أي سلام مع حكومة نتنياهو ؟
عبدالله تركماني
في عام 1996 قدم أقطاب من تيار ” المحافظين الجدد ” الأمريكيين، بينهم دوغلاس فيث، وريتشارد بيرل، وبول وولفوفيتز، تقدير موقف استراتيجي إلى نتنياهو عشية ترؤسه الحكومة الإسرائيلية، نصحوه بالابتعاد عن عملية السلام لأنها ” تضعف إسرائيل “، والعودة إلى المفهوم القائم على موازين القوى. واليوم، مع حكومة نتنياهو الجديدة، تبدو وجهة إسرائيل واضحة نحو دفن خيار السلام الحقيقي، العادل والشامل والدائم، رسميا. كما يبدو أنه لن يكون هناك فرق بين أن تضع حكومة نتنياهو العراقيل أمام استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية والحكومة السورية, أو أن تقبل العودة إلى هذه المفاوضات بلا أفق لها ولا جدوى منها.
ومن القرائن المتعلقة بالنهج الذي سيعتمده نتنياهو مع الفلسطينيين رفضه التعهد بمبدأ ” دولتين للشعبين “. وحيال سورية، يعتمد سياسة ” الانسحاب في الجولان “، وقد قال في خطاب ألقاه أمام الكنيست في افتتاح الدورة الشتوية، في27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ” هضبة الجولان ستبقى الحزام الأمني الشرقي لدولة إسرائيل “.
وفي المقابل، إذا كانت توجهات الرئيس الأمريكي باراك أوباما ترتكز إلى ” ديبلوماسية الحوار ” في منطقة الشرق الأوسط، من خلال مقاربة تربط بين الملفات المختلفة، فإنّ توجهات حكومة نتنياهو تثير قلقا أمريكيا. خاصة أنّ جورج ميتشيل، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، كان قد صرح بأن ” السلام الاقتصادي ” الذي يطرحه نتنياهو مع الفلسطينيين لن يكون مقبولا لدى الإدارة الأمريكية. وبعد ذلك تصريح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بوجوب ” التوصل إلى الحل المبني على قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية “.
وفي كل الأحوال، ولأنه في الحسابات الإسرائيلية من غير المفيد الدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية، فإنّ حكومة نتنياهو ستحاول إبراز مدى اهتمامها بالتعاون مع المبعوث الأمريكي، وستبدأ بإلقاء اللوم على الفلسطينيين والعرب إزاء العثرات التي يمكن أن يواجهها في مهمته. ليس هذا فحسب، بل أنّ استمرار عملية التسوية وفق المواصفات الإسرائيلية سيوفر، كما في السابق، الغطاء اللازم للحكومة الجديدة للاستمرار، بل وتكثيف خلق الوقائع على الأرض، وخصوصا في موضوع الاستيطان. وأحيانا عندما يذهب نتنياهو وحلفاؤه في عملية علاقات عامة سياسية، يتحدثون عن حكم ذاتي فلسطيني، ويفسرون الحكم الذاتي بأنه سيادة محدودة، مستعينين في هذا المجال بنظريات السيادة المحدودة لأستاذ العلوم السياسية الأمريكي ستيفن كريزنر.
وقد يحاول نتنياهو الانفتاح بعض الشيء، عبر توجيه رسائل، عن استعداده للتفاوض على المسار السوري، مع التذكير بأنّ سياسة اللعب على المسارات كانت دائما سمة أساسية في المفاوضات الإسرائيلية – العربية، ضمن هذا المنطق قد يقوم نتنياهو أو يوحي باستعداده للتفاوض على هذا المسار من أجل المزيد من الضغط على المسار الفلسطيني، ومن أجل القول إنه معني بعملية السلام.
وقد تحاول حكومتة الهروب من الإجابة على تساؤلات الإدارة الأمريكية بتضخيم الخطر الإيراني وتشعباته في الجوار الإسرائيلي عبر ” حماس ” و ” حزب الله “، من أجل تسويق فكرة أنّ السلام لن يكون ممكنا في ظل استمرار التهديد الإيراني، وأنّ أولوية الأمن الإسرائيلي تفرض التصدي للخطر الإيراني، وليس إقامة الدولة الفلسطينية.
وفي الواقع لا يمكن التعامل مع حكومة التطرف اليميني في إسرائيل باعتباره سيؤثر فقط على عملية السلام العربي – الإسرائيلي، بل لابد من التعاطي مع هذا الحدث باعتبار أنّ تأثيراته ستشمل كل المنطقة، لأنه سيؤثر على التحالفات الإقليمية، بما قد يعيد تشكيلها على أسس جديدة. فإذا كانت معظم دول المنطقة لديها تخوفات من مطامع إقليمية إيرانية، فمن المرجح أنها، في المرحلة المقبلة، ستسعى إلى الاقتراب أكثر من إيران وتركيا من أجل إحداث توازن في المنطقة، محاولة منها للتعاطي المجدي مع التداعيات الإقليمية لسيطرة اليمين المتطرف الإسرائيلي على الحكم.
إزاء هذه الاحتمالات لم يعد ثمة مناص أمام الفلسطينيين من مراجعة خياراتهم السياسية، وعدم حصرها بخيار واحد، والبحث عن خيارات بديلة أو موازية، كخيار المقاومة الشعبية بأشكالها المختلفة، كتحدٍ للسياسة التي تنتهجها إسرائيل، ووضعها أمام مسؤولياتها كدولة محتلة: إما بوصفها دولة استعمارية عنصرية لا ديموقراطية ” أبارتهيد “، أو انتهاء طابعها كدولة يهودية، وتحولها إلى دولة ثنائية القومية، بحكم الأمر الواقع أو بحكم القانون، والقبول المتبادل. ومن المؤكد أنه ليس المطلوب من الفلسطينيين رفع سقف الشعارات فيما يتعلق بالمفاوضات، بل المطلوب إحداث تغيير جوهري واستراتيجي في الرؤية الفلسطينية للمفاوضات.
وإذا كانت الظروف والتطورات، الدولية والإقليمية والداخلية، خاصة أطروحات اليمين الإسرائيلي حول السلام، تدفع إلى تغييرات أكيدة في سورية، فمن المهم محاولة رؤية محتوى ومضامين ومستويات هذه التغييرات، خاصة إنجاز الإصلاح السياسي الداخلي الذي طال انتظاره، وصوغ أسئلة وأولويات جديدة.
كما أنّ توصل الدول العربية إلى اتفاق على موقف موحد من خيارات السلام مع إسرائيل في قمة الدوحة القادمة، سوف يحرج إسرائيل ويضع نية الإدارة الأمريكية موضع اختبار، خصوصا بالنسبة إلى ادعاء سعيها لجعل الأمن والاستقرار يعمان المنطقة، بعدما تأكد لها أنّ العنف والحروب لم يحققا أي انتصار وأية أهداف لأي طرف.