أزمة المعارضة في سورية
معقل زهور عدي
لم يعد مفيدا التستر حول وجود أزمة داخل المعارضة في سورية او تجاهل تلك الأزمة ، مثلما لم يكن مفيدا استبدال النقاش الهادىء والعقلاني لنقاط الخلاف بسيل الاتهامات والاتهامات المضادة ، تجاهل الأزمة يلتقي موضوعيا مع استبدال مواجهتها بالاكتفاء بالسجالات دفاعا عن طرف وهجوما على طرف ، والنتيجة هي تعمق الأزمة وتطورها باتجاهات قد لاتخدم الحركة الوطنية في سورية .
لقد حان الوقت لوضع الخلافات في اطارها الحقيقي دون زيادة او نقصان ، والبحث في كيفية ادارة تلك الخلافات للحد من آثارها السلبية التي يمكن ان تطال الجميع ، وتنعكس على مستقبل سورية .
نقطة البداية هي الاعتراف بوجود تيارين رئيسيين داخل المعارضة مع وعي نسبية ذلك التعيين فداخل كل تيار في الحقيقة اتجاهات متباينة الى هذا الحد او ذاك ، على أية حال أرى ان تقسيم المعارضة الى تيارين رئيسين هو تقسيم ضروري في الحالة الراهنة ويعكس جزءا هاما من الواقع .
التيار الأول : يتكون من تحالف غير معلن بين الليبرالية التقليدية التي تحاول استعادة المبادرة السياسية ، واليسار الليبرالي الذي نشأ حديثا بعد سقوط بغداد وتعاظم الدور الأمريكي في المنطقة ، وقد اسست لذلك التحول اليساري- الليبرالي نظرية تقاطع المصالح بين الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في التغيير الديمقراطي ( على ما يزعم ) وحاجة سورية الماسة لذلك التغيير مع الشعور بالعجز والاحباط امام بنية استبدادية شاملة للنظام تمكنت من اختراق المجتمع بطريقة غير مسبوقة .
والطرف الثالث الأقل ظهورا هو تيار اسلامي معتدل لاينزع لمعاداة السياسة الأمريكية بمقدار ما ينزع للتكيف معها يجد في الحزب الاسلامي في العراق نموذجا له مع شيء من الاختلاف الذي تفرضه الثقافة السياسية في سورية ، وأخيرا هناك الأحزاب القومية الكردية المنشغلة بتأمين الدعم والتمهيد لأفكارها القومية الخاصة متطلعة نحو فرصة ثمينة تجدها في التحالف ( وليس التقاطع ) مع الاستراتيجية الأمريكية التي ظهرت كقدر قادم بعد احتلال بغداد .
هذا التحالف غير المعلن يجد مشتركاته السياسية في النقاط الآتية :
اولا : القطع مع مفهوم انتماء سورية العربي ، ليس كمفهوم ثقافي عائم لاوزن له ولكن كمفهوم فكري- سياسي يكون أساسا لبناء الاستراتيجيات ، فهم يقولون : كفانا اهتماما بالعراق وفلسطين ولبنان ، هذا الاهتمام المفرط هو في أساس مشكلتنا كمعارضة ، دعونا نحصر اهتمامنا بسورية ، لكن الحقيقة ان تلك الدعاوي التي تظهر بريئة
وصادقة ومعقولة ( لنرتب بيتنا من الداخل اولا ) سرعان ما تتكشف عن سياسة خارجية متكيفة مع الاستراتيجية الأمريكية في العراق وفلسطين ولبنان والمنطقة عموما ، وليس المكان هنا لمناقشة ذلك .
ثانيا : تحديد موقف استراتيجي في التكيف مع السياسة الأمريكية في المنطقة وليس مواجهتها ، وقد أصبح ذلك واضحا في الخلاف داخل المجلس الوطني لاعلان دمشق حين رفض تعبير ( الوقوف ضد مشروع الهيمنة الأمريكي – الصهيوني ) مما استوجب استبداله للحصول على التوافق المطلوب ، ويتفرع عن ذلك الوقوف ضد فكرة المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان ، ودعم ( المسار الديمقراطي ) في العراق المحتل ( طبعا ضد المقاومة ) وفلسطين ( دعم خط اوسلو ) ضد حماس، ولبنان ( الدعم الكامل بدون تحفظ لقوى14 آذار) وضد المقاومة التي يمثلها حزب الله .( في المجلس الوطني طرح التيار الليبرالي تضمين البيان الختامي تعبير دعم العملية الديمقراطية في العراق وفلسطين ولبنان وتم رفض الاقتراح )
ثالثا : التحرر من أية قيود او حدود في التعامل مع الدول الكبرى ومنظماتها الحكومية وسفاراتها الخ..، فمفهوم المعارضة لدى هذا التيار يميل نحو اعتبار ذاته حكومة ظل ذات حقوق متماثلة مع حقوق السلطة القائمة ، ويريد ان يدخل في المعادلات الدولية كمنافس سياسي بغض النظر عن قوته الاجتماعية وتوجهات الرأي العام .
رابعا : عدم الوضوح في ماهية الديمقراطية المطروحة كبديل ، هل هي ديمقراطية المكونات الدينية، المذهبية ، العرقية ( الديمقراطية اللبنانية في نسختها المعممة عراقيا ) أم هي الديمقراطية الوطنية التي تستند فقط على مفهوم المواطنة، مع ملاحظة ان التكيف مع الاسترتيجية الأمريكية يقتضي القبول بديمقراطية المكونات ، وهذا ما يتم التمهيد له منذ البيان التأسيسي لاعلان دمشق ، ( يمكن مراجعة البحث النظري للدكتور رضوان زيادة تحت عنوان الديمقراطية التوافقية وهي الماركة التجارية للديمقراطية الطائفية – العرقية حيث ينتهي للقول ان تلك الديمقراطية هي الانسب لبلدان تعاني من انخفاض مستوى التطورمثل لبنان والعراق والسودان والمغرب ولا أدري لماذا لم يقل صراحة وسورية ).
