ياحبيبي… كل شيءٍ بقضاء
بدرالدين حسن قربي
اعتقال الكاتب السوري حبيب صالح قرابة ست سنوات بالمفرق والقطاعي تحت مظلة حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد، كان يثير دوماً استياءً واعتراضاً عند كثير من المعارضين والناشطين في قضايا حقوق الإنسان باعتبار أن ماقاله أو كتبه حبيب يندرج تحت إطار حرية التعبير والرأي، الأمر الذي كفله الدستور السوري في النصوص، وأكدت عليه المواثيق والاتفاقيات الدولية والتي كانت سورية طرفا فيها.
كتب وطالب حبيب صالح بدولة المؤسسات التي لايتصنم فيها رمز، ولا يستنسخ فيها فرعون، ولا يعبد فيها أمين عام. فعندما طالب الناس بالتعددية وإلغاء حالة الطوارئ وتطبيق الدستور، قال لهم: فروع المخابرات أيها السادة هي أرقى صيغ التعددية، إنها الأجهزة فتشوا عنها، اكتشفوها في طعامكم وفراشكم وصلواتكم، استمعوا إلى تردداتها على اقنية التلفاز وموجات الأثير، إقرؤوا افتتاحياتها في صفحات الجرائد القومية على تعدديتها واقتبسوا إلهاماتها في معلقات الجبهة الوطنية رهان الحاكمين على التعددية السياسية وإعادة البناء الداخلي واستقطاب الجماهير.
إن من أعلنوا حالة الطوارئ انتهت بهم إلى ” تحرير ” الوثائق والمعاهدات والدساتير التي حولت الوطن إلى ملكية عقارية يرثونها هم وأبناؤهم من بعدهم؟ وحولت الجولان إلى مقر ومستقر للمستوطنين، ينتجون ويصدرون منه تفاحاً وعنباً وخمراً.
لماذا نطرح دساتير ولانطبقها بل نقوم بتعديلها متى شاءت المخابرات، أليست هذه هي سيرة قريش عندما كانت تصنع الآلهة من تمور الجزيرة العربية في الصيف، لتعود وتأكلها في الشتاء. إذا كان الدستور ينص على براءة المتهمين حتى يدانوا !فلماذا يدان المتهمون أولاً ثم يحاكمون…!! حاكَموا فقراء الوطن بتهمة العداء للإشتراكية واحباط مشاعر الأمة، وهم اليوم يفعلون أي شيء لدخول اقتصاد السوق ليستثمروا ما جناه العمر من عرق الجبين ومكرمات الإشتراكية.
وعندما تحدث الناس عن التعتير والمرمرطة والبهدلة التي يعيشها المواطن المسحوق والمطحون تساءل: هل ينعم السوريون في دمشق وحلب وطرطوس بالسلام والإطمئنان ورغد العيش، مثلما ينعم المستوطنون في الجولان؟. أنا أحسد المستوطنين لا لإنني أقبل أن يقع جزء من بلادي تحت الإحتلال بل لإن المستوطنين في الجولان كانوا وظلوا هم الفصيل الذي يعيش على أرض سورية دون أن تحكمهم قوانين الطوارئ ودون أن يطالهم قانون المطبوعات أو يصل إليهم زوار الفجر. أنا شخصياً أحسد المستوطنين لإنهم حولوا الجولان إلى جنة عدن تجري من فوقها وتحتها ومن بينها الأنهار، بينما ظل الجانب الآخر من الجولان “المحرر من قبل الرفيق كيسينجر” منطقة قاحلة من الوطن لا يسمح بنشوء الحياة فوقها سواء أكانت حياة سياسية أو حياة تفاعل وتواصل ثقافية اقتصادية اجتماعية.
اعتقال الكاتب والناشط والمعارض حبيب صالح للمرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة من عام 1982 وحتى 2001 أمضى فيها قرابة ستٍ من السنين سجناً ومعاناةً وقهراً بالمفرق والقطاعي ودون سبب يذكر، يكون فيه تهمة وعرض على القضاء، بمعنى أن اعتقاله كان يتم بالأمل وعلى الأمل بالسير في ركب الناس إياهم ولعله يفهم وينعدل بعدلهم. أما في الاعتقال الخامس لهذا الناشط والكاتب المعترس والمتمترس خلف الدستور والحريات والقضاء أحالوه إلى القضاء ملاحظةً لاحتجاج المنظمات الحقوقية وإعمالاً للقضاء باعتبار كل شيء بقضاء، وإمضاءً لكلام أن ليس عندنا معتقلي رأي بل عصاة ومتمردون على القانون، وعدتهم في ذلك جاهزة ومجهزة من أجهزة أمن تعتقل، ومدعي عام يتهم، وقاضي يحكم وإعلام يؤكد سلامة الإجراءات، ومثقفون وقادة أحزاب وثوريون إسلاميون وعلمانيون وليبراليون ومشايخ يباركون مايجري دعماً للمقاومة والممانعة ولمنازلة أعداء الله والأمة، فسجنوه ثلاثة سنين.
وللمرة السادسة أعيد اعتقاله في أيار/مايو 2008 بعد ثمانية أشهر من إطلاق سراحه الخامس ومنذ أسبوع صدر الحكم عليه من المحكمة الجنائية السورية ( وليس الدولية) بالسجن ثلاث سنوات بتهم نشر أنباء كاذبة تضعف الشعور القومي وتوهن نفسية الأمة، وتوقظ النعرات العنصرية والمذهبية وذلك في زمن الحرب علماً أن المحكمة برأته من تهم الذم والإساءة لرئيس الجمهورية و تسليح المواطنين أو حملهم على التسلح التي وجهها إليه أوكامبو التي لايعرف أحد من أين جاء بهذه التهم.
حكمة المحاكمة الأخيرة مفادها أن ماقاله حبيب صالح لاتثريب عليه في غير زمن الحرب، أما وقد قال ماقال، والبلاد في زمن حرب بدأت مع إعلان حالة الطوارئ ومازالت قائمة، فإنه مؤاخذ بهمساته وسكناته وشخيره وتتفسه.
محاكمة كاتبنا وناشطنا وغيره من المعارضين أكدت أن الحرب السورية التي بدأ زمنها منذ خمسة واربعين عاماً هي من أطول الحروب في التاريخ التي عرفنا مبتداها ولا نعرف منتهاها، وشعارها كل شيء بقضاء، كما تؤكد أن أمثال هذه المحاكم والأحكام لهي من أكبر أشكال الاستدعاء وفتح الأبواب لدخول وتدخل المتآمرين والحاقدين والطامعين في شؤوننا والعياذ بالله بعد أن تعمل عملها في توهين البلد وتحطيم نفسية الناس وإضعافها. نفسية الأمة تنهار بالظلم والقهر والقمع والفساد والاستبداد، وتقوى بالحريات والعدالة والديمقراطية وبالأحباب الصالحين.
خاص – صفحات سورية –