستغلال الإنساني، وأحد أشكال هذا الاستغلال هو الجنس، وهذا كافٍ ليشكل استفزازاً لحراس الأخلاق، الذين اختصروا الرواية على أنها عمل يتحدث عن علاقة مثلية بين سيدتين، وهذا خروج عن الأخلاق يأتي من كاتبة منبوذة أصلاً، منبوذة من قبل مؤسسات العائلة/ السلطة، وأنا لا أتحدث عن النبذ الاجتماعي والسياسي، بل أتحدث عن التهميش الذي آلت إليه الثقافة، عن نبذ نتعرض له حتى من الجيل السابق لنا في هم الكتابة.
في كتاب عبد الفتاح كيلوط ‘شرفة ابن رشد’ يقول فكرة لامعة: أن السرد سلاح الضعيف، والمنبوذ والضعيف وجهان لجوهر واحد، النبذ والضعف هما محركا السرد، وربما حركا الفن عموماً، فعلى مدى ألف ليلة وليلة كانت شهرزاد تسعى إلى الأمان والأمان لا يأتي إلا بتقبل الملك لها وتخليه عن نبذ جنس النساء، تلك العقدة التي نشأت بسبب خيانة زوجته الأولى له، لكن شهرزاد في الليلة الأولى بعد الألف تتوقف عن الحكي أو الكلام بعدما حصلت على القبول والأمان، لذلك نجد أن كل ذات مبدعة تسعى إلى دفء الانتماء والقبول تكتب نهايتها. من هنا تعتقد الكاتبة أنها لن تتوقف عن الكتابة إلا بالموت. فالكتابة هي فعل الحياة أيضاً، أو هي طريقة للعيش. بعد روايتها ‘رائحة القرفة’ جاء كتابها الأخير ‘جبل الزنابق’ لم تشأ أن تدخل في مماحكات الجنس الأدبي، لتسميه قصصاً أو رواية، واكتفت بإطلاق تعبير السرد عليه، وهي تعتبره من أهم كتبها. امرأة تحكي مناماتها، شكل جديد من الكتابة، لم يلفت انتباه حراس الأخلاق إليه، لأنهم لا يهتمون بالكتابة بذاتها، قدر ما يسعون إلى تهيئة الفضيحة، البحث عن سبب لنبذ الكاتبة، مع أنها أصلاً لم تكتب إلا بسبب ذلك النبذ، منحى لولبي صاعد، ولا تغلق الدائرة إلا في حالة المصالحة أو القبول التي تعني الموت أيضاً أو التوقف عن الكتابة والإبداع.
في منطقة أخرى من البوح اعترفت سمر يزبك أنها تضع مرآتها على المكتب أثناء الكتابة، تنظر في عينيها عبر المرآة باستمرار لتتأكد أنها هي التي تكتب، أحدق في المرآة باستمرار خوف أن تتسلل شخصياتي إليّ، أخاف أن تفاجئني هذه الشخصيات يوماً لأنها باتت تراني، وأنني يمكن أن أضيع في ثناياها.
أما بالنسبة لمسألة الأجيال الروائية في سورية، تعترف أن هناك كتابة جديدة وكتاباً جُدداً، لكن الكتابة الجديدة نجحت في طرح موضوعات جديدة في الرواية امتلكت جرأة سياسية واجتماعية على مستوى الطرح، لكنها لم تكتشف تقنيات جديدة في السرد، أو أنها لم تغير كثيراً على مستوى الشكل الفني، مع اعترافها بوجود محاولات تجريبية لم تشكل صياغات أو اتجاهات في الكتابة السردية، بل الاتجاه العام ما يزال في إطار السرد التقليدي.
وحول تجربتها في الكتابة تقول أنها محاولة لتشكيل ذاكرة للتاريخ المهمش، ذاكرة تناقض الرؤية السلطوية أو الرسمية للتاريخ والأحداث، ويؤكد الدكتور حسان عباس أن هذا الشكل من التعامل مع الذاكرة لم يكن محاولة للهروب منها ، بقدر ما جاء إثباتاً للضائع، للهامشي، هو فعل تحد للتاريخ الرسمي، وبرأيه يمثل هذا النمط من الكتابة تناقضاً مع نموذج شهرزاد التي كانت تحكي لإبعاد الموت أو للنسيان، بينما الكتابة الجديدة الآن تشتغل على تثبيت الذاكرة.
النقطة الثانية التي أثارت جدلاً تتعلق بأن الكتابة الجديدة والموضوعات الجديدة ستكتشف أساليب وطرائق فنية جديدة في التعبير كما قالت الروائية روزا ياسين حسن، وفي تجربة سمر يزبك والجيل الجديد نكتشف تشظي الثوابت واللغة، في رواية ‘صلصال’تشظ كتلي برأي الدكتور حسان عباس، بينما في ‘رائحة القرفة’ تشظ أعلى في مستوى الجملة واللغة والبنية ككل.

بيبلوغرافيا
سمر يزبك كاتبة وإعلامية سورية تعمل في مجال الصحافة والتلفزيون، من مواليد مدينة جبلة 18/8/1970 ، من أعمالها:
– باقة خريف. مجموعة قصص. دمشق دار الجندي 1999 .
– مفردات امرأة. مجموعة قصص. طبعة أولى، بيروت. دار الكنوز الأدبية.
طبعة ثانية، 2008 دار نينوى، دمشق.
– طفلة السماء. رواية. طبعة أولى. بيروت. دار الكنوز الأدبية 2002. طبعة ثانية. دمشق دار نينوى 2007.
– صلصال. رواية. طبعة أولى. بيروت دار الكنوز الأدبية. 2005.
طبعة ثانية: القاهرة دار شرقيات 2005
طبعة ثالثة: دمشق دار نينوى 2007
طبعة رابعة: الدار العربية للعلوم بيروت 2008
– رائحة القرفة. رواية. دار الآداب بيروت 2008
– كتاب عن حياة الكاتبة السورية غادة السمان، صادر عن دمشق عاصمة ثقافية بعنوان: ‘غادة السمان: المهنة كاتبة متمردة’.
– كتاب بعنوان ‘جبل الزنابق’ صادر عن دار المدى للنشر والتوزيع.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى