سامر أبو هواش: لا أقوم بعمل أنطولوجي وكثيراً ما تأذيت من التصنيف الايديولوجي
اسكندر حبش
الشعر الأميركي في 15 مجلداً والأعمال القصصية الكاملة لوليم فوكنر
عن منشورات «كلمة» (الإماراتية) ومنشورات «الجمل»، صدر حديثا لسامر أبو هواش، ترجمة شعرية تقع في 15 كتابا، هي عبارة عن مختارات شعرية أميركية لـ 15 شاعرا، كما تصدر له عن كلمة ودار الآداب، ترجمة للأعمال القصصية الكاملة للكاتب الأميركي وليم فوكنر. حول هذين المشروعين، هذا الحوار.
يصدر لك اليوم «مشروع الشعر الأميركي» في 15 مجلدا، عن منشورات «كلمة ـ الجمل»، لو تضعنا في قلب هذا العمل؟
} كما تعرف، بدأ عملي على ترجمة الشعر الأميركي قبل نحو 9 سنوات حيث ترجمت في طبعات محدودة وزعت على الأصدقاء عددا من الشعراء الأميركيين، ثم توقفت لاعتبارات مادية بالدرجة الأولى، حيث لم أجد دار نشر تتبنى مثل هذا العمل لأنني منذ البداية لست مقتنعا بالأعمال الأنطولوجية، لعدة اعتبارات، وبالتالي كنت مصرا على أن تصدر مختارات متفردة لكل واحد من الشعراء. حتى جاء مشروع «كلمة» التابع «لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث» وتبنى هذا المشروع كما هو فأصبح ممكنا أخيرا…
هذا من حيث الشكل والأمور التقنية؛ لندخل أكثر في قلب المشروع: من هم الشعراء الذين اخترتهم وكيف وماذا قدمت لهم؟
} أولا، الشعراء هم شارلز سيميك، روبرت بلاي، آن ساكستون، سيلفيا بلاث، فلورنس أنطوني، أرتشي أمونز، دنيس ليفرتوف، كيم أدونيزيو، شارلز بوكوفسكي، تيد كاوزر، دوريان لوكس، ثيودور ريتكي، لنغستون هيوز، لويز غاليك، بيلي كولينز. حاولت في هذه المختارات أن أكون أمينا قدر الإمكان لتجربة كل واحد من الشعراء لجهة أن تشمل القصائد المترجمة معظم تجربته حتى وإن كان شاعرا جديدا بمعنى أن ليس هناك من مراحل زمنية كبيرة، فقد اخترت من جميع ما نشر له. وهذا ما أجده مثاليا لجهة تقديم تجربة شاعر ما بحيث لا تأتي مختزلة تطاول جانبا منه وتغفل تغيراته وتطوراته من عمل إلى آخر. كما حاولت أن تكون هذه التجارب معبرة عن مشهد الشعر الأميركي المعاصر بمعنى حضور أبرز التيارات الشعرية وأبرز الأصوات. مثلا حينما نتكلم عن تجربة لانغستون هيوز وهو أب الشعراء السود، فتجربته مهمة من حيث تمثيله وأثره، لا من حيث الشكل الشعري. بينما تجربة آمونز القائمة على الرمزية اللغوية والتقشف فهي ممثلة لتيار شعري وكذلك تيودور ريتكي في علاقته بالطبيعة كمصدر للإلهام الشعري. في حين يجسد شاعر مثل بوكوفسكي تجربة العالم السفلي أو عالم الهامش وهكذا دواليك… فحرصت على حضور الجنسين، ليس حبا بالتوازن ولكن لأن تجربة المرأة الشعرية في أميركا مهمة ومؤثرة بقدر تجربة الرجل وليست تابعة لها كما هو الحال في بعض الثقافات.
مشروع حياة
ولكن لا بدّ أن نطرح، والحال كذلك، سؤالا عن غياب بعض رموز «جيل البيت» وجون أشبوري وغيرهم، لِمَ؟
} بالضبط، هذا صحيح تماما، ولكن السبب بالتحديد لأنني لا أقوم بعمل أنطولوجي مطالب عادة بأن يكون ممثلا لجميع الأصوات. وعلى أي حال تجربتنا كعرب في الشعر الأنطولوجي مثيرة بما يكفي من السخرية بحيث يتجنبها المرء. هناك فكرة أن هذا عمل مستمر ومشروع حياة وبالتالي ما زال هناك الكثير من الشعراء المهمين الذين أرغب في تقديمهم وينبغي ذلك ومنهم بالطبع جون أشبوري، أدريان ريتش، شارلز وجيمس رايت، فيرلنغتي، والآخرون طبعا وغيرهم كثر… ولدي حاليا ترجمات لعدد من هؤلاء أنتظر اتمامها لنشرها يوما ما في مبادرة تشبه مبادرة «كلمة».
الملاحظة الثانية، تمركز خياراتك على فترة زمنية معينة، لا تصل إلى الجيل الجديد؟ الشاب الراهن تحديدا؟
} فكرة الجيل الجديد بحاجة دائما إلى نقاش فالجيل الجديد، بالنسبة إليّ، لا يعني مرحلة عمرية صغيرة، بل تجربة شعرية جديدة. فمثلا أدريان لوكس وكيم أدونوزيو أصدرتا أعمالهما في التسعينيات وبالتالي هذه تجربة جيدة. لويز غاليك أصدرت أعمالها في التسعينيات وفي الألفية الجديدة. وبالتالي هذا شعر جديد. ولكن مجددا التفكير الأنطولوجي يحرص عادة على مثل هذا التمثيل بصرف النظر عن معاييره أما بالنسبة إليّ فهو غير أساسي لأنني أكتب الشعر وأترجم تجارب أجدها ذات أهمية من دون أن أدعي أنني أترجم الشعر الأميركي.
قلت إنك حرصت على تقديم صورة عن كل شاعر، أريد أن أعود إلى هذه النقطة: ماذا عنيت بذلك؟ كيف اخترت القصائد ومن أي مراحل؟
} بالنسبة إلى الشعراء الراحلين اعتمدت على الأعمال الكاملة. من المهم أن تقرأ شاعرة مثل ليفرتوف أو سيلفيا بلاث في بدايتها، ثم نرى كيف تطور نصهما الشعري وكيف دخلت عناصر عديدة إليه. على سبيل المثال روبرت بلاي كان يقول إنه لا يريد أن تكون له علاقة بالشأن العام. أوائل أعماله الشعرية كانت كذلك. لكن تجربته تطورت مع انخراطه الشخصي في النقاش حول قضايا مهمة من قبيل حرب فيتنام قادته إلى أن يكتب قصائد يمكن وصفها بالعامة وإن احتفظ مثل ليفرتوف وهي ناشطة سياسية أيضا، بجماليات لغته ولم يقدم على مستوى اللغة تنازلات تودي بشعره. فلحظ هذه التحولات مهم لأنه يعكس صورة عن حيوية الشعر وقدرته على التحول استجابة لنوازع شخصية كما في حالة آن ساكستون أو ريتكي أو القضايا العامة الكبرى كما حالة «جيل البيت» أو الشعراء الذين ذكرناهم.
أضيف شيئا: إن فكرة التحول ليست حتمية أو ليست شرطا. فشاعر مثل تيد كوزر يكتب وكأنه داخل فقاعة والتحول عنده هو المفاجأة الشعرية أي القدرة باستمرار على أن يُوّلد من العوالم ذاتها ومن المفردات اللغوية البسيطة ذاتها، تعبيرا شعريا جديدا ومفاجئا على الأقل بالنسبة إليه.
رحلة تفرج
لا تسمي هذا المشروع عملا أنطولوجيا، ما التسمية التي سنختارها له؟
} مبادرة أو مشروع ترجمة. يجب أن أقول إنني لطالما تأذيت شخصيا ككاتب من التصنيف الأنطولوجي فتارة يتكرم أحدهم ويضعني في أنطولوجيا لبنانية وقد يلام على ذلك لأنني فلسطيني وإذا ما وضعت في أنطولوجيا فلسطينية قد يلام صاحبها أيضا لأن كثرا لا يعتبرونني فلسطينيا. فهذا من أكثر الأمور المضجرة والمنفرة إليّ من الترتيب الأنطولوجي. ناهيك عن أنني رغم تقديري للتجارب الأنطولوجية أجدها كما نمارسها نحن ذات طابع سياحي لأنه أشبه برحلة التفرج على العالم السياحية، مع ما يعنيه ذلك من تجربة قراءة سطحية وبالنسبة إليّ الأساس هو ما تحدثه الترجمة من أثر أيا يكن نوع هذا الأثر ولكن بالتأكيد ليس على طريقة التعارف السريع والعلاقات العابرة.
تترجم أيضا فوكنر، حيث صدرت لك ترجمة لأعماله القصصية الكاملة؟
} فوكنر أيضا هو مبادرة من مشروع «كلمة» بالاشتراك مع «دار الآداب» وقد كان لديّ فضول شخصي أولا لقراءة هذا الرجل بطريقة معمقة لأنه لا يخفى على أحد حجم تأثيره في كل ما جاء بعده من كتابة سردية وكشاعر تعلمت الكثير من ترجمة فوكنر لأنك تجد لديه عالما مليئا بالإيحاءات والإلهامات ولا سيما في عنايته الشديدة باللغة وهي توصف عادة بالصعبة لكنني أحب أن أصفها بالرقيقة. فالتعامل مع تجربة لغوية وسردية مضبوطة إلى هذا الحد وفي الوقت نفسه مغامرة وطموحة وهي تجربة مغنية بكل تأكيد…
وبين ذلك كله، أين مشروعك الشعري الخاص؟
} لدي مجموعة شعرية بت مترددا في نشرها. ربما كان هذا من مساوئ الترجمة أنك لا تعد تعرف أين هي عبارتك أنت وأين عبارة الآخرين وأصواتهم لأنك كما تعرف كمترجم للشعر، تسحر وتفتن وتتورط بلغة الآخر وبعوالمه ويدفعك ذلك إلى أن تكتب في كثير من الأحيان لكنني لست قلقا كثيرا ففي النهاية ستجلس مع نفسك وتقرر أين هو صوتك هذا إذا كان لك صوت على الإطلاق وليس من قبيل المجاملة لكنني لا أعد نفسي متشكلا شعريا بعد.
السفير