العرب على أعتاب قمة الدوحة
د.عبدالله السيد ولد أباه
من الواضح أن مستجدات أربعة رئيسة ستهيمن على قمة الدوحة التي ستنعقد الأسبوع المقبل (30 مارس): تداعيات حرب غزة بما فيها المعادلة السياسية الجديدة في إسرائيل، ملف المصالحة العربية الذي اعتمدته قمة الكويت الطارئة، أزمة العلاقات المتوترة بين إيران وعدد من الدول العربية، ومذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير الصادرة عن محكمة الجنايات الدولية.
بخصوص المحور الأول، تتعين الإشارة إلى أن حرب غزة خلفت نتيجتين أساسيتين غيرتا نوعيا بعض معطيات الوضع الداخلي الفلسطيني والوضع الإقليمي الأوسع:
أولاهما: إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية التي هي الطرف الشرعي المقبول دوليا، وفي المقابل تصاعد شعبية ونفوذ حركة حماس التي نجحت في تمرير صورة «الصامد المنتصر» مقابل «خنوع واستسلام» السلطة الحاكمة في رام الله (بغض النظر عن طبيعة الموقف عمليا على الأرض). وهكذا أصبحت حماس لاعبا محليا لا سبيل لتجاهله، وبرزت مؤشرات على استعداد بعض القوى الدولية الكبرى (بما فيها بعض دوائر القرار الأميركية) للتفاوض مع الحركة التي كانت إلى الأمس القريب تصنف كمجموعة إرهابية محاصرة. وستعكس الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة طبيعة موازين القوة الجديدة في الساحة الفلسطينية.
ثانيتهما: صعود التيار اليميني المتشدد في إسرائيل الرافض لمبدأ الدولة الفلسطينية المستقلة. كما يمثله زعيم كتلة الليكود رئيس الوزراء المعين نتنياهو وحزب «إسرائيل بيتنا» الحليف له. ومن الجلي أن المسار التفاوضي حول الحل النهائي سيشهد مصاعب جذرية في المدى المنظور، باعتبار المعادلة الإسرائيلية الجديدة وتردد الإدارة الأميركية الجديدة التي تحتاج لبعض الوقت من أجل صياغة إستراتيجيتها للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي.
بخصوص ملف المصالحة العربية البينية، سجلت في الأسبوع المنصرم القمة الرباعية التي انعقدت في الرياض، وشارك فيها قادة المملكة العربية السعودية ومصر والكويت وسورية، ما اعتبر تجسيدا عمليا لمبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الشجاعة الساعية إلى إعادة اللحمة إلى النظام العربي بالقضاء على البؤر الخلافية المزمنة التي شلته في السنوات المنصرمة. وسيكون من أهم النتائج المرجوة من قمة الدوحة بلورة صياغات استراتيجية عملية لتفعيل هذه المبادرة. وقد يكون من هذه الخطوات المطلوبة اتخاذ قرارات عاجلة في اتجاه تنسيق الجهود للوقوف أمام تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية على الفضاء العربي (التي واكبها تدني أسعار النفط) ووضع آلية عملية لحل الخلافات العربية، والشروع في نهج إصلاح جامعة الدول العربية وتحويلها إلى منظمة إقليمية فاعلة.
أما بخصوص الموضوع الإيراني، فلا يخفى أن العلاقات بين الدولة الفارسية، والعديد من البلدان العربية، قد شهدت مصاعب حادة في الآونة الأخيرة، بدءا من البحرين التي أنكر أحد الزعامات السياسية الإيرانية سيادتها واستقلالها، إلى المغرب الذي قطع بالفعل العلاقات الدبلوماسية بإيران احتجاجا على ما اعتبر سوء معاملة لممثله في طهران، وردة فعل ضد «استهداف الأمن الروحي المغربي» (في إشارة واضحة إلى السعي لنشر التشيع الإيديولوجي في مركز المالكية السنية). وتنظر جل الدول العربية، وبصفة خاصة البلدان الخليجية، بعين التوجس إلى الانفتاح الأميركي الجديد على طهران وانعكاساته إقليميا، في الوقت الذي لم تظهر إيران أي مرونة في التعامل مع الملفات العالقة معها، وفي مقدمتها ملف الجزر الإماراتية المحتلة، كما تتحسس مخاطر البرنامج النووي الإيراني الذي اعتبره الإمام خامنئي غير قابل للنقاش أو المراجعة.
وبخصوص مذكرة اعتقال الرئيس البشير، تقف البلدان العربية في مجملها ضد حكم محكمة الجنايات الدولية، انطلاقا من اعتبارات عدة، من بينها على الأخص السابقة نفسها التي تتيح توقيف ومحاكمة رؤساء الدول، والأثر السيئ الذي قد تخلفه محاكمة البشير واعتقاله على استقرار السودان وأمنه ووحدته، وازدواجية المعايير في التعامل مع جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، ما يعكسه الإحجام عن مساءلة ومعاقبة القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين المسؤولين عن احتلال وإبادة الشعب الفلسطيني المحتل. بيد أن على العرب أن يدركوا في الوقت نفسه حساسية التعامل مع الملفات القضائية الدولية التي لا يمكن تسييرها بالمواقف الانفعالية والتصريحات الخطابية، وإنما بالدبلوماسية الهادئة والحجج القانونية الرصينة.
قد تكون توافرت ظروف أكثر ملاءمة وإيجابية لقمة الدوحة العادية، أكثر من الاجتماع الطارئ الذي التأم الشهر الماضي بحضور عدد من حكام الدول العربية في أوج حرب غزة. لذا فإن الأمل معقود على القمة العربية الجديدة للخروج بقرارات مصيرية تعيد لمؤسسة القمة بعض الصدقية وللنظام العربي بعض الحيوية والفاعلية.
كاتب من موريتانيا