إدارة الخلافات الدولية والعربية.. والداخلية؟!
أتاحت التغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية، والمبادرة في قمة الكويت، ثم اجتماعات الرياض، حديثاً رسمياً سورياً عن ضرورة إدارة الاختلاف التي لا يمنعها التعارض في بعض المسائل من الاتفاق والتوافق على المصالح المتقاطعة.
وهذا تطور إيجابي فيما لو تمّ اعتماده ضمن أسس السياسة الخارجية، بما يستفيد من فرصة تحوّل الإدارة الأمريكية- والأوربية أيضاً- نحو اعتماد الحوار طريقةً لحلّ الخلافات والتفاهم حول ما يمكن التفاهم عليه من المصالح المتبادلة، ومن الفرصة الأخرى في الجانب العربي، تلك التي حرّضتها التحولات الدولية، مع أحداث غزة، والرياح التي حملتها نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وتدهور أوضاع النظام العربي إلى مستوى غير مسبوق وبليغ الضرر على الجميع، أنظمةً وشعوباً.
من أجل ذلك بدا أنه يمكن للنظام السوري أن يتخلّص من الضغوط القوية المباشرة والحادة، في مقابل تراجعه عن سلوك التدخلات السلبية بين اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين، أو خصوصاً في اندفاعه الإيراني الزائد أحياناً.
المنطق الذي تنطلق منه هذه السياسة هو ضرورة التعاون على تحقيق المصالح المتقاطعة، وإدارة تعارض المصالح المختلفة بحيث تبقى قابلةً للتحكمّ، وتتوقّف عن التحوّل إلى حقولٍ متفجرة تضرّ بالجميع.
ومن جديدٍ هنا، يبدو الفصام فاقعاً بين الموقف الرسمي في السياسة الخارجية، والآخر في السياسة الداخلية. مع أن المنطق واحد والآليات واحدة إذا كان العقل واحداً. فالخلاف الداخلي مع أهل الرأي الآخر في المعارضة الديمقراطية السورية يبدو غير قابل للإدارة من قبل النظام إلاّ من منطلق الاحتكار المطلق وطريق القمع والسجن وتكميم الأفواه والأقلام.
فالنظام الأمني مستمرّ في عمليات الاعتقال والحصار، وهو سجّل أرقاماً جديدة له في الشهر المنصرم، كان أخرها اعتقال مجموعة من الطلاب الأكراد أثناء تحيتهم الصامتة لذكرى الضحايا والمعتقلين بطريقة سلمية وحضارية. كما أنه مستمر في اعتقال رياض سيف وفداء الحوراني وعلي العبدالله وميشيل كيلو وأنور البني ورفاقهم في مخالفة صارخة لأبسط ما نصت عليه لوائح حقوق الإنسان.
في حين كانت المعارضة الديمقراطية السورية قدمت طرحاً متوازناً ينطلق من المبادئ والقيم أساساً، إذ رفضت منذ وثيقة إعلان دمشق الأولى أيّ تغيير يأتي محمولاً من الخارج، وأكدت في وثائقها جميعها، وخصوصاً في بيان المجلس الوطني، على سلمية نضالها من أجل الديمقراطية وتفهّمها لمبدأ التدرّج، وإدراكها لأهمية اعتماد الحوار الشامل المتكافئ كطريقة للخروج من المأزق وبناء سوريا المستقبل.
وهذا بيان لما هو مبدئيٌّ من جهة، وكان ينبغي من جهة أخرى أن يشكّل “ضمانات” كافية- في منطق النظام المفترض- للاعتراف بالآخر وإنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في البلاد.لكن عقلية الاحتكار والتحكم والطغيان تتعارض كما يبدو مع ذلك المنطق نفسه.
منطق إدارة الخلافات يحتاج إلى مصداقية تدعمه، وأساس هذه المصداقية في شمول هذا المنطق وتعميمه، وإلاّ لكان مجرّد جسرٍٍ مؤقت للخروج من أزمة عابرة. وإذا انطلقنا من الرغبات مع المصالح.. لا نريده أن يكون كذلك!
موقع اعلان دمشق