مسيرة شموع «معارضة» إلى بيت أبي خليل القباني
دمشق ــ سامر إسماعيل
«ولما عرف الشيخ سعيد الغبرا أنّ السلطان عبد الحميد سيصلي الجمعة في جامع أيا صوفيا انتظر موكبه هناك، وما إن هلّ الموكب حتى صاح الغبرا بأعلى صوته: أدركنا يا أمير المؤمنين، فإن الفسق والفجور قد تفشّيا في الشام، فهُتِكت الأعراض وماتت الفضيلة، واختلطت النساء بالرجال، فجاء أمر السلطان بإغلاق مسرح القباني، وما كاد الخبر أن يصل حتى هاجم بعض من العامة مسرح القباني، فأحرقوه…».
مثقفون ومسرحيون سوريون سيحملون غداً شموعاً ويتوجّهون إلى بيت أبو خليل القباني (1833 ــ 1903) في حي كيوان في دمشق. رائد المسرح العربي توفّي بالطاعون، بعد مكابدات في المنافي وحرق مسرحه في دمشق، إثر صدور فرمان من السلطان العثماني بإغلاقه.
وبعيداً عن البرنامج الرسمي الذي أعدته مديرية المسارح والموسيقى، آثر بعضهم حمل الشموع إلى بيت القباني، بعد إهمال منزل أحد أهم رواد النهضة العربية مطلع القرن العشرين. التظاهرة المتواضعة التي تنظّمها جهات أهلية سورية، أقرب إلى احتجاج صامت يطالب بحفظ بيت القباني وتحويله إلى فضاء مسرحي، وستتخلّلها كلمة للباحث نصر الدين البحرة عما كابده القباني في حياته.
كأن البرجوازية التي برزت في الخمسينيات في سوريا، تستردّ دورها، خصوصاً أن رئيسة «جمعية النهضة الفنية للمسرح والموسيقى» رجاء بنوت (الجهة المنظمة للتظاهرة) أقامت أخيراً العديد من التظاهرات الفنية؛ فيما العديد من تجّار دمشق وأعيانها أيّام القبّاني، وقفوا ضدّ مسرحيّته «أبو حسن المغفل» التي يتهكّم فيها على تصرفات البرجوازية السورية آنذاك.
اليوم اختلف الأمر في دمشق. إنّها لحظة المصالحة. وها هو المثقّف النقدي يتعاون مع المؤسسات الساعية إلى رعاية الثقافة في سوريا وتمويلها. هناك شركات تسعى إلى تمويل مشاريع ثقافية. وتسعى شركات أخرى إلى دعم تجارب شابة على مسارح العاصمة، آخرها عرض «تيامو» للمخرجة رغدا شعراني التي تميّز عملها بالتجريب والجرأة الاجتماعية. هذا يعيدنا إلى حيلة الغناء ورقص السماح والمساخر الضاحكة التي كان يكتبها القباني لاجتذاب الجمهور إلى «مسرحه» في «خان الجمرك»، قبل إحراقه.
اليوم إذاً يتجمّع المبدعون أمام البيت الصيفي لرائد المسرح السوري، فيما اكتفت مديرية المسارح ببرنامج رسمي للمناسبة (اليوم العالمي للمسرح)، من حواضر العروض التي قدمت الموسم الماضي. كل ذلك يعطي نكهة أخرى لشموع «المعارضين المسرحيين»، في احتفالهم البعيد عن الاستعراضيّة البروتوكوليّة التي تنشغل فيها معظم عروض المسرح القومي: بدايةً من الورود المفروشة أمام بابي مسرحي الحمراء والقباني في دمشق، وصولاً إلى ظاهرة المؤتمرات الصحافية التي تقيمها المديرية بسبب ومن دونه.