صفحات الحوار

علي فرزات لصحيفة الهدهد الدولية : بعضنا قلبه على الوطن والبعض يده في جيب الوطن

null
دمشق- مايا جاموس – علي فرزات مع كل رقته ودماثته لا يتوقف عن المشاكسة وتلك طبيعة كل فنان كبير يقرن الفكر بالسلوك ويحاول أن يكون صوت الناس وضميرهم وهو في هذا الحوار الخاص مع صحيفة الهدهد الدولية ينقد كل شئ بايجابية المصلح مع لسعة هنا ووخزة هناك تذكر من اضطهدوه بأنه قادر على الرد في أي وقت فحب الناس كما قال حصنه من ضغوط وحماه في مواجهات شرسة وما دام البعض قلبه على الوطن والبعض الآخر يده في جيب الوطن فسوف تستمر تلك المواجهات التي لن تتوقف كما يقول الفنان الكبير الا حين يتم اعطاء المواطن حقوقه لأنه هو الضمانة الحقيقية أمام أي خطر ولا يخفي علي فرزات تشاؤمه من حالة الكاريكاتير في المرحلة الحالية بسبب وجود رؤساء تحرير ديكتاتوريين وقانون مطبوعات مسلط كالسيف فوق رقبة كل فنان وكاتب مبدع و في مايلي حوار الهدهد معه علي فرزات كاملا غبير منقوص ودون ذرة رقابة
علي فرزات لصحيفة الهدهد الدولية : بعضنا قلبه على الوطن والبعض يده في جيب الوطن
يبدو أن الأساس في خيارات رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات، هو موضوعات السلطة والظلم والقمع والقوة الواقعة على الإنسان، كل ذلك يراه من منظور أخلاقي.
لكن مع هذا، فهنالك العديد من التساؤلات في وسط النخبة السوري تتعلق بمدى استفادة فرزات من السلطة نفسها.
لماذا لم يستطيع علي فرزات أن يتعايش مع السلطة؟ ولماذا لم تتمكن هي من تقبُّله؟ وهل تعود الدومري قريباً؟
– لماذا اخترتَ الكاريكاتير؟
لست أنا من اخترته بل هو الذي اختارني لأكون رسامه، أذكر عندما كان عمري خمس سنوات قبل أن أرسم كنت أؤلف حكايا ساخرة، الكاريكاتير هو “الروح الساخرة” هو الفكرة قبل أن يكون رسماً، هو كشكل يتعلمه أي إنسان، لكنّ الموهبة هي الأساس. كان أهلي يُحرجون مني حين كان يأتينا الضيوف وأنا أجلس لأعلق على بخيل مثلاً، أو أؤلف عليه قصة، فكان يرحل…
– لمن توجّه الكاريكاتير؟
للحياة، للإنسان، هو يحمل هماً إنسانياً مثله مثل أي مادة فكرية أخرى، موجه لكل المقومات التي تقوم ببناء الإنسان وتشكيله وبالحفاظ على ثوابته العامة من حرية وكرامة، ضد الأشكال الأخرى من القمع والديكتاتورية والإرهاب، يحاول أن يكون وسيلة تحمي كيانه ووجوده. مثله مثل أي عمل فني فكري يقوم بالدفاع عن الإنسان ضد الشر. والشر له أشكال مختلفة كالقمع والظلم والحروب والجوع وتخريب البيئة. يقف إلى جانب الخير.
– هل اختلفت مهمة الكاريكاتير في سورية بين الماضي والحاضر؟
في سورية بدأ أواخر العهد العثماني لكنه كان مبالغة في تشويه شكل الجسم، نشا في فترات فيها ظلم، أواخر الحكم العثماني والانتداب الفرنسي، نعرفه من خلال المضحك المبكي، والدبور. الحالة الساخرة تنشأ في حالات الضغط والانسحاق والظلم، كذلك النكتة الساخرة الحارة تنشا ضمن الجو السياسي والاجتماعي الصعب. لكن اختلف دوره من وقت لآخر، ازدهر بفترة وانكفأ بفترة، فترة ازدهاره هي الفترة التي عملتُ فيها بالصحافة، وهذا معروف وموثّق من خلال استفتاء أجرته جريدة تشرين بداية التسعينيات، كان الاستفتاء حول أهم مادة في الصحيفة التي يقرأها المواطن، فكان الكاريكاتير الذي أرسمه أنا. أنا نقلت الكاريكاتير من الموقع السطحي إلى الذهني والفكري، مرة تقرئين فيه رواية ومرة قصيدة، والآن تمت مسرحته كما فعل أحد المخرجين في اللاذقية، وكاتب آخر استوحى منه قصة. أما فترة الانكفاء فهي عندما شعروا بخطورته وجماهيريته. حاربوني بجريدة الدومري وحاربوني برسوماتي، منعوني من الرسم ومنعوها من النشر، وزير الإعلام السابق أصدر قراراً بمنعي من الرسم في جريدة تشرين، ولم تُحلّ المسألة بسبب تلك العقليات التي تشبه المستحاثات، خاصة في الحزب، وغير قابلة للتغيير، ولا يوجد مقومات إصلاحية حقيقية يمكن الاعتماد عليها والأدوات الموجودة تحتاج التغيير والإصلاح، وحتى الكاريكاتير انضوى تحت هذه الحالة وأصبح هدفاً، وليس الكاريكاتير فحسب بل إن أي عمل إبداعي هو دريئة، إما قضوا على المبدع وهمشوه أو هُجر وطُفش واستُبعد، وأنا ضمن هذا السياق تم الاعتداء على فني واستبداله بنسخ مطاطية خلبية، أنا واحد ممن وقع عليهم التأثير لكنني بقيت موجوداً في ضمائر الناس وهذا يشعرني بالأمان فهم يسألونني يومياً ماذا حصل -برسوماتك وجريدتك وأين ترسم اليوم؟

الناس حصنتني أمام الخطر. أما النسخ المشوهة التي أحضروها بدائل ليستخدموها أمام الناس في مناسباتهم ولا يريدون الفنان الحقيقي الذي يمثل ضمائر الناس، فهي تشمل الرسامين والشعراء والمطربن الأمنيون. وذلك كله لا يجعلني أهاجر أو أطفش كما يفعل البعض حين يجلسون في مكان بعيد ويتغنون، هؤلاء هم مادة للسخرية أصلاً، هؤلاء على الغالب لديهم مشاريع سياسية أما أنا فمشروعي وطني، والوطن أكبر بكثير من السياسة والأحزاب والملوك والأمراء والرؤساء، لذا أنا أتمثل الحالة الوطنية الأخلاقية وأعارض كل أشكال الفساد والكوارث التي تحل علينا في مؤسساتنا ومعاملاتنا وشوارعنا وحتى في أحلامنا. أنا تمردت على كل هذه القوالب، ولا أترك وطني وأرضي وأتركها لناس آخرين يأخذون مكاني بأشكال مشوهة، ولا أدير ظهري للناس، ولا أغادر.
الآن الكاريكاتير وصل إلى حالة مشوهة، والفنان إن كان لديه موهبة فللأسف لا يستطيع إظهارها كونه مربوط بلقمة عيشه، وبرأي رئيس تحريره الديكتاتوري، وبرأي السلطات الإعلامية الأخرى وبأجهزة أمنية توجه الإعلام، لذلك لا يستطيع أن يقول رأيه بصراحة، وإن أراد ذلك فيجلس في منزله.
– هل يرتبط انتعاش الكاريكاتير بجو ديمقراطي، أم يشكل الجو غير الديمقراطي مادة مهيّئة للإبداع؟
هناك شكلان من الإبداع: الأول هو الذي ينشد الحرية والديمقراطية، أما المرحلة الثانية ما بعد الوصول إلى الحرية والديمقراطية وهو إبداع نموذجي، لكننا لم نصل بعد إلى المرحلة الأولى أي أن نطبق الديمقراطية ونحصل على الحرية، وحين نحصل عليها يصبح إبداع من نوع آخر تطويري، لكن الحصول على الحرية هو مرحلة إبداعية حقيقية وبعدها التطوير والانطلاق في فضاءات العلم والتجارب وهي تطور ما حصلنا إليه بالحرية بتوظيفها في مجالات الحياة الأخرى
– تقول في مقابلاتك إنك لا تفضل أن يكون الحدث اليومي صغيراً كان أم كبيراً مادةً لكاريكاتيرك، لماذا؟

أنا لا أدخل في التفاصيل بل أوظفها لحالة عامة، أي لا أنقل العام إلى الجزئيات، هنالك فنانون وهم كثر يعتبرون همَّ العالم هو سعر البندورة أو مؤتمر ما، في الحقيقة لا تنتهي تفاصيل الحياة، أنا لا تهمّني الظاهرة بل السبب الذي شكل الظاهرة، أي التحليل في الموضوع، أتكلم حول الأسباب وجذورها وليس النتائج وهذا هو الفرق عن التنفيس والتحريض، فأنت عندما تتحدثين عن السطح عندها تكون مادة تنفيسية، أما عندما تتكلمين عن الجذر فهي مادة تحريضية ضد الخطأ والهيكلية. إنهم يؤلفون الكثير من المسلسلات التي يقولون إنها تتكلم عن الغلط، لكنهم يغشون المواطن بذلك، يحاولون إيهامه بأنهم ينتقدون ويتحدثون عن شخصيات مسؤولين مثل رئيس الوزارة وشخصيات اعتبارية ومخابرات، لكن هل هو توجه موضوعي أم استعراضي؟ الموضوعات التي نطرحها في مسلسلاتنا مثل بقعة ضوء وفي مسرحياتنا هي مسائل استعراضية، وتعطي دهشة لكنها هشة. أما الخوف الحقيقي فهو من أسباب تشكُّل هذه الظاهرة، وهنا يكمن الخطر لأنه عندها يكون قد تم الاقتراب من مصالحهم وجيوبهم ومشاريعهم واستثماراتهم في البلد التي حولوها إلى دكان. إنهم لا يسمحون بالحديث عن المضمون، أما الشكل والظاهرة فيمكن التحدث عنها بقدر ما تشائين.
– كيف تنظر إلى وجود الفنان أو المبدع ضمن أطر سياسية (حزب، منظمة)؟

أنا لا أؤمن بالأفكار السياسية ولا بالأحزاب مع احترامي للأحزاب كلها، لكنني ضد تفرد الحزب الواحد بآرائه وممنوع التفكير والتصرف إلا من خلاله
– ما رأيك ببعض الفنانين الذين يقيمون معارض في صالات تعرض لوحاتهم بأسعار خيالية؟

إنهم يقعون في فخ الاستهلاك اليومي، أنا أعرف أن الفنان سلوك وفكر، عليه أن يتعامل بشكل أخلاقي ولا يجوز له أن يبرر لنفسه. توجد لدينا صالات فنية برأيي إن أعمالها غير موثوقة و توجهاتها لا تطمئن، تعرض لوحات لبعض الفنانين بأرقام خيالية، وعلى الغالب تكون أغلبية هذه اللوحات ليس لديها الشروط الفنية الصحيحة لتوضع في هذه المصاف، وإن خرجت من هذه الصالة وعرضت في صالة أخرى تنخفض قيمتها. هنا يكمن الشك. بعض هذه الصالات تقوم بتبييض الأموال. بعض الفنانين لا يرى أي مشكلة في تلك الصالات مادامت تدعم الفن، وهنا أتساءل أين أخلاقية الفنان التي تمنعه من المساهمة بأن يكون جزءاً من عملية تبييض الأموال؟
وهنا أقول إن الفنان سلوك وفكر، بعض الفنانين يتنازلون عن هذه الأخلاقية، هنالك حالة من الغلط لا يجوز أن يدعموها. الفنان هو قيمة أخلاقية، علماً بأن ما يعرض على أولئك الفنانين هو حالة بروباغندا، وتلك الصالات بهذا السلوك إنما تحاول أن تعمل شرخاً بين الفنانين، وأساساً القائمون على العمل في تلك الصالات هم موظفون لا يعرفون القيمة الفنية، وليس لديهم الدراية، إنه مكتب يدير المسألة فحسب. كثير من الناس يلومون بعض الفنانين الذين اعتبروا تقدميين كيف وقعوا في الفخ، هل الغاية لأجل الحصول على المادة؟
– إذاً هل يمكن القول إن الكاريكاتير هو فن مُعارض؟

