المغفور له عبد الغفور
سعاد جروس
«التمسك بفكر حزب البعث العربي الاشتراكي طوق الخلاص لأمتنا»
قرأ المغفور له المواطن عبد الغفور الشعار المعلق على مبنى الإذاعة والتلفزيون لدى عبوره ساحة الأمويين بالتاكسي, فيما الأفكار تتجاذبه تارة نحو اليمين وأخرى نحو اليسار, بحثا عن حل لإنقاذ وضعه المعيشي الآيل للهبوط السريع, قبل اختفائه مع اختفاء الطبقة الوسطى, وتصدير أبنائها الميسورين إلى خانة المستورين على باب الله.
وبما أن المواطن المغفور له عبد الغفور, واحد من الرعيل المتمسك بأهداب طبقة آيلة للزوال, فلا بد له من البحث عن مصادر للبقاء على قيودها, مثله في هذه اللحظة وهو يبحث عن طوق نجاة ينقذه من عداد سائق التاكسي الذي لا بد سيشفط منه مبلغا ضعف الرقم الظاهر على الشاشة لأن سعر البنزين ارتفع, ومن لا يعجبه ليركب سرفيس أو «حده الجهنم», وأيا كانت درجة سعيرها فهي لا شك أبرد من درجة نار الأسعار بعد رفع سعر المازوت.
كواحدة من نتائج البروفة المستديمة التي تجريها حكومتنا منذ أكثر من عام على عواقب فتح السوق على الجنون التصاعدي للارتفاعات المتوالية, ما أثبت أن لا طوق نجاة لعبد الغفور سوى «الصبر»؛ لكن الصبر مجرب وأيوب مات ولم ينل من صبره سوى الصبر المر, مرارة صبرنا على تصريحات صابر, الله يذكره بالخير, والصبر وصفوه لأم كلثوم ورفضته فلا هي أيوب ولا الصبر أكثر من «خيال وكلام يدوب يتقال».
صرخ عبد الغفور بملء شدقيه… آمنت بالله… لدى قراءته سهواً للشعار المرفوع بمناسبة ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي, والذي يدله أو يؤكد له أن التمسك بفكر البعث طوق الخلاص لأمتنا, وكاد يخر مغشياً عليه من الفرحة بعثوره على طوق الخلاص الواحد الوحيد, لولا أن السائق نهره ليدفع قيمة العداد وينزل من السيارة بفم ساكت.
فرحة المغفور له المواطن الغيور لم تكن كما توقعنا لعثوره على طوق النجاة, وإنما لعثوره على كلمة «الاشتراكي» حية ترزق في تسمية الحزب, وكان يظن أن جنازتها شيعت يوم زف إلى صحفنا الرسمية مصطلح «سوق الاقتصاد الاجتماعي». وبما أن «الاشتراكية» لا تزال حية على اللافتات وفي الشعارات, وأيضا بما أنه أي المغفور له بعثي سابق بلا سوابق, مولع بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية, قرر العودة إلى صفوف الحزب للتمسك بفكره والنضال ضد وحشية السوق الاجتماعي وضد رفع الدعم ورفع الأسعار, وضد المضاربات العقارية للمستثمرين العرب الذين يشترون أرضه بتراب الفلوس ويعيدون بيعها لأبناء البلد بالمليارات.
المغفور له عبد الغفور لا يصدق هذا الشعار وحسب, بل هو مؤمن به, ويؤلمه أن أيا من المارة لم يلتفت إليه, وأن موظفي التلفزيون من أصحاب عبد الغفور لم يقفوا عنده أو يقرأوه, على الرغم من أهميته البالغة للجماهير الكادحة من العمال والفلاحين وصغار الكسبة, فهذا الشعار هو الحل السحري بحسب إيمان عبد الغفور ومعتقداته, والمشكلة ليست في الشعار ولا في المؤمنين به, بل بإقناع الحكومة بضرورة التمسك بفكر الحزب!! ودرء تسارع التداعيات الكارثية الناجمة عن فتح السوق بالمقلوب, ومعالجة رئيس الحكومة من إدمانه رش السكر على الموت, بتأكيده بأن سعر الخبز خط أحمر, بينما هو قوس قزح, أو الوعود بزيادة على الرواتب, معلوم أنها صعبة ونحن مقبلون على سنة اقتصادية عسيرة جراء الجفاف في المناطق الشرقية, وضعف موسم القمح والزيتون والزراعات الأساسية… يزيد في عسرها وتعثرها ما يترتب على المواطن يومياً من أعباء إضافية: فواتير هاتف ثابت وجوال وانترنت وماء وكهرباء تصاعدية وضرائب ومخالفات, وما انزل به من سلطان, وكل ما يجعل التقرير الحكومي يفاخر بأنه يحقق نمواً اقتصادياً, بحيث أصبح التقرير هو الغاية لا المواطن المغفور له الممصوص المدعوس المفعوس المتروك بلا طوق خلاص تحت رحمة حكمة الفريق الاقتصادي ووزير الضرائب المالية.
المواطن عبد الغفور المتمسك بفكر الحزب منذ أكثر من أربعين عاماً, لا مانع لديه بل هو على أتم الاستعداد للبقاء متمسكاً إلى ما شاء الله بهذا الفكر, وهو أيضا على استعداد لتجديده وتلميعه بعرق جبينه, لكن من يضمن له ألا يفرض وزير المالية ضريبة رفاهية على التمتع بحيازة فكر قومي نادر الوجود, باعتباره تحفة والتمسك به ترفاً لا يستحقه المواطن المسحوق المدعو عبد الغفور, ومن يضمن ألا تلاحقه شبهات الدس والاندساس فيما لا يعنيه من شؤون الفكر والثقافة والسياسة, في وقت يفرض عليه التفكير بتأمين الرغيف, لا بطوق نجاة الصغيرة والكبيرة, وكلام وخيال أم كلثوم, وأمنت بالله يا لور دكاش… ولا حول ولا قوة بدأنا.
نهذي, قبل أن نعرف ما سيحل بالعبد لله عبد الغفور المأسوف على عقله وشبابه وشبابنا الضائع في حساب ما يتبقى لنا ولأصحاب المهن الحرة ولعاملي القطاع الخاص وسائر مكونات الطبقة الوسطى, مع الصعود الصاروخي لطبقة طفيلية تنبت من القاع بين ليلة وضحاها وتأتي على الأخضر واليابس, ماذا يتبقى لنا غير الفكر, فهل يتركونه لنا, أو يتركوننا نتمسك به؟ مجرد سؤال أو تخاريف وأضغاث أفكار تستدعيها مناسبة… تذكرنا بأن «حزب البعث العربي الاشتراكي» المولود في سبعة نيسان حي يرزق, ومازال اشتراكياً.
نحن تذكرنا لأن عبد الغفور ذكرنا بذلك, لكن من يذّكر الحكومة قبل أن تمر المناسبة وننسى؟…
يا رب ارحم.