استراتيجيات للخروج”
محمد ابرهيم
يكاد تعبير “استراتيجية للخروج” يعبّر عن مجمل النشاطات التي تنخرط فيها الادارة الاميركية الجديدة.
فبعد استراتيجية الخروج من العراق التي تولى تحديد مداها الزمني الاقصى الرئيس السابق جورج بوش، اتى الرئيس الحالي باراك اوباما ليجعلها برنامجا عمليا يبدأ بحلول ايلول المقبل.
وكان من المظنون سابقا ان الخروج من العراق سيمكّن أوباما من التركيز على المعركة في افغانستان، كما وعد في حملته الانتخابية، فاذا باستراتيجية للخروج من افغانستان تطل برأسها، بعدما تبين مقدار الصعوبات التي تواجه المعركة هناك.
وبعدما كان التركيز على اختلاف طبيعة المواجهة في افغانستان عنها في العراق، فالاولى حرب ضد الارهاب بينما الثانية انحراف نحو سياسات القوة، اذا بادارة اوباما تجد ان استنساخ ما حصل في العراق هو افضل طريقة لمغادرة افغانستان.
لا بل بدأ التلميح الى ان المهم بالنسبة الى المعركة في افغانستان هو “التأكد من ان القاعدة لا تستطيع مهاجمة الاراضي الاميركية” مما يغير في المعايير التي يمكن اعتبارها كافية لاتخاذ القرار بمغادرة افغانستان.
استراتيجية الخروج نفسها اطلت بنسخة ايرانية من خلال المخاطبة المباشرة للشعب الايراني حيث كان الابرز من الكلمة التي وجهها اوباما للايرانيين لمناسبة عيد النوروز هو ما غاب عنها، اي ذكر البرنامج النووي الايراني والموقف الاميركي التقليدي منه.
ولان ادارة اوباما تشير بمناسبة وبدون مناسبة الى ضرورة التعاطي مع “المشكلات” في اطارها الاقليمي يصبح معروفا ما هي الروح التي تتخلل توجه اوباما المباشر للايرانيين. فإيران هي الاطار الاقليمي لثلاث مشاكل: عراقية، افغانية، فلسطينية. فكيف يمكن الامل بتأمين تعاون هذا الاطار في استراتيجيات الخروج المتعددة اذا لم يتأمن التعاون الايراني؟
ربما يكون المخرج لاستراتيجيات الخروج هو في اعادة تعريف المشروع النووي الايراني نفسه، من حيث مداه الزمني، ومن حيث المسموح والممنوع في اطار المعاهدات الدولية طالما ان اكثر من طرف دولي يشجع على اعتبار ان المخاوف من “النووي الايراني” مضخمة.
وتستكمل استراتيجيات الخروج رحلتها وتأخذ اسم اعادة اطلاق العلاقات الروسية – الاميركية بعد فترة البرود التي شهدتها مع جورج بوش. وهنا يتطلب الامر ايضا تحديد كيفية الخروج من المأزق الذي حُشرت فيه العلاقات الروسية – الاميركية من بوابة الدرع الصاروخية التي تزمع واشنطن نشرها في اوروبا الشرقية، والطريف طبعا هو ان الدرع موجهة للمخاطر الايرانية النووية والصاروخية، فيما صرخات الوجع والاحتجاج عليها تأتي من روسيا.
كلام كثير بدأ يقال حول صفقة روسية – اميركية في مواجهة ايران تشكل مخرجا للازمة مع ايران، بينما هي في الحقيقة تشكل مخرجا من التزام نشر الدرع الصاروخية الاميركية التي تعلن روسيا انها ستكون بداية سباق تسلح جديد.
ومن الطرائف هنا ان مثل هذا السباق للتسلح ليست الولايات المتحدة في وارده هذه الايام فيما العجز في الموازنة الاميركية يشهد ارقاما خرافية للتصدي للازمة المالية المعروفة. ووجه الطرافة في الامر ان الاتحاد السوفياتي السابق قام بانحراف حاد في سياساته الخارجية – التسليحية قبل انهياره لاسباب اقتصادية ايضا.
نأتي اخيرا اذاً الى استراتيجية الخروج الاخيرة المطلوبة من الادارة الاميركية الحالية، وهي المتعلقة بالازمة المالية وآخر نسخها الاستعاضة عن تأميم المصارف، الذي لا يجوز اميركيا، بشراء ما يسمى “الاصول المسمومة” التي تشل النظام المصرفي الاميركي. هنا استراتيجية الخروج ينبغي ان تحافظ على المظاهر ولو كان الامر على شكل الاستعانة بهيئة مشتركة من القطاعين العام والخاص لشراء الاصول المسمومة، تمول الحكومة مساهمتها فيها، وتمول مساهمة القطاع الخاص… الحكومة ايضا، وانما بواسطة القروض.
بين كل استراتيجيات الخروج التي تعمل عليها ادارة اوباما الاكثر الحاحا والموجودة على جدول اعمال الرئيس هي الاخيرة، بينما الاستراتيجيات الاخرى تكاد تصبح اطلالات تلفزيونية مدروسة، وارسال في الوقت المناسب لمندوبين دائمين يجري اطلاق تعيينهم وتحركاتهم بحملات اعلامية ملائمة.
ربما نسينا في رحلتنا لاستراتيجيات الخروج تلك الخاصة بالمشكلة مع كوريا الشمالية. لكن هنا يمكن ان يطمئن الرئيس الاميركي الى ان معاونة روسيا والصين كفيلة بوضع “آل كيم” عند حدهم.
النهار