صفحات العالمما يحدث في لبنان

يساريون في انتظار الانتخابات النيابية

احمد جابر
ينصرف «اليساريون» للتحضير للانتخابات النيابية المقبلة، بكثير من «الحركية». وبنزر يسير من التحليل. يواكب أبناء اليسار هؤلاء صف من «الديموقراطيين»، الذين يحيون، في كل موسم انتخابي، نشاطهم وحماستهم، للانخراط في ورشة «تغيير المعادلات السياسية السائدة»!! يسهل إعطاء صفة الموسمية، لحراك كهذا، وهي صفة يلتقي في رحابها, «أهل اليمين»، مع أخصامهم من الضفة السياسية المقابلة.
بدأت الورشة «اليسارية ـ الديموقراطية»، الانتخابية، إذاً، بإعلان نوايا، وإشهار استعدادات، وغاب عنها، مثلما هو الأمر منذ سنوات، التدقيق السياسي، بالجملة، وناب عن القراءة الشاملة، اقتراح المخارج بالمفرق… ووفقاً لاجتهادات «فردانية»، في الغالب من الأحوال.
ولأن الطامحين إلى إعلان الترشيح كثر، والمنافسة على استكمال صورة «الوجيه السياسي» اليساري ـ الديموقراطي مفتوحة، وجب السجال مع «الذات»، قبل الذهاب إلى المجادلة مع «الآخر»، هذا لأن الشأن الانتخابي يستوجب وضوحاً سياسياً، ولأن «المسألة اليسارية» طفحت بما صبّ في مجراها من روافد الإبهام.
يصعب التسليم مع القائلين بالترشح باسم اليسار، أو تحت لافتته، أو دفاعاً عن وجوده، أو انتصاراً لبرامجه… مصدر الصعوبة، ببساطة، أن اليسار السياسي، على المحددات التي سبقت… غير موجود!! عليه، لا يمكن الانتساب إلى «اللا وجود السياسي»، وإن كانت إضافة «الصوت الاقتراعي» إلى بعض كائنات اليسار البيولوجية، غير متعذرة تماماً. هل تحمل ممارسة «حق الانتخاب»، مضموناً تأسيسياً آخر، في المجالين اليساري والديموقراطي؟ الجواب بالنفي، لكن هذه الممارسة تدعو بالتأكيد إلى افتتاح نقاش طويل النفس، حول عملية التأسيس الأخرى، التي تتجاوز «الفرصة الانتخابية»، إلى مجمل البنيان الوطني اللبناني.
افتتاح ورشة التأسيس يسير، لجهة اختيار العناوين، إذ يمكن القول، إن «النهضة اليسارية الديموقراطية» يجب أن تنطلق من كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، مثلما يجب القول، إن الوضع اللبناني يحتاج إلى نقاش كل هذه القضايا. رب قائل: لندع الأمور الاستراتيجية المستقبلية الآن، ولنعط أنفسنا فرصة لمقاربتها لاحقاً، ولننخرط الآن في مقاربة سؤال: كيف يؤدي «اليساريون المعترضون» ومن شابههم، واجبهم يوم الانتخاب الموعود؟ القبول بوجهة كهذه، يتضمن فصلاً شكلياً بين المسائل، لأن الانصراف إلى معالجة «السياسي التكتيكي» سيضع المقبلين عليه، والمنخرطين فيه، أمام ضرورة مساءلة «السياسي الاستراتيجي»، ولو من باب الإشارة السريعة، لكن الواضحة والدالة والمهتمة، بضرب موعد مسبق، جدي وصريح، لمواسم النقاش «الاستراتيجية» اللاحقة، في الفكر، والهوية، والبرنامج، والخطة، وفي أوضاع التشكيلية الاجتماعية. لكن، وكي لا يقع طلب التواصل السياسي في دائرة الصد، لا ضير في الوقوف أمام عينة من العناوين «التكتيكية»، التي يجب تسجيل موقف واضح منها، حتى تتوافر للممارسة السياسية، في موسم الانتخابات، نكهة «مفارقة» عما هو سائد من تحليلات وتفسيرات، تتساقط من منابر أقطاب الكتل الأهلية، وتسري في قنوات استقطاباتهم الجمعية، المتحلقة حولهم بانضباط، والمحددة المعالم بإتقان.
أول ما يجب إعلانه من عناوين «فرعية آنية»، هو رفض مقولة «حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية»، فهذه من أحابيل أهل الحكم مجتمعين. الواقع الذي يجب الدفاع عن حقيقته، هو أن أطراف الطوائف والمذاهب، يتوزعون «مقومات الدولة»، ويتبادلون مواقع إدارتها، ويشتركون في حكمها، من الشارع ومن خلال المؤسسات الرسمية. خلاصة القول: الكل حاكم على طريقته، عليه يحضر عنوان آخر، هو انتفاء وجود برامج متقابلة، أو مختلفة، تتعلق بتطوير بنية النظام، أو بإصلاحه، أو بالتأسيس لتغيير مساراته… ويصير من العبث نسبة برنامج محدد، لهذه الكتلة الطائفية أو تلك، يخاطب مصالح مختلفة للمواطنين، أو يحرص على الدفاع عنها. الوطن والمواطن، غائبان ومغيبان، من أروقة الفكر الطائفي، وهذان، يجب أن يكونا في مدار اهتمام اليساريين والديموقراطيين، الذاهبين إلى أداء واجبهم الانتخابي، مثلما يجب أن يكون في مدار نطقهم وبياناتهم وكلامهم: أن الإصلاح المطروح، طائفياً، كذبة، والعلمنة كذبة أكبر!! وإلغاء الطائفية السياسية، كذبة أفدح!! والمقاومة الفئوية استقواء على البلد، والعروبة الهائمة، تسلط واستبداد، واللبنانية، انعزال مستحيل، ورفض النقاش في كيفية مساهمة اللبنانيين في الصراع العربي الإسرائيلي، هو إصرار على إلحاق «حياة المواطنين»، بمحاور الممانعة المؤقتة، والمعاندة المحسوبة بدقة للخطط الإمبريالية والاستعمار»!! ما سلف، على صعيد تكتيكي، يضعنا، كما سبق القول، أمام الاستراتيجي، ويفتح مباشرة على إعادة طرح السؤال، عن معنى اليسار اليوم: وعن مغزى أن يصف قائل ما، نفسه، بأنه يساري أو ديموقراطي. قد يشكل ما جرت الإشارة إليه من عناوين، مساعدة في مجال البحث عن التحديد العام والخاص، ما دامت «اليسارية» موقفا فكريا وعمليا، من القضايا، وما دامت «الديموقراطية» رأيا ورؤية، في الراهن، وفي المستقبل الذي يصبو «التغييريون» إليه.
في ميدان المعاينة الحالية، يصير لزاماً الاعتراف بأنه من الصعب أيضاً التسليم بالصفة اليسارية للأشخاص وللأحزاب، إذا ما كانت مادة الصفة مستقاة، فقط، من تصنيف الشخص أو الحزب لنفسه. قد يقع موقع «التقدير»، أو الترحيب الخفر، صمود أبناء «الماضي اليساري» والديموقراطي، في رحاب خياراتهم، لكن سيكون موضع تعجب، استمرار شرحهم لخياراتهم، بوسائل الإيضاح المتقادمة، مما يجعل من المبرر الانتقال من موقف التعجب إلى حالة الاستهجان… وما قد يستتبع هذه الحالة من لا مبالاة بالتحليل الذي يتردد في وادٍ مفرد سحيق… غابر… ببساطة لأنه ما عاد يطرق باب الآذان، والأذهان.
قبيل الانتخابات، ثمة شرح مغاير مطلوب، من موقع اليسار، الذي سيستمر حاجة موضوعية في لبنان، وإن قلّ مرتادو هذا الموقع… وبعد الانتخابات ثم شروح أطول، يجب أن يبادر إلى تعيين مواضيعه من يريد الانتساب إلى مسيرة إعادة تأسيس الموقع اليساري. وفي انتظار الجميع، سيكون النظام الطائفي ذاته، بتوازناته الجديدة، وبنهبه المستمر، وبقيوده الحقيقية على تطور البنية اللبنانية، حياة ونظاماً.
([) كاتب لبناني
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى