اسرائيل

حكومة حرب ؟

رنده حيدر
عودة اليمين الإسرائيلي الى الحكم في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والوضع العربي البائس الذي عكسته القمة العربية الأخيرة في الدوحة، من شأنهما ان يثيرا الكثير من القلق ليس لدى الفلسطينيين فقط الذين يوشكون على تضييع فرصة أخرى لقيام دولتهم المستقلة؛ وانما لدى كل دول المنطقة. وكل الكلام العربي على عدم وجود تمايز بين اليمين واليسار والوسط في اسرائيل لأنهم جميعاً معادون للسلام وللحل العادل ليس الا محاولة للتهرب من مواجهة الوضع السياسي المستجد في اسرائيل مع مجيء بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود الى الحكم بعد انتظار دام عشرة أعوام.
الزعامة اليمينية القادمة اليوم الى السلطة تختلف عن الزعامة التاريخية التي مثلها زعيم حزب الليكود مناحيم بيغن الذي يوصف بالشجاعة السياسية في التوقيع على اتفاق السلام مع مصر، وبالشجاعة الشخصية في اتخاذ قرار الابتعاد عن الحياة السياسية بعدما هالته الخسائر البشرية للجيش الإسرائيلي بعد الغزو الإسرائيلي الى لبنان عام 1982. فالزعامة الجديدة هي نتاج صعود سياسي يقوم على المصالح الحزبية الضيقة وعلى الارتقاء الاجتماعي وعلى الثروة ومراكز النفوذ أكثر مما هي نتاج الإيمان بالإيديولوجيا الصهيونية التي صنعت زعامات تاريخ اسرائيل بعد قيام الدولة. وأبرز مثال على ذلك وزير الخارجية الجديد أفيغدور ليبرمان الذي هو مزيج من رجل أعمال وعلاقات عامة اكثر مما هو سياسي محنك نتاج البيئة السياسية في اسرائيل، أو ديبلوماسي خبير في شبكة العلاقات التي تربط اسرائيل بالعالم. وعلى الرغم من كل كلام نتنياهو على تأييده للسلام الاقتصادي والأمني والسياسي مع الفلسطينيين، فإن كل الدلائل تشير الى أن عهده سيشهد موت فكرة الدولتين لشعبين. والسبب الأساس رفضه لمبدأين أساسيين يقوم عليهما حل الدولتين: الانسحاب العسكري الإسرائيلي من مدن الضفة واخلاء المستوطنات اليهودية المعزولة والمحافظة على تجميد البناء في المستوطنات الكبرى التي ستضمها اسرائيل اليها ضمن اتفاق تبادل للأراضي مع الفلسطينيين. اما المبدأ الثاني فالتنازل عن السيطرة الإسرائيلية على الأحياء العربية في القدس الشرقية، اي القبول ضمناً بتقسيم القدس الأمر الذي ينظر اليه اليمين بصفته تنازلاً غير مقبول ولا بأي شكل من الأشكال. من هنا وقبل أن تبدأ الحكومة الجديدة عملها يمكن الفلسطينيين ان يقولوا بأنهم فقدوا الشريك الاسرائيلي في المفاوضات. وكل من يراجع تاريخ المفاوضات الاسرائيلية- الفلسطينية بإمكانه أن يرى من دون عناء أن كل الانجازات السياسية التي حصل عليها الفلسطينيون وصولاً الى التوقيع على اتفاقات أوسلو كانت في ظل الحكومات التي ترأسها حزب العمل واليسار الاسرائيلي بصوة عامة.
مع خسارة المحاور الإسرائيلي خسر الفلسطينيون أيضاً امكانية تحقيق حل الدولتين. وابتعد الأمل بقيام دولة فلسطينية في أمد منظور. من هنا فعودة اليمين الإسرائيلي هي ضربة مباشرة موجهة الى قوى الاعتدال الفلسطيني والعربي وتعزيز لقوى التشدد والتطرف لدى الجانبين الاسرائيلي والعربي على حد سواء. ومن الصعوبة بمكان رؤية حكومة نتنياهو تساعد وتدعم الأجهزة الامنية الفلسطينية لا سيما أنه كان من الذين أيدوا على الدوام اضعاف السلطة و زعزعة سيطرتها السياسية والأمنية على الضفة الغربية. وكيف سيقوم نتنياهو ببناء الاقتصاد الفلسطيني كخطوة تحضيرية للإعداد للتسوية السلمية وجميع أعضاء حزبه مع ضرب البنى التحتية في غزة وتشديد الحصار وتأديب المدنيين الفلسطينيين؟
ينظر العالم الى حكومة نتنياهو على أنها حكومة حرب على “حماس” وعلى ايران. اذ يتصاعد الحديث عن ان المواجهة العسكرية بين اسرائيل وايران في ظل الحكومة الجديدة باتت أمراً لا مفر منه، وأنه عاجلاً أم آجلاً ستجد الحكومة الجديدة ذريعة لخرق اتفاق التهدئة الهش مع “حماس” وستعود المواجهات بين الطرفين، لا سيما في ظل الانتقادات الكثيرة التي كانت لليمين الاسرائيلي على عملية “الرصاص المصهور” التي قامت بها الحكومة السابقة ضد غزة.
ان وجود زعيم حزب العمل في الحكومة الجديدة غير كافٍ للتخفيف من السمة المتطرفة المتشددة للحكومة الجديدة لا بل هي دليل آخر على التغير العميق الذي طرأ على توجهات هذا الحزب في ظل قيادة إيهود باراك.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى