حدود الضغط الأميركي على نتنياهو
سميح صعب
أقر الرئيس الاميركي باراك اوباما بأن المضي في عملية السلام سيكون اصعب بوجود حكومة في اسرائيل تهيمن عليها احزاب اليمين واليمين المتطرف. وبمقدار ما ينطوي هذا الموقف على توصيف للواقع السياسي الذي افرزته الانتخابات الاسرائيلية، فإنه ينطوي ايضاً على احتمال فقدان الزخم الاميركي الذي بدأ مع وصول اوباما الى البيت الابيض ومسارعته الى تعيين مبعوث خاص لعملية السلام.
لا شك في ان كثيراً من التفاؤل الذي تولّد لدى البعض بامكان انتشال عملية السلام من الهوة التي اوقعها فيها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، قد تبدد مع الفوز الذي حققته الاحزاب اليمينية والدينية المتطرفة في الانتخابات الاسرائيلية، وتالياً تكليف بنيامين نتنياهو تأليف الحكومة الجديدة. الا ان هذا لا يعني ان حكومة ايهود اولمرت اثبتت انها افضل على صعيد السعي الى السلام.
ولكن مع نتنياهو سيكون الامر أكثر سوءاً. وعندما سئل الرجل رأيه في قول اوباما ان السلام سيكون اصعب مع وجود حكومة يمينية في اسرائيل، كان جوابه حاسماً بأنه يستبعد ان تمارس اميركا ضغوطاً على حكومته في ما يتعلق بالعملية السلمية. وعدم ممارسة الضغوط يعني اطلاق العنان للحكومة الاسرائيلية الجديدة في تنفيذ مشاريع الاستيطان واقامة ربط محكم بين القدس ومستوطنات الضفة الغربية بحيث يستحيل على الفلسطينيين اقامة دولة قابلة للحياة في المستقبل.
ولأن اقامة دولة فلسطينية امر غير قابل للتصوّر في ظل حكومة نتنياهو، يعرض الاخير تصوراً كان ينادي به منذ وجوده في المعارضة، اي “السلام الاقتصادي” في مقابل ارجاء الفلسطينيين والمجتمع الدولي اي بحث في انشاء دولة فلسطينية مستقلة. وكان نتنياهو واضحاً وهو يضم ايهود باراك الى جانبه في الائتلاف الجديد. وقال انه مع التفاوض مع الفلسطينيين من دون ان يتحدث عن افق هذا التفاوض.
ويراهن نتنياهو على انه عبر إلهاء واشنطن واللجنة الرباعية والاتحاد الاوروبي بالحديث عن تطوير الاقتصاد الفلسطيني، يمكن تناسي موضوع الدولة التي لا يمكن ان تكون مدار بحث في حكومة تضم افيغدور ليبرمان الذي يبحث عن سبل لطرد ما تبقى من فلسطينيي 1948، وما المسيرة التي نظمها المتطرفون اليهود الى مدينة ام الفحم سوى بداية التحرك الاسرائيلي في هذا الاتجاه.
اذاً كيف يمكن ليبرمان ان يبحث في اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وجعل القدس عاصمة لها؟
من المؤكد ان التحرك الاميركي الذي برز في الايام الاولى لرئاسة اوباما سيفقد الكثير من الزخم عندما يحتك بالموقف الاسرائيلي. واذا كانت واشنطن تراهن على ان وجود باراك داخل الحكومة الاسرائيلية يمكن ان يحد من تطرفها او تجاهلها لمسألة حل الدولتين، فإن الامل ضعيف هنا باحتمال ان يوازن باراك الثقل الذي تشكّله الاحزاب اليمينية والدينية المتشددة التي ترفض التطرق الى قضايا الوضع النهائي مع الفلسطينيين والتي تدخل في نطاقها اقامة دولة فلسطينية مستقلة.
فباراك نفسه دخل الحكومة من موقع الضعيف وليس من موقع القوي، وان قال انه لا يخاف من نتنياهو، ثم ان حزبه يعاني انقساماً زاد تفاقماً مع قبوله الدخول في ائتلاف مع اليمين واليمين المتطرف. وبكلام آخر ان باراك وحزبه في مأزق، وتنظر اليهما القوى السياسية الاخرى على ان دورهما قد انتهى.
وامام الواقع السياسي الجديد في اسرائيل وتركيز اوباما على افغانستان وايران، فإن الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي مرشح مجدداً كي يذهب ضحية موقف اسرائيل الثابت برفض الدولة الفلسطينية (ولو قال اولمرت العكس) وضحية انشغال الولايات المتحدة بالخروج من صراعات صنعتها هي بنفسها. بالامس كان العراق واليوم افغانستان!
النهار