بالتأكيد هو ناقد معارض، لكل أشكال الغلط والكوارث والتسيب ولكل ما يمس كرامة الإنسان ويهدد وجوده، إنه رأس حربة، ويجب أن تكون نقية وطاهرة وبعيدة عن البيع والشراء، إنه أسلوب شعبي ساخر مقرب من الناس يختلف عن الريبورتاج والمحاضرات، يلخص المشكلة بصورة، أحياناً لا تحوي كلام، تغني عن المجلدات والكتب. وبالتالي هناك ضرائب يجب دفعها حين يكون الفنان واضحاً وصريحاً وجريئاً وصاحب مبادرة.
– يقولون إنك لم تعط مسالة الاحتلالات في رسمك أهميةً بمقدار ما أعطيته لموضوعات الاستبداد والديكتاتورية؟

أن سيرى الناس رسوماتي إن كانوا قد منعوني من الرسم في الصحف الرسمية، لكن رسوماتي موجودة في الصحف العربية والانترنت، لم أترك شيئاً إلا ورسمته، وكل شيء أخذ نصيبه مني بشكل متساوٍ، كل قضية مهمة سواء كانت اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية قمت بطرحها من خلال رسومات ليس لها الشكل المباشر، بل تقرئين فيها الاقتصاد والسياسة والحالة الإنسانية. بالنسبة للاحتلال أقول إنه ينبع من الداخل وليس الخارج، الأنظمة القمعية والظالمة الموجودة في العالم وبخاصة الوطن العربي كما حصل في العراق مثلاً، تلك الأنظمة هي التي “تعزم” أو تدعو الاحتلال، مَن أحضر وعزم إسرائيل، وأمريكا؟ وقالوا لنا تعالوا قاوموا، ويتهمون الآخرين. لذا أنا أبحث في الأساس، الاحتلال لا يأتي من الخارج بل ينبع من الداخل. لقد بهدلوا وسلبوا المواطن وعذبوه، وأكلوا خيره ثم يقولون له تعال دافع، هم أحضروا الاحتلال وطلبوا من المواطن المسكين الذي لم يتركوا له وطناً، أساساً ما هو الوطن؟ إنه شجرة وبيت و… أرادوا اتهامي ومسبتي في تشرين والثورة، من خلال رسومات لي في التسعينات جعلوني من خلالها بطلاً ثم استخدموها ضدي، مرة جعلوني بطلاً ومرة ضحية. من أحضر الاحتلال إلى العراق؟ أليس نظام صدام حسين القمعي؟
حصّنوا مواطنكم وأعطوه حقه، الإنسان وحده الذي يحمي الوطن، لا أحد يزاود عليّ لأنني حالة وطنية، لم أنتمِ إلى أحزاب مع احترامي لها، ولا إلى حالة سياسة، وأعتبر الفن قمة في الأخلاق أما السياسة فهي قمة في الرذالة ولا يلتقيان مع بعضهما، أي شكل معارضة سياسية هي شكل من أشكال السلطة، وأنا ليس لدي مشروع سياسي أو هوس بمنصب حكومي، أنا رفعت علم سورية حتى الآن 8 مرات في مختلف عواصم العالم، حصلت على جائزة الأمير كلاوس وهي أرفع جائزة بعد نوبل، وعتّموا عليها في الصحافة هنا، إنهم يتذكرون فقط حين يسبّون لكن ينسون حين يكون الإنسان حالة وطنية. وهذا لم يحبط من عزيمتي وأعتبر أن هذا واجبي وقدري، ولم أفتح دكاناً مثلهم، غايتي هو الإنسان. المعارضة الوطنية الأخلاقية لكل أشكال التسيب والتخلف والكوارث الإنسانية هي واجب على كل إنسان. وعلى هذا الأساس أعتبر الرئيس معارضاً، إن كانت القصة معارضة التسيب، فهو قد طرح أكثر من مرة في الصحافة مسألة مكافحة الفساد. كلمة معارضة غلّفوها بشكل سياسي فأصبحت بالنسبة للآخرين كلمة مرعبة، هم يصنّعون الجمل والعبارات والمصطلحات، يوجد الكثير من الجمل ترعب الناس وعندما يحكونها يكون صوت منخفض، أما المعارضة السياسية فهي شكل من أشكال السلطة، فهل نقوم من تحت الدلف لتحت المزراب؟
– أليس لديك ثقة بطرف سياسي ما تعتقد أن لديه مشروع سياسي وطني؟
لا أرى ذلك حتى الآن.
– لكن أحداً لم يأخذ فرصة ليطبق مشروعاً؟