خامسا : عدم الوضوح في تحديد السياسة الاقتصادية البديلة ، وحماية الاقتصاد الوطني ، والوقوف الى جانب الطبقات الشعبية ومصالحها التي تزداد تضررا بسياسة لبرلة الاقتصاد الجارية بصورة حثيثة في الواقع .
التيار الثاني : يتكون ايضا من تحالف غير معلن بين اتجاه قومي ذو جذور شعبية ويسارية الى حد ما ، واتجاه يساري بتوجه عربي .
تتحدد مشتركات هذا التحالف بالآتي :
اولا : الانطلاق من الانتماء العربي لسورية ، ليس فقط كانتماء ثقافي ، ولكن كانتماء مصير، انتماء يشكل أساسا مرجعيا للاستراتيجيات السياسية ، وبالتالي وعي جدلية الوطني – القومي ، وفهم الصراع الدائر في المنطقة بأبعاده الكبرى ، واستحالة استقالة سورية من دورها القومي .
ثانيا : مناهضة استراتيجية الهيمنة الأمريكية على المنطقة وليس التكيف معها ، والتأكيد على مفهوم الاستقلال الوطني والسيادة ، والوقوف ضد كل أشكال التدخل الخارجي الموظف لخدمة استراتيجية الهيمنة الأمريكية بغض النظر عن الدعاوى والعناوين البراقة .
ثالثا : مقاربة مفهوم التغيير الوطني الديمقراطي انطلاقا من المجتمع بالسعي لبناء قواه الاجتماعية-السياسية حاملة التغيير ، والقطع مع أي توجه للاستعانة بالقوى الكبرى ، باعتبار ذلك التوجه يشبه من يريد معالجة مرض بقتل المريض .
رابعا : الوضوح في رفض ديمقراطية المكونات واعتبارها طريقا لاعادة سورية للخلف ، وازدراء بالمشاعر الوطنية للشعب ، وتبني الديمقراطية الوطنية المبنية على اساس المواطنة فقط .
خامسا : الالتزام بمصالح الفئات الواسعة من الشعب ( الطبقة الوسطى ، العمال، الفلاحين ) والدفاع عنها ضد سياسة النهب والفساد من جهة وسياسة الانفتاح والخصخصة غير العقلانية للاقتصاد من جهة أخرى .
سادسا : دعم خط المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان وترشيد ذلك النهج بتخليصه من العنف غير المبرر والنزعات الاقصائية والطائفية ، وتطوير فكرة المزاوجة بين الديمقرطية والمقاومة .
كما يظهر سابقا فلدينا في الواقع برنامجان سياسيان مختلفان الى حد التناقض ، وفي الحقيقة فقد كان اعلان دمشق محطة مرحلية ريثما يستجمع التيار الأول قوته ويبلور خطه السياسي ، وحين شعر باقترابه من انجاز ذلك لم يعد بامكانه الانتظار للتحرر من الشرنقة التي مثلها تحالفه مع تيار مناقض له ، وما حدث في المجلس الوطني كان لابد ان يحدث بطريقة او بأخرى ، بدون استحضار نظرية التآمر.
السؤال الآن : هل بقي لاعلان دمشق من وظيفة حقيقية للمرحلة القادمة في مفهومه الأصلي ؟ وما هو البديل ؟
قبل الدخول في الأسئلة السابقة أرغب في التطرق لمسألة شديدة الحساسية تتمثل في الانزلاق لتحويل الانقسام السياسي الى انقسام قبلي بأبعاد اتهامية كي لانقول تكفيرية .
هنا يوجد تياران سياسيان الحكم بينهما لايمكن ان يكون سوى للشعب عبر أدوات ديمقراطية ، ومنذ الآن وحتى يقول الشعب كلمته لا يجوز لطرف ادعاء امتلاك الحقيقة الخالصة ، ومحاكمة الطرف الآخر واصدار الأحكام المسبقة ، وبطريقة أخرى من الضروري وعي الطابع السياسي للخلاف وحدوده وطريقة حله .
أعود لاعلان دمشق ، فمن وجهة نظر موضوعية ارى انه قد أصبح من الماضي بمفهومه الأصلي ، وكل يوم يمضي يجعل من التفكير باستعادته كما كان رغبة محض ذاتية .
هل انتهت ضرورة التنسيق بين مختلف أطراف المعارضة من أجل الدفع باتجاه التحول الوطني الديمقراطي ؟ بالتأكيد لا ، لكني أزعم ان المسألة أصبحت مطروحة اليوم على أرضية سياسية مختلفة تمر من خلال محطتين رئيسيتين ، المحطة الأولى تتمثل في ضرورة تبلور التيار الوطني الديمقراطي ووضوح برنامجه السياسي ، والمحطة الثانية تتمثل في تحديد تخوم التقاطع مع التيار الآخر وبالتالي تحديد الأداة المناسبة للتنسيق مع مراجعة دروس الماضي وخبراته ، فعدم وضوح آليات ادارة اعلان دمشق ، والاتكال على تفاهمات شخصية وشللية كان في صلب أزمة الاعلان وهذه مسألة يفترض ان لاتمر دون مراجعتها واستنتاج العبر
2008 / 1 / 16