صفحات الناسغسان المفلح

فضائية سورية لمن؟

null


غسان المفلح

أطلقت جبهة الخلاص الوطني في سورية, نبأ إنشاء فضائية سورية جديدة, تتوجه في خطابها إلى الشعب السوري, حسبما ورد على لسان أكثر من قيادي في جبهة الخلاص, على رأسهم السيد عبد الحليم خدام, في تصريحه الأخير لموقع إسلام أون لاين:” إن إطلاق فضائية جبهة الخلاص يأتي في سياق مساعي الجبهة لحشد المواطنين السوريين المقموعين في صفها, وتنظيم صفوفهم للحظة قريبة ستأتي يتم فيها الإطاحة بالنظام السوري.”إلى هنا انتهى قول السيد خدام.

الأمر الذي استوقفني في مقابلة السيد خدام مجموعة من الملاحظات لا بد من طرحها, وتعبر بحد ذاتها عن موقف شخصي لمواطن سوري مستقل.

كنت أتمنى من القائمين على الجبهة أن يحمل إعلانهم عن الفضائية صفة أكثر شمولية لا تنحصر في جبهة الخلاص فقط, وإنما توسع إطارها ليمثل ويحتضن المعارضة السورية كلها, حتى لو حظيت جبهة الخلاص بالدور الأكبر في إطلاقها ,وباعتقادي أن الفارق كبير بين الاحتضان والقيادة , لما لهذا من حساسية تخص وضع المعارضة السورية. مع شكرنا وتقديرنا الكبير لكل من بذل جهداً أو مساهمة كي يرى هذا العمل النور, والذي يعتبر نافذة مهمة للتعبير يحتاجها المواطن السوري كما المعارضة التي تعيش الانغلاق وسلطة القمع المطبق على أنفاسها, ومن باب التذكير: فإنني أتمنى أن يساهم في معظم حواراتها السياسية التي ستنطلق على شاشتها مسؤولون من داخل النظام السوري, لأن الغاية بحد ذاتها هي الوصول لسورية الديمقراطية, والتي لا يمكن بناءها بإمكانات تنحصر في طرف واحد من أطراف معارضتها, سواء كان حزبا أو تجمعا أو شخصا, بل تحتاج إلى تكثيف جميع الجهود بما فيها جهود الخيرين من داخل النظام لأن المعارضة لا تعادي أبناء الوطن المخلصين والحريصين على نقله نحو الحرية والديمقراطية, وتتركز جهودها على تغيير جملة من علاقات القوى والسياسة والاقتصاد والثقافة والقيم. ولتكون الأمور أكثر وضوحاً وشفافية, وكوني ممن يشجعون على قيام مثل هذا المنبر الإعلامي, أرى أنه من دواعي الواجب الوطني إبداء ملاحظات لابد منها:

أولا- من الواضح للعيان أن قوى المعارضة في الداخل لا تستطيع أن تحمل وتتحمل موقفا سياسيا يقضي بالسماح لكوادرها في الخارج العمل والتعاون مع هذه الفضائية,لأنه لم يعد خافيا على أحد أن من أهم أسباب القمع والملاحقة التي تطال المعارضة محاولة النظام سد منافذ التعاون والتواصل أو إن جاز التعبير تحول المعارضة لقوسٍ واحدة تتمثل فيها كل ألوان الطيف المعارض, هذا جانب مهم لكنه لا يدفعنا أن ننسى خطورة الموقف الذي يمكن أن يتعرض له كل من يتعاطى مع جبهة الخلاص من معارضة الداخل.

لهذا كان من الأجدى أن تحمل المعارضة السورية ككل صوت وصورة هذه القناة دون أن تنحصر بجبهة الخلاص فقط.

ثانيا- كما يفترض أن يترك هامشا واضحا لمن يرغب بالعمل في الفضائية بوصفه عضوا في الجبهة, أو من يريد العمل بوصفه عملا معارضا من جهة واحترافيا من جهة أخرى, بمعنى ليس كل من يعمل داخل هذه الفضائية عليه أن يكون محسوبا على جبهة الخلاص, هذه النقطة بالذات جعلتني ألمس أن المشرفين على المحطة يتعاملون معها بإيجابية كبيرة, وبمرونة عالية حتى اللحظة, ولكنها أيضا تتطلب من الآخرين في صفوف المعارضة تفهما للوضعية الخاصة التي تنطلق منها هذه الفضائية, وأنها الأمل الأخير لبث وإيصال رسالة المعارضة السورية, هذه الرسالة السلمية التي لا تبحث عن قتل الناطور بل عن العنب, وهو سورية الحرة الديمقراطية لكل أبنائها.

ثالثا- من الواجب أن يقوم خطاب القناة على كونه خطاباً مؤسساً على التسامح والمصالحة بين أبناء الشعب الواحد, وبث روح الانتماء لسورية جديدة تصون كرامة مواطنيها من دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الطائفة.

رابعا- في إحدى النقاشات التي جرت حول الفضائية, وجه البعض ملاحظات مفادها:” أن جبهة الخلاص تريد من قوى المعارضة السورية في الداخل أن تتحمل قمع النظام وبطشه كرمى لعيون جبهة الخلاص بينما ينعم أعضاؤها بحريتهم في شتى أصقاع العالم, وخاصة الغربي منه ومن دون أمل جدي في التغيير هذا من جهة, ومن جهة أخرى , يسعى خطاب جبهة الخلاص لتجيير العمل المعارض لصالح تصدرها الواجهة, هذه ملاحظة ما كان ولا يجب أن تغيب عن كل الطيف السياسي المعارض في الخارج. ومن حق معارضة الداخل أن تتجنب القمع السافر عبر تكتيكات شتى, وإذا لم تستطع جبهة الخلاص تفهم هذا الأمر والتعاطي معه بمرونة عالية, فإننا سنكون أمام مأزق شقاقي جديد, كما أن هذه الملاحظة نفسها تستدعي من قوى المعارضة في الداخل ألا تحارب هذا العمل لا من الداخل ولا من خلال كوادرها في الخارج.

خامسا- حسب معلوماتي البسيطة, فان هذه الفضائية لن تكون لآل خدام كما يشيع البعض! وأعتقد أنه حتى الأمانة العامة لجبهة الخلاص لن ترضى بهذا الأمر.

سادسا- هناك ملاحظة تقنية قمعية تواجه العمل: كيف سيتمكن أي معارض في الداخل من التواصل مع هذه الفضائية, ويتحمل سجنا ربما يمتد لسنوات من أجل مقابلة هاتفية مع برنامج ما من برامج هذه المحطة? وكيف سيحل القائمون على المحطة هذه المعضلة, لأن من حق أي معارض أن يضع في الحسبان إمكانية تعرضه للاعتقال والسجن.

أعتقد أن الأمر يجب أن يظل مفتوحاً على نقاش أكثر وضوحاً وصراحة للوصول إلى الصيغة الأكثر تناسباً لإطلاق هذا العمل.

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى