دكتور شحرور هل يكفينا ” تجفيف منابع الإرهاب “؟
بقلم أبي حسن
عنوان الكتاب يشي بمضمونه “تجفيف منابع الإرهاب”، لصاحبه المفكر المعروف ذي القراءات المعاصرة للإسلام الدكتور محمد شحرور الذي يتصدى لتجفيف منابع الإرهاب من جهة تسليمه(مرة أخرى كما يشي العنوان) بأن منابع الإرهاب كائنة في الثقافة الإسلامية المتوارثة جيلاً إثر جيل.
بداية أعترف أني وجدت صعوبة بالغة أثناء كتابتي هذه عن الكتاب، إذ لم يكن من السهل عليّ أن أتابع مع الدكتور شحرور ركام قرابة الأربعة عشر قرناً وهو يتجول من خلالها بين المذهبين السني بفروعه الأربعة والشيعي الجعفري، لذا لن أتردد في القول إن قراءتي هذه مبتسرة جداً.
من جانب آخر، من المهم التوضيح للقارئ أن الدكتور شحرور لا يعترف بالترادف في اللغة مطلقاً، وانطلاقاً من قناعته الراسخة تلك دشن مشروعه الفكري الذي كان قد بدأه أوائل تسعينات القرن الماضي بكتابه الصاعق “الكتاب والقرآن“.
وكمثال بسيط على نفي الدكتور شحرور للترادف، نأخذ تمييزه بين فعلي “رهب” و”رعب”، وذلك في معرض حديثه عن الإرهاب وعلاقته بالإسلام في الكتاب الذي بين أيدينا، لنجد أن مصطلح الإرهاب الشائع حالياً في العالم، والذي هو ترجمة كلمة “Terror” بالانكليزية له وجود في التنزيل الحكيم، لكن ليس بالمعنى الذي يقصده الغرب، ومن هنا أتى تمييزه بين الإرهاب والإرعاب.
ففي فعل رهب: تقول رهبت الشيء رُهباً ورَهباً ورهبة. والترهّب: التعبّد. ومن الباب الإرهاب، وهو من قَدْع الإبل من الحوض(ابن فارس ج2 ص447). أما فعل رعب: وله أصول ثلاثة صحيحة: الخوف ومنه الرُّعب، والثاني الملء كقولهم: سيل راعب، إذا ملأ الوادي، والقطع كقولهم للشيء المقَطّع: مُرَعَّب. (ابن فارس ج2 ص409).
وإذا استعرضنا آيات التنزيل نرى أن فعل (رهب) ورد مع مشتقاته(12) مرة، وفي كل الآيات التي ورد فيها لا يوجد قتال ولا قتل، وأمثلة ذلك قوله تعالى: (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإيّاي فارهبُون) النحل51. (قال ألقوا فلمّا ألقوا سحروا أعين النّاس واستَرهبُوهُم وجاؤوا بسحر عظيم) الاعراف116.
وكما هو ملاحظ من الآيتين سابقتي الذكر، وكتصديق لرؤية شحرور، لا يوجد أي معنى للقتال أو الحرب، وقل الأمر ذاته في قوله تعالى: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رَغَباً ورَهَباً) الانبياء90، أو قوله: (اتّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله) التوبة31، فالرهبان والرهبنة لا يمكن أن تحوي على حرب أو قتل أو قتال.
أما في حال الحرب والقتال، فقد استعمل التنزيل الحكيم مصطلح (الرعب)، ويعتقد الدكتور شحرور أن مصطلح الرعب هو الترجمة الحرفية للمصطلح الانكليزي (Terror) ومنه الإرعاب (Terrorism) والمرعّب (Terrorist). وقد استعمل التنزيل الحكيم هذا المصطلح في مواقع منها: (سألقي في قلوب الذين كفروا الرّعب.. فاضربوا فوق الأعناق) الأنفال12. (وقذف في قلوبهم الرُّعب.. فريقاً تَقتلون وتَأسرون فريقاً) الاحزاب26. (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرُّعب يُحزبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.. فاعتبروا يا أولي الأبصار)الحشر2.
والمُرَعّب هو الذي يقوم بعمليات قتل من طرف واحد ترعب الناس. ومن صفاته أنه يقتل أناساً مع سبق الإصرار وهدفه قتل أكبر عدد ممكن من طرف لا على التعيين غير مقاتل، وبث الرعب في الأحياء بغض النظر عن النية. قد يكون هذا عبارة عن تعريف جديد للإرهاب الذي هو وفق الرؤية الشحرورية إرعاب.
لماذا هذا الكتاب الآن؟
في هذا الكتاب لا يتردد الدكتور شحرور في القول: “تسببت أحداث 11 أيلول عام 2001 بهزة عنيفة في نظرة كثير من الناس في العالم للإسلام كدين، مع أن الذي دفع إلى هذه الأحداث هو الإسلام كثقافة موروثة صنعها البشر ابتداء من عصر التدوين. لذا فإنني وضعت كتابي هذا (تجفيف منابع الإرهاب). إذاً ثمة علاقة صميمة بين أحداث أيلول وهذا الكتاب على نقيض كتب شحرور السابقة، وإن كان الدكتور شحرور وجد في تلك الأحداث مبرراً لهذا الكتاب غير أننا -من وجهة نظر أخرى- قد نختلف معه وهذا ما سنبينه ونوضحه في ختام مقالنا.
من نافلة القول إن الثقافة الإسلامية الموروثة ربطت بين القتال والقتل والغزو والشهادة والشهيد الخ.. بسبب إيمانها بالترادف على الصعيد اللغوي، وهي بهذا المعنى قللت من قيمة الحياة من خلال إصرارها على أن من يقتل في سبيل الله سيدخل الجنة مباشرة بدون انتظار!. ومن المؤكد أنها ثقافة ربطت الشهادة بالموت في أرض المعركة!
أضف إلى ما سبق أن الفقه الإسلامي لم ينبس بكلمة عن احترام حرية الناس في اختيار عقائدهم وشعائرهم أو في حرية الكلمة وحرية الضمير، فمن المعروف إن هذا الفقه كان قد بدأ يرى النور في عصر الاستبداد ابتداء من نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، أي في القرنين الثاني والثالث الهجريين، فلم يكن هناك مجال إطلاقاً –إرضاء للسلطة- للفصل بين الشهادة والموت والقتال وحرية الناس في اختيار عقائدهم، من هنا تم ترسيخ قتل المرتد وجعله من ثوابت الإسلام، ناهيك عن طاعة السلطان –وان كان ظالماً- وربطها بطاعة الله ورسوله!
نقول هذا رغم قناعتنا إن الهدف الأساسي من تكريس مثل ذلك الفقه(الذي نجم عنه آلياً توسع في ما يُسمى فتوحات إسلامية)، كان هو – وابتداء من العصر الأموي- كسب الجزية وجمعها وإبعاد المُعارضة في آن واحد.
حول التساؤلات والهواجس(إن صحت التسمية) سابقة الذكر يدور بحث الدكتور شحرور الذي يعتقد أن مفهوم الوسطية والمناداة بها كشعار إسلامي ما هو إلا تخريجة للخروج من مأزق أحداث سبتمبر وما تلاها، شأنها شأن الكثير من التخريجات خلال تاريخنا الطويل، كتخريجات فقه الأقليات وفقه الأولويات، وهي تخريجات أتقنها حراس هياكل الوهم، فاخترعوا لها الناسخ والمنسوخ لتلافي التضاد الظاهري بين بعض الآيات وخاصة لحل التناقض بين آيات القتال مثل ذلك ما جاء في سورة التوبة وبقية آيات القتال، وبين آيات(لا إكراه في الدين) و(قل الحق من ربكم من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) و(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، وبهذا المعنى باتت الثقافة الإسلامية انتقائية(إن لم نقل حمّالة أوجه)، فمن يريد القتال يورد آيات القتال، ومن يريد السلم يورد آيات السلم.
يمكننا أن نسجل هنا ملاحظة في ما يخصّ الفقرة آنفة الذكر، إذ مفهوم الوسطية سابق لأحداث 11 أيلول 2001، وهو مفهوم سبق أن ابتدعته بعض السلطات العربية التي عانت من الأصولية الإسلامية كسورية ومصر والجزائر الخ.. وقد تكرس ذلك المفهوم بُعيد أحداث 11 أيلول على أيدي “الفقهاء” الذين أوجدتهم السلطات التي نعني. وهي وإن كانت تدعي الاعتدال كما تحب أن تُظهر نفسها غير أننا نجزم أنه حال تمت مناظرة بين أي من رموز “الاعتدال” الإسلامي من جهة، وبين الشيخ أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري من جهة أخرى، لأقام الطرف الثاني الحجة على الطرف الأول “المعتدل”، ذلك كون ابن لادن ومدرسته أكثر انسجاماً مع التراث الفقهي من أي من رموز “الاعتدال” القائم اعتدالهم على الانتقاء من التراث، لا على إخضاع النص لقراءة معاصرة كما يفعل محمد شحرور.
انطلاقاً مما سلف تأتي أهمية الكتاب، حسب زعمنا، فضلاً عن أنه يحل الكثير من مشاكل العالم الإسلامي دون اللجوء إلى الناسخ والمنسوخ هذا من جهة، إضافة إلى تقديمه قراءة جديدة لمصطلح(مقاصد الشريعة- وهي خمسة وفق الفهم الفقهي التراثي: الحفاظ على الدين، الحفاظ على النفس، الحفاظ على العقل، الحفاظ على المال، الحفاظ على النسب) ذلك المصطلح الذي طالما كان عبارة عن غطاء لتبرير الكثير من الأمور والإفتاءات التي آن الأوان للضرب بها عُرض الحائط، فكما يرى شحرور إن مسألة الحفاظ على النفس(الحياة) يقع كاهلها على الدولة والمجتمع وهو ليس من مقاصد الشريعة، فالدولة بما تقيمه من مراكز للبحوث الطبية التي تسهم في القضاء على الأمراض مما يقلل بالتالي من نسب الوفيات ويرفع من معدل الأعمار الخ… هي المعنية بذلك، ناهيك عن أن الحفاظ على الحياة ليس حصراً بأتباع الرسالة المحمدية، إذ هي محط اهتمام كل الأمم والديانات، وفي الفلك ذاته تدور رؤى محمد شحرور في ما يخصّ مقاصد الشريعة وان كان لا يبدي استغرابه حول البند الخاص بـ”الحفاظ على المال” الذي يرى فيه أن الفقهاء قاموا بخلط عجيب بين الفطرة التكوينية والتكليف التشريعي، وهو خلط يثير الدهشة ويستدعي المرارة والسخرية في آن معاً، فمن وجهة نظره أن المال لا يدخل تحت بند الأرزاق والممتلكات، إذ هو بند له علاقة وثيقة ببند الحياة باعتباره عصبها!وانطلاقاً من هنا فهو من مقاصد الدولة والمجتمع والأفراد والمجتمع ومن ثم الشريعة.
ومن المهم التنويه ببند الحفاظ على الدين الذي يقترح الدكتور شحرور استبداله ببند الحفاظ على حرية الاختيار عند الإنسان وحمايتها إلى درجة يتم معها رفع هذا البند ليغدو الأول في مقاصد الشريعة، انطلاقاً من كون الحرية هي القيمة العليا، وهي المقصد الأول من الشريعة الذي لا يتقدمه ولا يعلو عليه أي مقصد آخر، فضلاً عن أن الحرية هي كلمة الله العليا للناس جميعاً.
كما هو معروف، فإن مشروع الدكتور شحرور يعمل على إعادة قراءة النص القرآني من جديد وفقاً لمعطيات العصر العلمية مخلفاً وراءه ما أورثنا إياه عبد الله بن عباس والشافعي وسواهما من فقهاء. وأتذكر في هذا المقام أنه قال لي ذات مرة: “قد يسألني سائل إن كنت أكثر فهماً من الشافعي، وبالطبع سأجيبه بنعم إني أكثر فهماً منه، وقد يستغرب إجابتي هذه!”. أرى من الضروري لفت الانتباه في هذا المقام أن عدد سكان مصر كان قرابة السبعين ألفاً عندما دخلها الشافعي، والآن يربو عدد سكانها عن السبعين مليون، ومع ذلك ما تزال الغالبية العظمى من سكان مصر تعتقد أنه لا يوجد من هو أكثر فهماً من الشافعي!
يتألف الكتاب من المواضيع الخمسة التالية: الجهاد والقتال، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الولاء والبراء، مسألة الردة، إضافة إلى تعليق على مقاصد الشريعة كما وردت في التراث مضافاً إليها مفاهيم جديدة لهذه المقاصد وفق القراءة المعاصرة لصاحب الكتاب، كما سبق أن نوهنا.
الجهاد والقتال
سأسلط الضوء في ما تبقى من هذه المقالة لموضوع الجهاد والقتال نظراً لعديد البشر الذين اكتووا بنار فهم الكلاسيكيين من الفقهاء له إلى درجة بات معها الجهاد وفق ذلك الفهم مقروناً بالإرهاب، فكيف يرى الدكتور شحرور الجهاد؟
في هذا الصدد لابد من القول إن الباحث لا يكاد يجد كتاباً في الفقه الإسلامي – منذ نشأته في القرن الثاني الهجري حتى اليوم- إلا وفيه ذكر للجهاد، غير أنها جميعها خلطت بين الجهاد والقتال والقتل والحرب والغزو- حيناً بسبب الجهل وحيناً بسبب التقليد الأعمى وأحياناً إرضاء لسلاطين الاستبداد وخدمة للسياسة الإقصائية التي غدت من سمات الفقه السياسي الإسلامي منذ سقيفة بني ساعدة، وتلك الدراسات كلها انطلقت من القول بالترادف فوقع أصحابها في التباس كبير ضاع معه الفرق بين الشاهد والشهيد والشاهدين والشهداء الخ…
ينظر الدكتور شحرور إلى نظرة الفقهاء الكلاسيكيين إلى الجهاد من منظورين، الأول: تم تبني هذا الفهم المغلوط والمشوه للجهاد من قبل جميع التنظيمات والأحزاب الدينية والمجموعات المسلحة، التي تسعى تحت عناوين متعددة وبراقة إلى الاستيلاء على الحكم حصراً، في مختلف الأزمنة والعصور الماضية، بدءاً من أصحاب الفتنة الكبرى وانتهاء بالحركات المسلحة في مصر وإيران وأفغانستان التي انتهت بمصر إلى خلع الملك فاروق، وبإيران إلى خلع رضا بهلوي، وبأفغانستان إلى قيام حكم يقوده طلاب الفقه(طالبان).
في الجانب الثاني، استغل أصحاب الهجمات الشرسة على الإسلام والمسلمين هذا الفهم المغلوط والمشوه للجهاد والقتال الذي ساد في كتب الفقه والتراث واستندت إليه جميع عمليات الغزو التوسعية تحت ستار نشر الدعوة، في التشهير بالدين الإسلامي واتهامه بأنه دين السيف والعنف والإرهاب ودين القهر والتسلط والانتقام، وقد ساعدها على هذا الاستغلال طروحات الإسلام السياسي وسلوكيات ما يسمى بالحركات الجهادية، حيث قدموا لها أطروحات العداء على طبق من ذهب.
وفي السياق ذاته يرى شحرور أن الفقهاء وأصحاب التراث لم يكتفوا بتحويل الجهاد إلى قتال، بل حولوا الجهاد إلى غزو والقتال إلى قتل، ضارباً مثلاً بذلك في ما يقوله الإمام الشوكاني في كتاب السبل الجرار(ج4 ص518، 519):”.. وأما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر، لحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل، فهو معلوم من الضرورة الدينية، وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها. وما ورد من إيجاب مقاتلتهم على كل حال، وقصدهم في ديارهم، في حال القدرة عليهم والتمكن من حربهم“.
يحتج الدكتور شحرور على الفقرة سابقة الذكر بأن واضعها عمل إلى القول بالنسخ الذي هو الوسيلة المغلوطة المشوهة الأهم لترسيخ المعاني الاصطلاحية الفقهية الجديدة للجهاد والقتال، بعيداً عن معناهما الأصلي في التنزيل الحكيم، وعن التعريف النبوي للجهاد الوارد في كنز العمال (ج4 ص116 الحديث رقم 17799): “قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه”. من هنا يستغرب شحرور كيف يسمي أصحاب التراث حروب الرسول بأنها غزوات، مع أنها كلها دفاعية، حتى غزوة تبوك. والغزو دائماً له معنى سلبي، ولا يحمل أي معنى إيجابي. يمكننا هنا أن نعارض الدكتور شحرور بالقول إن غزوة بدر، على سبيل المثال لا الحصر، لم تكن دفاعية مطلقاً، ناهيك عن أنه لا يعيب الرسول إن كان يمارس الغزو أم لا، فالرسول – كشخص- هو في النهاية محكوم بالبيئة الصحراوية التي تشبّع بثقافتها(أو هكذا يفترض!)، وهي بيئة كان عماد حياتها الغزو.
ختاماً، وأياً يكن اتفاقنا أو خلافنا مع الدكتور شحرور، إلا إننا نعتقد أن ثمة قسرية في إحالة شحرور عوامل الإرهاب إلى البنية الثقافية الإسلامية فحسب! فكما هو معروف لم يكن الإسلام يؤرق الغرب في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، تماماً كما لم يكن بعض الإسلاميين يشكون من العصاب الذي يعيشونه راهناً بدليل ما جرى بين فرح انطون ومحمد عبده من مناظرات وسجالات من المحال أن تحدث راهناً!، وآية ذلك -حسب رأينا المتواضع- إن الفارق الحضاري بين الشرق(المسلم) والغرب(المسيحي) لم يكن يقدر بأكثر من خمسين سنة(كما يرى المؤرخ السوري عبد الله حنا)، فمن وجهة نظر الباحث محمد كامل الخطيب كان الغرب يتفوق على الشرق ببعض التكنولوجيا، وكان ثمة أمل لدى الشرق أن يواكب الغرب، لكن الآن بات الفارق الحضاري يُقدر بخمسمائة سنة إن لم يكن أكثر(والفارق الحضاري هنا على أكثر من مستوى). وبهذا المعنى أصبح الشرق(بغالبيته الإسلامية) يعاني من نكوص جرّاء خيبته في مواكبة الغرب(بغالبيته المسيحية)، والنكوص آلية من آليات الدفاع النفسي، من هنا يمكننا أن نتفهّم كيف انصبت وجهة نظر الطرفين(الغرب والشرق) على الإسلام، أحدهما يحملّه مسؤولية الإرهاب والآخر ينافح عنه متشبثاً به – بعجره وبجره- بذريعة أنه رسالة السماء، من غير أن نغفل أنه المكون الأساس لثقافة القوم المهزومين الذين نعني! وفي حالة كهذه من الطبيعي أن يتشبث أولئك القوم بثقافتهم بمعزل عن حالة الانحطاط والتردي الذي تعيشه تلك الثقافة.
وان كنا نعتقد على الصعيد الشخصي بأهمية الأصوات الصادرة من داخل العالم الإسلامي المطالبة بإخضاع النص والثقافة الإسلامية لمبضع التشريح العلمي والنقدي كأصوات محمد شحرور في سوريا وجمال البنا في مصر وسواهما من مفكرين كردة فعل حضارية منهم على ما يجري ويعتمل لدى الطرف الآخر المنتصر(الغرب)، غير أننا نعتقد إن الدين، في جوهره، لا علاقة له بالتخلف والتقدم، إذ هو كان الدين ذاته والثقافة ذاتها عندما كانت الحضارة العربية الإسلامية قائمة في عهد المأمون وسواه من خلفاء عباسيين(وقد كانت حقاً حضارة وفقاً للسياق التاريخي الذي أتت فيه)!
إذاً سنكون قسريين حال أحلنا عوامل تخلفنا، ومن ضمنه الإرهاب الذي عادة ما يصمنا الآخر به، إلى عامل واحد، وهو هنا العامل الديني. إذ ببساطة ثمة وضع اقتصادي متخلّف ووضع اجتماعي عربي متردي، وواقع ثقافي يشهد مرحلة القهقرى الخ… وهي بطبيعة الحال جملة من العوامل تتشابك وتتقاطع بطريقة معقدة ليس من السهل الفرز بين عناصرها، من شأنها مجتمعة أن تجعلنا نبدو، ومن الدين الذي ننحدر منه أو ننتمي إليه، على هذه الشاكلة التي لا تسرّ صديقاً ولا تغبط عدواً. والله أعلم!
الكتاب: تجفيف منابع الإرهاب
المؤلف: الدكتور محمد شحرور
الناشر: دار الأهالي بدمشق
عدد الصفحات: 300 صفحة من القطع الكبير
موقع الآوان