الأسد يفتح الأبواب وفق «الثوابت التقليديّة» والجميع يراجع حساباته
جورج علم
جنبلاط قطع نصف الطريق وفيلتمان يُغرق الانتخابات بشروط أميركية
ربّ صدفة خير من ميعاد، لكن لم تكن صدفة بالتأكيد أن يتزامن تعيين أول سفير سوري في لبنان مع الرسائل الصريحة المباشرة التي وجهها الرئيس بشّار الأسد عبر «السفير”، وفي أول حديث شامل متكامل بعدما أقلعت طائرة المصالحات العربيّة.
ويشير هذا التزامن الى تصميم واضح على ترسيم حدود العلاقات والمصالح بانفتاح وشفافية، حدودها ثوابت التاريخ والجغرافيا والمبادئ التي تستند اليها دمشق في سياستها الخارجيّة مع الأقربين والأبعدين، والتي لا تتغير مع تغيير الملابس، ولا تتبدل مع تبدل الفصول السياسية.
وكان من الطبيعي أن تظهر الى السطح، اعتباراًَ من أمس نوعيات «عشوائيّة” من التعليقات الأوليّة، على اعتبار أن ردود الفعل «الأصليّة” لم يشملها بعد مرور الزمن، ولم تستهلك كامل رصيد الفترة الافتراضيّة التي تتطلبها القراءة الهادئة «لتفلية” الحديث، والتمعن بمضامينه، ودرسها بتأن لاستنتاج وتحليل خلفياتها وأبعادها، إلاّ أن هذه العشوائية نبتت أيضاً على ضفاف الانهماك السياسي بشؤون الانتخابات النيابيّة وحسابات الأحجام والأوزان عند كل طرف وفريق سواء في 8 أو 14 آذار، حيث يؤكد أكثر من مصدر بأن «الرسائل اللبنانيّة” كانت غنيّة في سياق الحديث، ونُظر إلى بعضها فوراً من منظار جانبي، ومن منطلق استيضاحي وعلى قاعدة: إلى أي مدى يشكّل ما ورد في الحديث دعماً لهذه الفعالية او تلك؟ او أين ستصرف كلّ هذه الأرصدة السياسيّة والمعنويّة في زمن الانتخابات؟ ومن هم المستفيدون الحقيقيون منها؟
وليس خفيّاً ـ كما يقول مصدر نيابي أكثري ـ أن يغمر البيت السياسي اللبناني اهتمام غير مسبوق في مراجعة الحسابات عند الجميع، «لأن ما هو ماثل الآن، مختلف عمّا كان في ماضي الأيام، أما المستقبل فمختلف إذ تبدأ الحسابات بعد الانتخابات لا قبلها، أيّاً كان حجم عملية استدراج العروض، ونوعيّة وطبيعة المستدرجين”.
وبرز، أمس، بين أهل السياسة من يقول بأن الحديث كان برسم الجميع، ولم يستثن أصدقاء، ليتوجه إلى آخرين في التركيبة السياسيّة، وإذا كان التحفظ هو السمة التي طغت على أجواء قوى 14 آذار، فإن المبالغة في التحفظ قد دهمت أيضاً حصون بعض قوى 8 آذار باستثناء النائب والوزير السابق سليمان فرنجيّة، الذي يعرف مكانه وفق حدود صداقته وتحالفاته، والذي لم يفاجأ بالحديث ولم تعتره الدهشة، لأن ما يعرفه أعمق بكثير مما ورد بين السطور، وإذا كان «الرطل في مكانه قنطاراً، فقناطير فرنجيّة ربما ستظهرها على حقيقتها مواعيد السابع من حزيران واستحقاقاتها”.
حتى العماد ميشال عون الذي كانت له التفاتة خاصة، لم يستوعب عمق التحول الاستراتيجي الذي قام به، والكلام هنا لبعض أنصاره، ذلك أنه بعد الزيارة التاريخيّة الى سوريا، والحفاوة التي أحيط بها كان عليه أن يتروى، ويركن في الموقع المميز الذي اختاره، ويشكّل بِصَمته «تسونامي” انتخابيّة حقيقية، ويتصرف كزعيم مسيحي مشرقي، ويطلّ من هذا العلو على الناس، خصوصاً على جمهوره بمستويات منزّهة من الشوائب والانزلاقات التي تنال من رصيده السياسي، ولا تضاعف من رصيده الانتخابي.
أما في المقلب الآخر فهناك من يقول بأن الثوابت التي حددها الأسد للوصول الى أبواب الشام «المفتوحة للجميع” هي مبدئيّة وطبيعة ولا تمت بشيء الى أسلوب السهل الممتنع، كما أراد ان يصورها بعض الفرقاء في 14 آذار، والدليل ان في هذا الفريق من يقول بأن رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط قد قطع نصف الطريق قبل أن يعلن الرئيس الأسد عن المبادئ والثوابت التي يجب أن تتوافر عند كل طالب تأشيرة. كما يتوقع له أن يقطع النصف الآخر بعد السابع من حزيران.
بدورها كانت المواقف الأخيرة لرئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري لافتة وقد فتحت نوافذ ولو ضيقة باتجاه دمشق، على الرغم من ان موقعه في الوقت الراهن يستقر عند مفترق طرق وخيارات، فهناك المصالحة السورية ـ السعودية من جهة، وهناك المحكمة الدوليّة ومستلزماتها الأدبيّة من جهة أخرى، من دون إغفال الماضي، وما تخلله مسارها التمهيدي من هنات ووهدات، واتهامات سياسيّة.
وتأتي بعض الومضات اللافتة في المواقف التي أطلقها أثناء زيارته الى بريطانيا لتؤكد على أن إقامته الراهنة لن تستمر أبعد من السابع من حزيران، وبالتالي فالمرحلة هي مرحلة انتخابات، وبعد هذا الاستحقاق لا بدّ من إعادة تموضع وفق ما تكون قد رست عليه الأحجام والأوزان الجديدة للكتل السياسيّة في المجلس النيابي الجديد، وأيضاً التطورات المتسارعة في المنطقة.
ويشبّه دبلوماسي عربي هذه التطورات بالمدرج الذي لا بدّ أن تحطّ عليه طائرة المصالحات العربيّة التي انطلقت، ووجهتها الدوحة، حيث تحتبس الأنفاس لمعرفة كم أن القمة الدورية التي ستعقد اعتباراً من نهاية هذا الأسبوع مؤاتية لترسيخ المصالحات وتعميقها وتفعيل التضامن العربي، والعمل العربي المشترك، مع الإصرار والتأكيد بأن الرحلة التي انطلقت بها الطائرة تستدعي العناية والرعاية المسؤولة لمسار الرحلة بكامل تفاصيلها حتى تحطّ الطائرة بسلام، بعد بلوغها المدرج المقصود.
وليس بالضرورة ـ برأي المصدر ـ أن تكون الطائرة خاصة بالمصالحات العربيّة، بعدما تبين أن المصالحات مع لبنان قد أخذت في حديث الرئيس الأسد المكان الذي يليق بها على متن هذه الطائرة، والدليل أن «التأشيرة” قد تغيّرت، ولم تعد وفق المواصفات التي كانت قائمة منذ أواخر التسعينيات وحتى مطلع الألف الثالث، بل هناك مواصفات جديدة هي برسم الجميع إن في صفوف الأكثريّة ام الأقليّة، مغايرة تماماً لتلك التي قدمها مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط بالوكالة السفير جبفري فيلتمان أمام اللجنة الفرعيّة لشؤون الشرق الاوسط وجنوب آسيا في مجلس النواب برئاسة النائب غاري أكيرمان.
واللافت على هذا الصعيد هو التناقض الكبير في المقاربات والتوجهات، وإذ شاء الرئيس الأسد ان يطوي الصفحة ليفتح صفحة جديدة مع تعيين سفير معتمد من قبله في بيروت، فإن فيلتمان أعاد بمقاربته أمام الكونغرس عقارب الساعة الى الوراء، وتحدّث بلغة الوصي على لبنان وحدد المواصفات الأميركيّة للانتخابات، معتبرا ان الصوت المسيحي سيحدد الأكثرية في المجلس النيابي والحكومة، وتوقع تقييم شكل برامج المساعدة الاميركية في إطار نتائجها والسياسات التي ستشكلها الحكومة الجديدة مشدداً على ان «حزب الله يبقى خطراً على لبنان”.
السفير