صفحات العالم

المصالحة العربية

سليمان تقي الدين
ترددت عبارة «إدارة الاختلافات العربية» قبل القمة الرباعية في المملكة العربية السعودية وبعدها. هناك إقرار مسبق من قادة الدول العربية بوجود اختلافات موضوعية ناتجة عن موقع كل دولة ومصالحها وعلاقاتها. في واقع الأمر ذهب العرب بعيداً في سياساتهم «القطرية» على حساب نظرتهم لأمنهم القومي.
عندما وقعت مصر اتفاقية «كامب ديفيد» لم تأخذ في الاعتبار مصالح شريكها السوري في حرب تشرين. ولم تضمن حتى علاقة سوية مع قطاع غزة الفلسطيني الذي انتزع من تحت إدارتها.
وعندما قرّر العرب في الخليج دعم العراق في حربه ضد إيران كانوا يواجهون خطر «تصدير الثورة الإيرانية» ولم يحسبوا حساباً للتحول في التوازن الإقليمي الذي أحدثه خروج إيران من دائرة النفوذ الأميركي.
وعندما وافق العرب وسهّلوا مهمة القوات الأميركية في احتلال العراق لم ينظروا بجدية للتداعيات المحتملة لهذا الغزو على الدول المجاورة التي كانت هدفاً معلناً للخطوة الأميركية التالية. لعل بعض العرب ساهم في الهجوم السياسي على «محور الممانعة» بعناصره العربية الثلاثة: سوريا ـ فلسطين ـ لبنان. دعم ما أسماه رموز الاعتدال وأضفى على القوى المعترضة في مواجهة الموجة الأميركية صفة التطرف مجرداً إياها من مصالحها العربية ومصنفاً إياها في المحور الإيراني.
شارك بعض العرب في الاستجابة للرغبة الأميركية وقبلوا تصنيفهم في «محور الاعتدال»، ثم لم يتورعوا عن المشاركة في محور الدول «السنية السبع» فأقاموا تحالفات إقليمية خارج دائرة العالم العربي وصولاً إلى باكستان وتركيا.
أبعد من ذلك وسع بعض العرب دائرة الانفتاح على إسرائيل وبادروا إلى إشراكها في «حوار الأديان» لحظة كانت إسرائيل تنتهك حقوق العرب المسلمين والمسيحيين الدينية، فضلاً عن حقوق الإنسان والشعب الفلسطيني وتدعو إلى سياسات عنصرية جديدة.
من البديهي إذاً أن تكون المصالحة العربية في حدود كسر الجليد العربي وتجاوز المشكلات الشخصانية تمهيداً للحوار حول «خلافات» حقيقية في العمق السياسي.
لقد أدار العرب المواجهة السياسية مع إسرائيل في حربها على غزة وكأن ما يجري على ساحة فلسطين لا يصيب أمنهم القومي، علماً بأن المخاطر كانت مباشرة على دول الجوار لو نجحت إسرائيل في إخضاع القطاع أو تهجير بعض سكانه.
في كل هذه المنعطفات الكبرى التي شهدتها المنطقة خصوصاً مع الاندفاعة العسكرية الأميركية كانت أولوية بعض العرب التركيز على «الخطر الإيراني». لم يكن هذا التهديف موضوعياً بالنظر للتحديات الكثيرة التي أثارتها أميركا وهي ترفع شعار إعادة تشكيل «الشرق الأوسط الجديد». في ثنايا هذا المشروع الأميركي هناك تهديد لوحدة العراق وسوريا ولبنان واحتمالات أخرى تصل إلى مصر والخليج العربي. وهناك تحديات تطاول إيران وتطاول تركيا أيضاً وهناك حماية مطلقة للدور الإسرائيلي.
لم يتعامل النظام الرسمي العربي بإدراك لهذه التحديات، فهو غض الطرف عن دور إسرائيل في الحرب على لبنان وما كان ممكناً أن تؤدي إليه من تمزق وطني. وغض الطرف عن تصاعد الضغوط على سوريا ولاحقاً عن كل السياسات الإسرائيلية في الضفة والقطاع.
ما هو إيجابي الآن بداية هو خروج العرب من دائرة الالتزام بجدول الأعمال الأميركي السابق والتطلع إلى مصالحهم الإقليمية بنظرة موضوعية. هناك ثلاث دول فاعلة إقليمياً هي إسرائيل وإيران وتركيا تؤثر على المصالح العربية. لكن إسرائيل تحمل مشروعاً عدوانياً بينما الآخرون يتقاطعون في المصالح مع العرب في رفع الهيمنة الأميركية ومعها إسرائيل. لا أحد يقلل من أهمية مصالح الدول الإقليمية لكن هذه تعالج في إطار الحوار وفي «إدارة الخلافات» السياسية خارج منطق العداء غير المبرر.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى