ما الذي يمنع انفراجاً سورياً – مصرياً؟
زين الشامي
يلاحظ المتابعون للشأن الإقليمي، خصوصاً بعد الانفراج في العلاقة السورية – السعودية منذ قمة الكويت الاقتصادية، ثم أخيراً في قمة الدوحة بعد اللقاء الذي جمع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد، يلاحظ المتابعون أن ثمة برودة مازالت تخيّم على العلاقة السورية – المصرية، رغم كسر حاجز الصمت والجفاء الذي كان قد وسم العلاقة بين البلدين منذ حرب يوليو في لبنان عام 2006.
صحيح أن المتغيرات التي حصلت في الولايات المتحدة بعد مجيء الرئيس باراك أوباما إلى البيت الابيض لعبت دوراً أساسياً وشكلت عاملاً دافعاً في حصول بعض الانفراجات الإقليمية، لكن ثمة عوائق وملابسات وعتباً في كلتا العاصمتين، دمشق والقاهرة، فمازالتا بمثابة الصخرة العتيدة التي تمنع رياح المتغيرات الأميركية من التأثير على بعض «الرؤوس الحامية» في كلا البلدين.
يقول ديبلوماسي عربي: «لم يعد ثمة شيء يستأهل هذا التأخير كله وتقوقع كل من دمشق والقاهرة خلف متاريس الماضي». ويضيف: «هي مسألة وقت وسنرى انفراجاً قريباً إلا إذا حصلت تطورات إقليمية خارج إرادة القاهرة ودمشق». وحين سؤال هذا الديبلوماسي عن طبيعة هذه العوائق والأسباب التي حالت دون حصول تقدم على المسار السوري – المصري أسوة بالمسار السعودي – السوري؟ يجيب الديبلوماسي: «هل تصدق أن النقطة العالقة هي أن القاهرة تصر على زيارة يقوم بها الرئيس بشار الأسد إلى القاهرة، فيما دمشق تقول إن مثل هذه الزيارة لا تحل الخلافات، بل لابد من بحث الأسباب التي أدت إلى الجفاء والتفاهم على صيغة تبقي على العلاقة بحدها الطبيعي وتعترف بإمكانية وجود خلافات وإدارتها، أي تنظيمها بحيث لا تشكل سبباً للقطيعة أو الجفاء». ويختم هذا الديبلوماسي بالقول متفائلاً: «ربما تقوم دولة عربية مهمة بلعب دور ما في هذا المضمار خلال القريب العاجل».
وما يجعل من كلام هذا الديبلوماسي العربي أقرب إلى الواقع هو توقف وسائل الإعلام في كلا البلدين عن شن هجمات إعلامية بحق بعضهما، مثلما كانت عليه الحال منذ 2006 وحتى فترة قريبة، لا بل إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم صرح منذ أيام بأن «علاقات سورية بمصر متطورة وأن الأمور تسير بالطريق الصحيح بعد اجتماع قمة الرياض».
ورغم الأجواء التفاؤلية التي يشيعها البعض عن حصول انفراج قريب بين البلدين فإن ثمة صعوبات في تذويب كرة الثلج التي كبرت خلال العامين الماضيين، فدمشق ومن خلال إصرارها على ضرورة «الاعتراف بالخلافات وإدارتها أو تنظيمها» تخفي ضمنياً رغبتها في البقاء على مواقفها الإقليمية من دون تغيير والحفاظ على الزخم ذاته في علاقاتها وتحالفاتها مع كل من إيران و«حزب الله» اللبناني وحركة «حماس»، فيما مصر مازالت ترى خطراً قومياً استراتيجياً تمثله إيران في المنطقة ويهدد مصالحها ويسعى إلى تخريب العلاقات العربية – العربية، لا بل أن هناك في مصر من ينظر بحسرة على تلك الأيام الجميلة في العلاقة السورية – المصرية، تلك العلاقة التي تكللت بالوحدة بين البلدين (1958 – 1961)، والمعارك المشتركة التي خاضها البلدان دفاعاً عن قضية ومبادئ واحدة «حرب أكتوبر 1973»، وصولاً إلى العلاقة التي كانت تربط دمشق والقاهرة، والرئيسين، الراحل حافظ الأسد وحسني مبارك اللذين وقبل أن يكونا رئيسين كانا زملاء وأصدقاء و«طيارين حربيين» تدربا في كلية جوية واحدة.
وبالعودة إلى احتمال تحسن العلاقة السورية – المصرية، ثمة من يعتقد أن «رؤوساً حامية» مازالوا مؤثرين وموجودين في كلا البلدين ويسعون إلى الإبقاء على هذا المستوى البارد في العلاقة، فتلك الرؤوس الحامية في مصر ترى أن سورية حالياً ليست هي التي كانت عليه أيام حافظ الأسد، وهي الآن وقعت تماماً في الحضن الإيراني وأصبحت أداة وذراعاً متقدمة لطهران تشق الصف العربي، كذلك يرى أصحاب هذه الرؤوس أن دمشق تسعى إلى بناء علاقة مع تركيا والدول الأوروبية كلها والولايات المتحدة فيما لا تبذل ولو جهداً يُذكر لترميم علاقتها مع شقيقتها الكبرى مصر. من ناحيتهم، يرى أصحاب الرؤوس الحامية في دمشق أن مصر أيام عبدالناصر ولّت إلى غير رجعة، وهي أضعف من أن تلعب دوراً قومياً مؤثراً يمكن لسورية أن تعتمد عليه في عملية المفاوضات لاسترجاع الجولان أو حتى في حال الحرب مع إسرائيل، أو لتحسين علاقتها مع الغرب التي شهدت صعوبات بالغة منذ نحو أعوام خمسة، وحتى فترة قريبة، ويضربون مثلاً على الموقف المصري إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006 حين وقفت مصر موقف «الشامت والمتفرج».
وما بين نظرة متفائلة وأخرى متشائمة، فإن الأيام أو ربما الشهور القليلة المقبلة تثبت أيهما أقرب إلى الواقع.
الراي الكويتية