محنة النت في سورية
عمر عبد اللطيف
سورية من الدول العشر الأشد عداء للانترنت وحرية التعبير ومن أكثرها حجباً للمواقع الالكترونية؟ هذا ما قالته منظمة (article 19).
فبعد الحملة الشرسة التي شنتها الحكومة السورية علي الاعلام الالكتروني وصل عدد الصحف والمواقع المحجوبة الي أكثر من 110 (صحف ومواقع)، حسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود ، و151 موقعا لا يمكن الوصول اليها حسب المركز السوري للاعلام وحرية التعبير، وأشهر هذه الصحف والمواقع (الشرق الأوسط، القدس العربي، النهار، ايلاف، facebook، youtube). ونكاد لا نجد صحيفة الكترونية في سورية الا وتعرضت لمضايقات وضغوط أو استدعاءات أمنية وحجب.. باستثناء المواقع الجنسية فهي متاحة لمن هب ودب.
سياسة الحجب هذه تعود عليها القراء ومتصفحو الشبكة العنكبوتية في سورية. فهم لا يستطيعون سوي التذمر والتأفف.. فليس باليد حيلة، ما دامت الحيل جميعها بأيدي السلطات ووزارة الاتصالات، لذا بات من المحتم عليهم البحث عن أحدث البروكسيات لفك الحجب وكسر المحظور. يبدو أن وأد الصحف والمواقع الالكترونية منهج مستمر، خاصة مع تزايد عدد الصحف الالكترونية وانتشارها بشكل سريع، فهي تشكل الآن مصدرا هاما للخبر والمعلومة في سورية، بعد أن يئس القراء من الاعلام المطبوع والمتلفز.
الصحف الالكترونية هذه سواء أكانت تعمل داخل سورية أم خارجها محكوم عليها بالحجب في أي لحظة ودون سابق انذار، فمن يبدي رأيا مخالفا وانتقد مؤسسات الدولة يحكم عليه بالحجب، ويتراوح هذا الحجب ما بين المؤقت والدائم حسب حدة الانتقاد ودرجته، كما جاء في تعميمات وزارة الاتصالات الميمونة التي أصدرت قراراً يطلب من أصحاب المواقع الالكترونية في سورية توخي الدقة والموضوعية في نشر أي مقال في مواقعهم أو أي تعليق يرد اليهم والتأكد من ورود الاسم الصريح لكاتب المقال أو التعليق المنشور والعنوان الالكتروني الذي ورد منه وضرورة كتابة اسم ناشر المقال والتعليق بشكل واضح ومفصل، وحدد القرار ثلاث عقوبات تبدأ بإنذار صاحب الموقع، ثم الحجب المؤقت، وتنتهي بالحجب النهائي للموقع في حال تكرار الأمر.
وفي سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ الاعلام السوري تبلورت أزمة الاعلام الالكتروني في سورية عندما رفع رئيس تحرير موقع (النزاهة) ومديره المسؤول دعوة قضائية ضد وزارة الاتصالات لحجبها الموقع دون مبررات قانونية تستند اليها، الي أن انتهت الدعوي بإصدار محكمة القضاء الاداري بدمشق قراراً يقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوي بحجة عدم ابراز الموقع النص المكتوب لقرار الحجب، الأمر الذي عجز عنه الموقع لاستحالة الحصول عليه باعتباره صادرا من جهة أمنية..!! سياسة الحجب والتضييق علي الحريات ووسائل الاعلام بحجج واهية وغير منطقية، تجاوزها الزمن منذ أمد بعيد مع تفجر ثورة الاتصالات والمعلومات، لكن البعض يحاول الرجوع الي الوراء ليخالف القوانين والدساتير التي كفلت حرية الرأي والتعبير، ويبتدع مناخا خاصا بسورية من خلال هذه الممارسات والسلوكيات المهينة لآدمية الانسان وحقه في التعبير عن رأيه دون أن يخشي ذلك الشرطي الذي يتحكم بحياته ليلا ونهارا. فلا بد من اعادة النظر في هذه القرارات والتعليمات التي تتحكم بعمل الاعلام السوري ــ قبل أن يفرض الواقع شروطه مع مرور الزمن ــ ليتطور ويؤدي مهامه قبل أن ينزوي ويموت..!
كاتب وصحافي سوري