أية فرصة؟ يكاد العالم ينتهي وهم ينتظرون فرصاً. إنهم مثل كاريكاتير رسمته، في انتظار غودو، إنهم بهذه العقليات والأفكار والمعطيات لن تأتي الفرص، الإنسان هو الذي يصنع الفرص. الحوار هو السبب ببناء الحضارة.
– لكنك تحدثت في مقابلة سابقة عن مسألة تداول السلطة بين الأحزاب؟

نعم يمكن أن يوجد دائماً حالات ملونة، الأضداد هي التي تخلق نتائج وأفق جديد، يجب أن توجد حوارات بين الجميع لأن الوطن لا يبنى إلا بالحوار.
– طالبت بالحوار الوطني، أين هو اليوم برأيك؟
هي دعوة لكل الأحزاب والهيئات أن تندمج مع بعضها وتتفاعل، هم كحزب واحد لم يعطوا شيئاً من النتائج التي طرحوها، وهذا لا يتم إلا بالحوار، لم الخندقة؟ الحوار يصوّب الحقيقة بإطار وطني ملتزم، الحوار الوطني المخلص غير موجود، توجد أحزاب يمكن اعتبارها متممة ومكملة لكنها لا تعطي فاعلية ونتيجة. لدينا قوانين منذ العهد العثماني، ولم يطوروا قانوناً.
يوجد في الوطن مجموعتان متصارعتان، واحدة يدها على قلب الوطن خائفة عليه والثانية يدها في جيبة الوطن وتسرقه.
لدينا كفاءات هائلة في سورية تبدع في الخارج على كل المستويات، أما هنا فيدخلونها في قوالب ضيقة تنتمي إلى مصالح ويضيع الأشخاص فإما أن ينكفئوا على أنفسهم في البيوت أو يهاجرون، فيحضرون نسخاً بدائل مطاطية، مطرب أمني وكاتب أمني وشاعر أمني ورسام أمني.
– حين تذكر قصص تمردك تتحدث عن حكاية تحريض الفلاحين، برأيك أيهما أقوى فعلاً على الأرض حادثة كتلك أم التحريض عبر الفن؟
الفنان هو سلوك وفكر ولا يجوز أن ينفصلا عن بعضهما.
– معرضك الفردي الأول بعد انقطاع ثلاث سنوات أقمتَه في “ناي” آرت كافيه في مدينة اللاذقية، ما الفكرة من ذلك؟

إنه نوع من التحدي فأنا لست بحاجة إلى الصحف أو الصالات لتروّجني، لست ضد الصالات ولا ألغيها، لكن الجمهور الذي يتردد على الصالات هو نفسه بالتقاليد نفسها، لذا أحببت أن أذهب إلى الناس الذين لا يأتون إلى الصالات، وعرضت في الشارع، أصحاب المحلات هناك حين عرفوا أن المعرض لي تبرعوا بتنظيف شارع بأكمله وعلقوا اللوحات وجعلوه للعرض فقط، وكان هنالك ازدحام منقطع النظير عند الافتتاح وجمهور مختلف الشرائح ولا يقتصر على جمهور النخبة فقط الذي يأتي إلى الصالات، إنه الرئة التي أتنفس من خلالها.
– لاحظنا أن لوحات المعرض قديمة ومعروفة، هل السبب يعود لاستمرار الحاجة إلى موضوعات تلك اللوحات أم لغايات فنية؟

في الحقيقة خشينا من أن نطرح لوحات جديدة ولا يوافق الأمن عليها، فاقتصر الأمر على هذه اللوحات المعروفة، المضمونة.
كما فكرت أنه من الجيد تعميم هذه اللوحات على الناس من غير النخبة، على الجمهور البسيط. إنها لوحات تحمل مقومات الحياة بداخلها، ليست لساعة واحدة فقط، وهذا اختلافي مع الفنانين الآخرين، أنا أوظف الشكل الكاريكاتيري بإطار فكري، والناس استمتعت بهذا الأسلوب ولذلك لوحاتي تنطبق على كل زمان ومكان، تحمل بداخلها مضامين إنسانية، تتناول القمع والحرية والجوع والبيئة والديكتاتورية والظلم….، لذا من المفيد أن تعمم ويراها أكبر عدد من الجمهور..
– ما سبب التفاوت في سياسات وسائل النشر بحيث ينشر كاريكاتيرك في صحيفة عربية ولا ينشر في أخرى، رغم التقارب في سياسات الأنظمة العربية؟
الأمر يتعلق بتفاوت الحريات بين البلدان العربية، أنا أعرف أن قانون المطبوعات هو الذي يحدد المسؤولية. لكن هذا القانون يعتبر قانوناً للعقوبات وليس للمطبوعات، وجد كي لا نفكر في إصدار مجلة أو جريدة أو مطبوعة، والمواد المطروحة ضمنه لا تتناسب أبداً مع حرية التعبير والشفافية وحرية الرأي والحرية الإعلامية والإصدارات الخاصة، وأنا وقعت ضحية هذا القانون الذي لم يحمني إطلاقاً بل جاء ضدي، يُغرّم الصحفي ويحبس الصحفي و… اشتهينا مادة لأجل الصحفي وحمايته وكأنه الحارس الشخصي على قانون الطوارئ. اختلفت مرة معهم بالرأي فكادوا يسحبون هويتي، كما فعل اتحاد الكتّاب العرب مع أدونيس.
– هل من تقاليد يلتقي فنانو الكاريكاتير في سورية من خلالها؟ أو ما دور النقابة في ذلك؟

للأسف لا يوجد شيء كهذا، ومسألة النقابة هي وجاهية وليست تفعيلية، والنقابة ليست مكان تبادل أفكار ولقاء ومداخلات ومحاضرات، وهذا ينطبق على نقابات الفنانين التشكيليين والصحافيين والإعلاميين.. يمكن مثلاً لمن يتمتع بعضوية أن يأخذ راشيتة ويصرفها هناك.
أصحاب المواقف قلائل، الآن لا يوجد فنان أو صحفي أو ضمن إطار الفنانين أو اتحاد الكتّاب يمكنه أن يتكلم كما يريد، أما من فلتوا فقد فلتوا مثل الماغوط وزكريا تامر وعلي فرزات.
– تقول إن القضية الأساسية التي تعمل عليها هي أنظمة مستبدة وقمعية، وشعوب مقهورة، ما دورك في هذ،ا هل هو مخاطبة المسؤولين أم تحريض الشعب، وعلى أي منهما تعوّل أكثر؟

على الطرفين، لأن الصوت دون صدى لا يعني شيئاً.. أما الصوت والصدى فهو تفاعل الأجهزة الرسمية مع متطلبات الشارع، الشارع خائف لا يقول، والأجهزة لديها العقلية التي تستغل هذا الخوف لذا تنشأ الهوة بينهما ومجاملات شكلية سطحية، ومحسوبيات، ومن يستلم مواقع عديدة لا يمثل الشارع، لذا لا يسأل عنه وهو أتى أساساً لغاية معينة وتقاسم حصص وإن طالب المواطن بحقه وحاجته يقمعونه مباشرة كي لا يعيدها مرة ثانية، عندها المواطن يقمع نفسه بنفسه كي لا يتعرض لحالة صدامية، إنهم يخوّفونه طوال الليل والنهار، أنا مهمتي كسر حاجز الخوف عن المواطن وتسريح الشرطة من رأسه، وأقول له إن هذا وهمٌ وبإمكانه تجاوزه، وهذه المهمة ليست بسيطة، وهذا كما عملت أنا في الدومري، عندها خرجت الناس من إطار الحاجز، وراحت رهبة المخابرات في الطريق، أنا أول من كسرت حاجز الخوف في سورية لكنني دفعت الضريبة، صحيح إنه يوجد برامج نقد ومسلسلات وشخصيات تحكي لكن بصورة مشوهة فلم يستمروا بالطريقة الحقيقية التي مشيت بها.
– هل يمكن تصنيف الفنان مثلاً انتهازي، غير انتهازي، تحت سقف، مستفيد، معارض، موالٍ.. هل هذه التسميات موجودة؟

هذه المعلبات موجودة حقيقةً، يوجد تصنيفات مواطن متعاون، سلبي، إيجابي إنها مساطر أو مقاييس موجودة عندهم، إن لم تكن من حزبي ومجموعتي فتكون سلبي غير متعاون… حتى أدخلوا بذهن بعض الفنانين للأسف فكرة أن قمة الفن هي أن تتكلم بلغتي، أن تكون ببغاء لي، ومع الوقت يستزلم الفنان، وإن كان مطلوب منه خطوتين فيقدم أضعافهما، لذا يقم بعض الشعراء مديحاً مبالغاً فيصير شبيهاً بالذمّ تماماً، فقط للحصول على الرضا.
– يتهمك البعض من النخبة السورية بأنك كنت ابن السلطة، ثم تمردتَ عليها؟

لو كان هذا الكلام صحيحاً لما أغلقوا الجريدة لي، ولكنتُ متعاوناً واستمررت بشكل طبيعي.
– إن عادت الدومري، فما الشكل الأفضل لتعود فيه، هل هو الكاريكاتير فقط، أم أنها مشروع إعلامي صحافة وكاريكاتير؟

لا يزال مشروعي الأساسي هو أن يحمل بقدر الإمكان ملامح الناس والشارع بعيداً عن التزييف، لقد حصل أن عرض عليّ إغراءات مادية كدعم بحوالي 280 ألف بالأسبوع، منذ حوالي 4 أو 5 سنوات، لقد استدعاني أحد وزراء الإعلام وقال لي ما رأيك بإعادة الجريدة لأنه صار هنالك لغط في الداخل والخارج والناس يحكون، لكن لا تحمل السلّم بالعرض، حاول أن تكون كبقية الجرائد، فأجبت بأن المسطرة التي تقيسون بها كل الناس أنا لا أقاس بها..
أنتظر أن يأتي الظرف المناسب.
الآن لا يوجد رخص إلا لجرائد إعلانية وتجارية وحفلات وكازينوهات وطهور… ولا يمكنني أن أطلع ضمن ظروف إغرائية معينة لأكون مثلي مثل غيري، إنه اختلاف وطني.
لا أحد يقول إننا لم نرتكب أخطاء في الدومري، أو إنها خالية من المشاكل، لكنها مشروع وطني بامتياز، رغم تعرضنا لمشاكل وضغوط من الداخل والخارج، إنها مشروع مختلف وجديد منذ أغلقت الصحف الخاصة سنة 1963 وحتى الآن، وإغلاقها أحدثَ صدى كبيراً.
– هل تعتقد أن الشرط السياسي والثقافي الآن جاهزٌ لتعود الدومري؟

كيف ذلك وقانون المطبوعات سيف مسلطا على رقبتي؟ إنه غول أو شبح.
كنت أقول إن الكاريكاتير هو فن المبالغة، فرأينا أن الواقع أكثر غنى بالكاريكاتير من الكاريكاتير وأكثر مبالغة وصدماً.
– إذاً ما من عودة قريبة للدومري؟
كيف ستعود ضمن هذه الشروط؟ هذا صعب، رغم أنهم يرغبون أن تعود غداً بشروط إعلامية معينة، لكنني لا أريد أن أضحك على الناس، الأمر ليس مرهوناً بعلي فرزات بل بذاكرة الناس.

علي فرزات لصحيفة الهدهد الدولية : بعضنا قلبه على الوطن والبعض يده في جيب الوطن
رومانسية الجلاد العربي كما يراها الفنان علي فرزات

علي فرزات لصحيفة الهدهد الدولية : بعضنا قلبه على الوطن والبعض يده في جيب الوطن
دور الكتاب الاخضر في حياة الشعب الليبي بريشة علي فرزات

السبت 28 مارس 2009
حاورته مايا جاموس
الهدهد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى