اكتمال عقد الجيلين الجديدين في أرض الميعاد: أفيغدور ليبرمان في وجه خالد مشعل
جهاد الزين
لا يستطيع المراقب لتاريخ سياسات “المؤسسة الامنية – السياسية” الاسرائيلية، على الاقل في العقود الثلاثة الاخيرة ان يقبل التسليم بان اعطاء بنيامين نتنياهو لافيغدور ليبرمان حقيبة وزارة الخارجية هو فقط نتيجة التركيبة البرلمانية الصرف التي اسفرت عنها انتخابات الكنيست.
هذا التوزيع المنفّر لحقائب الحكومة الاسرائيلية الجديدة، بدءا من كونها اصلا برئاسة بنيامين نتنياهو الرافض قطعا لفكرة تقسيم القدس، الى تولي حقيبة الخارجية صاحب المواقف المتطرفة الداعي الى الحاق عرب اسرائيل باي دولة فلسطينية مقابل ضم مستوطنات الضفة الغربية الى اسرائيل يبدو في اللحظة الراهنة افضل مخرج شكلي لتعطيل اي مفاوضات حول الحل النهائي مع “السلطة الوطنية الفلسطينية” بزعامة ما تبقى من حركة “فتح”.
بكلام آخر اكثر استراتيجية من زاوية التوقيت الاسرائيلي:
ان هذه الحكومة برمزيها نتنياهو وخصوصا ليبرمان على رأس وزارة الخارجية تبدو تعبيرا عن الاستخدام الذي تقوم به “المؤسسة الامنية – السياسية” العليا في الدولة الاسرائيلية للانتخابات الاخيرة امام واقع الانهيار العميق الذي بلغته “الحركة الوطنية الفلسطينية” بقيادة “فتح” وهي الحركة التي قادت تأسيس نواة الدولة الفلسطينية في اتفاق اوسلو ونجحت في توفير قبول عالمي لفكرة “الدولة الفلسطينية المستقلة” في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية او في القدس الشرقية!
تسمح “المؤسسة الامنية – السياسية” العليا للدولة الاسرائيلية بوصول رمز لجيل اسرائيلي جديد رافض لكل ارث “حل الدولتين” بالمعنى الذي جرى تداوله على مدى ثلاثة بل اربعة عقود في اسرائيل والعالم العربي واوروبا واميركا… والعالم.
انه الجيل الاسرائيلي المقابل لجيل “حماس” المختلف ايضا عن جيل “فتح” وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية الذي امسك بالحياة السياسية الفلسطينية تماما بعد العام 1967.
لهذا يمكن الاستنتاج من حيث ديناميكية التوقيت العام للمرحلة ان “المؤسسة الاسرائيلية” تقرر تجميد ان لم يكن نسف مسار من التفاوض مبني على مفاهيم محددة للتسوية امام المعطيات التالية:
* انهيار “نمط” المفاوض الفلسطيني الذي تعودت عليه علنا منذ العام 1992، وسرا منذ السبعينات، ولربما اواخر الستينات، متمثلا بالانهاك العميق الذي باتت عليه “السلطة الوطنية” برئاسة محمود عباس ومن ورائها حركة “فتح” حتى لو انها لا تزال تمثل “الشرعية الدولية”. فأي مصلحة لـ”المؤسسة الاسرائيلية” في استمرار نمط تفاوضي على مرأى من العالم وفي لحظة سياسية حيوية يصل فيها رئيس اميركي مؤمن تماما مع فريقه بضرورة تفعيل هذا الحل النهائي بمفاهيمه المسلم بها في العقدين الماضيين، أي حل الدولتين، بينما تنتقل القوة الفعلية الى جيل فلسطيني جديد بقيادة الحركة الاسلامية “حماس” غير المعترفة باسرائيل؟
هذا هو التوقيت الصراعي الذي تطل به رمزية وجود افيغدور ليبرمان في وزارة الخارجية الاسرائيلية. من المفيد جدا التذكير – منعا لفصل الوقائع عن سياقها – ان هذا المصير البائس الذي بلغته “الحركة الوطنية الفلسطينية” بقيادة “فتح” هو في جزء اساسي منه حصيلة الضربات المنهجية المتواصلة التي شجعت عليها، مباشرة او غير مباشرة، “المؤسسة الامنية السياسية” الاسرائيلية منذ ما بعد اتفاق اوسلو، عبر اغتيال اسحق رابين ثم وصول نتنياهو الاول الى رئاسة الحكومة حتى بدأ خطها التدميري لمؤسسات اوسلو مع “انقلاب” آرييل شارون الانتخابي بعد العام 2000 الى النجاح في قتل ياسر عرفات… ثم لاحقا رفض اسرائيل وادارة جورج بوش لاي محاولة تدرجية لتشجيع “حماس” على الانخراط في مسار تسووي بما فيها محاولة محمود عباس كرئيس للسلطة الى ان تحول الى خصم منهمك فقط بالصراع مع “حماس” وحمايةِ بيروقراطيةٍ منخورة بالفساد.
هكذا الآن تبدأ عمليا مرحلة الصراع بين الجيلين الجديدين في اسرائيل وفلسطين: جيل افيغدور ليبرمان وجيل “حماس”. ليبرمان يتحدث عن “السلام” بصيغة غير مباشرة عندما يقول امس الاول ان التزام حكومته هو “خارطة الطريق”، يقابله بالطريقة غير المباشرة نفسها قول خالد مشعل لهنري سيغمان رئيس “مشروع الشرق الاوسط” في احدى المؤسسات البحثية الاميركية المعروفة في لقاء معه مؤخرا ان “حماس” لن تعترف باسرائيل ولكنها ستبقى ضمن حكومة وحدة وطنية تجري استفتاء على اتفاق تسوية مع اسرائيل.
اذن عدنا الى غير المباشر المعقد والطويل.
السؤال الآن هل ينسف هذا “الجو” الاسرائيلي كل “جو” التسوية مع العرب، وتُرغم ادارة اوباما على الانصراف الى مشاكلها الاكثر الحاحا في العراق وافغانستان – باكستان ام ان الجمود الكامل بل التعطيل الكامل على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي، حيث المشكلة البنيوية في الصراع العربي – الاسرائيلي سيسمح بالذهاب الى “مشكلة حدودية” بين دولتين وتشجيع سلام اسرائيلي سوري؟ سلام تصفه ورقة اميركية قدمها مؤخرا فردريك هوف، المرشح ليكون نائبا للمبعوث الاميركي جورج ميتشل بانه:
سلام في الجولان يعطي سوريا الارض واسرائيل الوصول المنظم اليها ويعطي اسرائيل المياه وسوريا الوصول المنظم اليها…
لكن هذا حديث آخر… وعندها يمكن ان يستقيل ليبرمان مرة ثانية اذا اصر على رفض الانسحاب من الجولان في تسوية نهائية مع سوريا تشمل حتما لبنان؟!
(alkadaya@hotmail.com
النهار